24-11-2024 10:20 AM بتوقيت القدس المحتلة

بنـدر السعـودية: فليكن التفجير! (1)

بنـدر السعـودية: فليكن التفجير! (1)

مقلق هو الوضع بالنسبة للسعودية ومرد ذلك ليس متعلقاً بما أفرزته التحولات في المنطقة فحسب بل إلى هواجس متداخلة بين حسابات الداخل والخارج. ففي المملكة، ذات الوضع الداخلي المنهك والهش، تفوح رائحة انقسامات

الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيزمقلق هو الوضع بالنسبة للسعودية، ومرد ذلك ليس متعلقاً بما أفرزته التحولات في المنطقة فحسب، بل إلى هواجس متداخلة بين حسابات الداخل والخارج. ففي المملكة، ذات الوضع الداخلي المنهك والهش، تفوح رائحة انقسامات بين الجيل الأول من أبناء عبدالعزيز والجيل الثاني. كما أن تعاطفاً داخلياً مع الاخوان المسلمين إضافة إلى صعود الجماعة في المنطقة أخذ يشكل تهديداً يطرق أبواب قصور العائلة الحاكمة، فتجند له دعاة المملكة ونفطها.

بموازاة ذلك، يرى آل سعود في النفوذ الإيراني في المنطقة استفزازاً لهم، تتحدد بموجبه مواقفها من مجمل ملفات المنطقة. فيُربط به قلقهم من التحركات في البحرين، التي وعلى سلميتها تقض مضاجعهم. ويضيفون إلى ذلك ما يجري من تحركات في المنطقة الشرقية من السعودية، تحركات تزعج المملكة التي لم تتصالح حتى الان مع فكرة المطالب الشعبية. وعلى الحدود الجنوبية -حيث اليمن- يكمن ثقل حوثي لم يُفلح العسكر السعودي والحليف في وضع حد له. والمشكلة في العراق مشابهة لما هي عليه في سورية ولبنان.. حيث ميزان القوى بحساباتهم يميل لصالح إيران.

لا تكتم السعودية هواجسها ومخاوفها.. فتشير إليها في كل محطة، وتتصدى لها  بشكل مباشر كما في البحرين والداخل واليمن، كما تغدق الدعم المالي والسياسي على ما يصفه الاخوان المسلمون بـ"الانقلاب على الشرعية" في مصر. وتمرر رسائل أمنية عبر مجموعات إرهابية تمولها وتديرها في العراق أو لبنان فتقابل هذه الاتهامات بالصمت، وتعلن صراحة عن انخراطها كطرف في ألازمة السورية، فتدعم وتمول وتدرب المسلحين هناك.

وفي سورية كلما جاهرت المملكة بدعمها للمقاتلين يُفهم من ذلك أنَّ الوضع على الأرض لا زال بيد الجيش السوري... شبح الهزيمة في سورية يؤرق المملكة، فتنغمس في تفاصيلها أكثر وأكثر. وبعد أن طغى حديث التسوية اثر استبعاد الدوحة كلاعب رئيسي في الأزمة، تلزمت الرياض المشروع الأميركي في المنطقة، قدمت ضمانات فيما يتعلق بالمجموعات السلفية ، وحصلت على مكاسب لناحية ابعاد الاخوان عن المشهد السياسي ، فكان القرار السعودي: لا للتسوية، وإن كان التفجير.. فليكن!

بندر والصفقة الكبرى

بندر بن سلطان"قطر ليست إلا 300 شخص... وقناة تلفزيونية"... "وهذا لا يجعل منها بلداً"، هذا ما صاح به بندر بن سلطان، في احدى مكالماته الهاتفية، في اجتماع لتنسيق شحنات الأسلحة المرسلة الى المجموعات المسلحة في سوريا في الصيف الماضي، بحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال". أتى هذا الموقف بالتزامن مع مضاعفة الملك عبد الله واجبات ومهمات ابن اخية بندرالذي تم تعيينه كرئيس لمكتب الأمن القومي، مع إشرافه أيضا على المخابرات العامة السعودية. وأُسند لعدد من أمراء الجيل الثاني مناصب حساسة في السلطة مطلقاً يدهم بالتصرف، ومن هؤلاء: محمد بن نايف (الملف الداخلي) ومتعب بن عبد الله (وزير الحرس الوطني) وسلمان بن سلطان (نائب وزير الدفاع.)

