23-11-2024 12:49 PM بتوقيت القدس المحتلة

مرسال أقوى

مرسال أقوى

مرسال هو السياق والداعوق الاستثناء وميقاتي يمتلك القوة الكافية لإعلان ذلك. وقد أعلنه بفجاجةٍ، إذ هنّأ غانم على برنامجه الذي «يختصر كل الوجع اللبناني». لقد حسم ميقاتي نقاشاً يختنق به البلد لصالح المذيع

سحر مندور / جريدة السفير

مرسال أقوىلم تُعرف لوزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال وليد الداعوق، مواقف فروسية كثيرة سابقاً. اعتدناه يخرج علينا نحن المواطنين بالبيان، ويقرأه من الورقة. وهو يتلعثم أحياناً، ونحن نتفهمه. لا تظهر عليه علامات غضبٍ شديد، ولا يعتبر رأس حربة أيّ خطاب سياسيّ في البلد. كأنّه وزيرٌ منصرفٌ لشؤونه، وهي أصلاً حكومة تصريف أعمال.

أما رئيس الحكومة ذاتها نجيب ميقاتي فموقعه مختلف تماماً من العملية السياسية والسلطوية والمالية في لبنان. يشرف عليها من فوق، وطوله الفارع يساعده على الإيحاء بهذه الصورة. يكون ابن بلدٍ حيناً، ابن مصلحة حيناً، له دور خارجي وله دور داخلي، وهو نقطة تلاقٍ صعبة بين السياسيين اللبنانيين، يتجهّز الرئيس تمّام سلام لشغرها منذ شهور طويلة، ولم يجهز بعد.

بين الوزير ورئيسه، وقف الزميل مرسال غانم، صاحب البرنامج الحواري السياسي الناجح منذ العام 1990. بات صديق ضيوفه، حتى وهو يدّعي «حشرهم» في الزاوية الصعبة. له أسلوبٌ في التقديم حاول كثيرون تقليده، ونجح بعضهم في ذلك. له نوع من أنواع السلطة الرمزية في لبنان، إذ يمتلكها من امتلك مفاتيحها وليس فقط من حاز على الموقع الذي يخوّله امتلاكها.

حول مسألة «السلطة» هذه، تدور القصة: الوزير يمتلك سلطة بحكم منصبه، استخدمها ليوجّه إنذاراً للمذيع، لكن الرئيس عاد واعتذر (تقريباً) للمذيع، متجاهلاً موقع الوزير، ولحسن حظنا، لم توضع هذه القضية في سياق «حريات التعبير»، وإنّما «تثمين الدور».

في المقابل، اتخذت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» لنفسها موقعاً دقيقاً من «الأزمة». ففي نشرة أخبارها ليل أمس الأول، أكّدت إنها تساند مذيعها ضدّ وزير الإعلام، ولكن ليس ضدّ المتفرجين. فبنبرةٍ عالية تكاد تموّه المضمون الآسف، قالت النشرة إن مرسال غانم اعتذر على صفحة البرنامج على الإنترنت عن الحلقة التي تضمّنت نعراتٍ وفتناً، وها نحن نكرّر الاعتذار على مسامعكم. وفي ذلك فعل خيرٍ، لأن مشاهدي الحلقة بالتأكيد كانوا أكثر عدداً من قارئي صفحة الاعتذار، فسدّت النشرة الهوة. ثم تابعت، بالنبرة ذاتها، فصلها ما بين الوزير والناس، معتبرةً بصريح العبارة أنه لا يفعل شيئاً إلا تدمير «تلفزيون لبنان».

إذاً، «أل بي سي» في دفاعها عن نفسها، لا تلغي الحق العام وإنما تنحني (بإباء!) أمامه، قبل أن توجّه جام غضبها على الوزير. وهي بذلك تبادلت الأدوار معه: جرّدته من موقعه كموظّف دولة، وخبّأت حلّتها كمؤسسة تجارية خاصة، لتمنح نفسها على حسابه وسام الخدمة العامة.. حتى كادت تمنح نفسها راتبه التقاعدي.

نجيب ميقاتي أطول من كل طويلحزينةٌ حال هذا الوزير.. لا يكفيه من ضعف الأثر إنَّه وزيرٌ في حكومة تصريف أعمال، لا بل كتب عليه الدهر أن يقبع طرفاً في مثلثٍ ناريّ كهذا، أيضاً! فقد تجلّت مراكز القوة في هذا المثلَّث بوضوحٍ على الشاشة، كما في الدولة اللبنانية: الداعوق عابر سبيل، بينما غانم يستضيف ميقاتي منذ سنوات طويلة مضت ولسنوات كثيرة مقبلة.

مرسال هو السياق، والداعوق هو الاستثناء، وميقاتي يمتلك القوة الكافية لإعلان ذلك. وقد أعلنه بفجاجةٍ، إذ هنّأ غانم على برنامجه الذي «يختصر كل الوجع اللبناني». لقد حسم ميقاتي نقاشاً يختنق به البلد، لصالح المذيع. كان «إنذار الوزير» ليفتح باب نقاشٍ بطرحه إمكانية المحاسبة، وإن أخطأ بإحلاله آليةً انتقائية وعشوائية لهذه المحاسبة. وجميعنا يعلم أن باب المحاسبة يحتاج من يطرقه في بلدٍ يعيش حالة جنونٍ أمني، وبصّاراته يتنبأن بموقع التفجير المقبل.

لكنه الإعلام، وهي الدولة. لا باب بينهما يقود إلى نقاش وطني صحّي في لبنان، وقد آن لنا أن نسأم من الاقتناع بذلك. فحتى مرسال نفسه سبق له أن سجّل «انتصاراً» على الدولة اللبنانية: في تشرين الأول 2010، صوّت الوزراء ضدّ إدانة حلقة نارية من «كلام ناس» تضمّنت مقابلات مع مواطنين من الطائفة السنيّة يخشون تكرار هجوم 7 أيار. يومها، خرج وزير الإعلام طارق متري ليخبر أن الشاشات الخاصة أقوى من وزارة الإعلام في الحكومة اللبنانية.

كانت كذلك، وهي اليوم كذلك. وما الداعوق ومتري إلا عابري سبيل في سياق يصنعه مرسال.