أرادت المملكة من هذه الخطوة تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج، أو ربما إيجاد قضية تجمع الطبقة السياسية الحاكمة لترميم الوضع الهش والمتصدع في الداخل ، في ظل صراع خفي محتدم بين أمراء الجيلين مع غياب صيغة تؤمن انتقال السلطة من الأول إلى الثاني وفقاً لرأي الكاتب في صحيفة الأخبار ناصر شرارة في حديثه لموقع قناة المنار، بينما قرأت صحف غربية  في التعيين تعبيرا عن مرحلة انتقالية في السياسة السعودية.

عادت السعودية إلى الساحة السياسية الدولية باندفاع أكبر، وعينها على التمدد الاخواني الذي بدأ يطرق أبواب الخليج والمملكة. يشرح شرارة أنه وبحسب معلومات سُربت ، فان داخل آل سعود انفسهم من أبدى تعاطفاً مع الاخوان ، وأهمهم كان خالد بن طلال، وهو ما رفع منسوب قلق حكام المملكة، إلى جانب موقف "تيار الصحوة" المنتشر في المملكة والذي وجد في أفكار سيد قطب سلفية جهادية تروق له.

عملت الرياض على إقناع واشنطن بضعف التجربة الإخوانية، مقابل أن يُسند الدور لحركات سلفية، وقدمت ضمانات باحتواء الحركات المتطرفة مقابل انهاء صعود الاخوان... وقد ذكّرت السعودية بفشل القطريين والأتراك في تنفيذ مهتهم رغم المهل المتكررة التي أطلقوها للاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.

قطر إلى التنحي والأردن بديلاً عن تركيا

سُحب الملف من يد قطر، واُطيح بالاخوان في مصر، بينما انفجرت تركيا غيظاً. وقد عمد السعوديون بذلك إلى تقزيم الدورين التركي والقطري. وظهر ذلك في التركيبة الأخيرة لما يُسمى بالإئتلاف السوري المعارض، حيث تم تعيين أحمد الجربا وميشال كيلو وجورج صبرا، وهم الأعضاء الذين يمثلون التوجه السعودي في التكشيل المعارض.

الفيتو السعودي على دور الاخوان لم يقتصر على مصر، بل شمل كل وجودهم في المنطقة. ورأت السعودية - وفق تعبير بندر بن سلطان في لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- أن كلا من قطر وتركيا تجاوزتا الأدوار المرسومة لهما في دعم الاخوان المسلمين، الذي قدموا بدورهم تجربة ارهابية على حد وصف الأمير السعودي.

كان لابد من وضع حد لتنامي حجم المحور القطري-التركي. تنحى حمد بن خليفة آل ثاني وقُضي الأمر بمباركة أميركية. ثم جاء دور تركيا التي رأت أن المعركة ارتدت الى تهديد وضعها الداخلي. وفي الحسابات السعودية ، فان تنامي أي قوة اقليمية قد تزاحم المملكة في دورها يعتبر خطا أحمر. فبدأت بتحجيم هذا الدور ، فكانت الوجهة إلى الأردن، وكل ذلك بغية حفاظ السعودية على دورها وتوسيع نفوذها الاقليمي.

تنقل صحيفة "وول ستريت جورنال" عن تقرير أجنبي أن موظفين في المخابرات السعودية والأميركية وغيرها من دول التحالف لاسقاط الرئيس الاسد يعملون في غرف عمليات مشتركة وسرية لتدريب وتسليح المقاتلين ضد النظام منذ الصيف الماضي، وكان رئيس وكالة المخابرات المركزية يومها، ديفيد بترايوس، من أوائل المؤيدين لهذه الفكرة. الصحيفة الأجنبية ذكرت أن "موظفي كالة CIA في قاعدة الأردن موجودون بأعداد أكثر من نظرائهم السعوديين، وفقا لدبلوماسيين عرب".

يومها التقى بندر بن سلطان "مع بعض الأردنيين غير المرتاحين لمثل هذه القاعدة.  واستغرقت لقاءاته في عمان مع الملك الأردني عبد الله في بعض الأحيان ثماني ساعات في جلسة واحدة، كما نقل التقرير عن  شخص مطلع على هذه الاجتماعات. وقال مسؤولون في المنطقة والولايات المتحدة إن الاعتماد المالي للأردن على السعودية منح الرياض وبندر النفوذ القوي. وأضافوا انه بمباركة من الملك الأردني، انطلق عمل القاعدة العسكرية  في الأردن في صيف عام 2012"، وقد ساعد بترايوس في انتزاع الدعم العسكري الأردني للقاعدة".

سلمان بن سلطانانتقلت غرف العمليات إلى الأردن لتنتزع من تركيا ورقة كانت بيدها منذ انطلاق الأزمة في سورية، وأُسند الاشراف على هذه العمليات إلى الأخ الأصغر وغير الشقيق لبندر الأمير سلمان بن سلطان آل سعود، الذي تسلم فيما بعد منصب نائب وزير الدفاع السعودي رغم صغر سنه، ولهذا يُطلق عليه البعض "بندر الصغير".

ولهذه المهمة، يقيم سلمان بن سلطان اليوم إقامة شبه دائمة في العاصمة الأردنية عمان، وتحديداً في الطابق الرابع من فندق رويال. فهو يدير جزءا هاماً من الاستراتيجية السعودية المتعلقة بالملف السوري، "وتحديدا الجزء المتربط بما وصفه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعبارة إعادة التوازن ميدانيا"، وفقاً لتشخيص صحيفة القدس العربي.

وقد أعقب نشاط "بندر الصغير" في الأردن نشر عدة تقارير عن وصول العديد من قطع السلاح الثقيل من ذخائر وصواريخ مضادة للدروع الى المسلحين في سورية، وتحديدا في منطقة درعا جنوبي سورية.

ورغم ما يُنقل عن انخراط الأردن في جبهة مقابلة لسورية، يصر بعض من في المملكة الهاشمية اليوم على أن موقف بلادهم لا يزال متأرجحاً، ومنهم المسؤول في حزب الوحدة الشعبية ضرغام هلسة. ويجزم هلسة –في حديث لموقع المنار- أن هناك خلافاً في مركز صناعة القرار الاردني بين من مع ومن ضد. إلا أن مجريات المعركة يدلل على أن الموقف الرسمي وحياده لم يكن ايجابياً، يضيف هلسة ان النظام السياسي يخدم تحالفاته التاريخية مع دول الاستعمار العالمي في مواجهة محور المقاومة، لأن  التردد في هذه المعركة غير مقبول.

ورغم ما يُغدق من دعم عسكري أميركي بتمويل سعودي، ترى CIA علامات اعتبرتها مثيرة للقلق: "إيران وحزب الله وروسيا، في رد فعل على تدفق الأسلحة للثوار من السعودية، يكثفون دعمهم للأسد". فكان لا بد من فتح المواجهة على مصراعيها... قالها بندر بصراحة لبوتين في اجتماعه الأخير: "المملكة لديها الكثير من المال وملتزمة باستخدامه لتسود"، وختم الأمير السعودي الذي أشار في بداية اللقاء الى أنه لا يتحدث باسم السعودية وحدها بل باسم الأميركيين: "لا مفر من الخيار العسكري بوصفه الخيار الوحيد المتاح حاليا"، معلناً بذلك: إذاً... فليكن التفجير!