في بلادنا، وأعتقد في معظم البلدان الشرق أوسطية، هناك طائر جميل مسالم اسمه الكركز (أبو فصادة)، يظهر في الحقول عادة مع أوائل شهر أيلول، ويشكل ظهوره فأل خير بالنسبة إلى الفلاحين
عبد الباري عطوان
في بلادنا، وأعتقد في معظم البلدان الشرق أوسطية، هناك طائر جميل مسالم اسمه الكركز (أبو فصادة)، يظهر في الحقول عادة مع أوائل شهر أيلول، ويشكل ظهوره فأل خير بالنسبة إلى الفلاحين، ملح الأرض، لأنه مؤشر على نضوج ثمار الزيتون، وبدء موسم الحصاد بالتالي.
النقيض تماما هو رئيس جهاز الاستخبارات مدير الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان، فكلما ظهر هذا الأمير في العلن، وقام بجولات أو زيارات، كلما اقتربت الحرب إلى المنطقة، والأميركية منها على وجه الخصوص.
بالأمس كشفت صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية عن تفاصيل جديدة لما حدث في اللقاء الذي تم بينه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تموز الماضي، حيث تعهد الأمير السعودي، الذي يعتبر من أخطر رجالات المملكة، بل والمنطقة، بصفقة كبرى لموسكو تتضمن تأمين عقود روسيا النفطية، واستمرار هيمنة غازها على أوروبا من دون منافسة نظيره القطري، وبقاء القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس على حالها، ووقف مقاومة المتمردين الشيشان، ومنعهم من القيام بأي هجوم على دورة الألعاب الاولمبية الشتوية العام المقبل في روسيا، لان المملكة تسيطر عليهم وتمولهم، وفوق كل هذا وذاك عقود تسليح بأكثر من 15 مليار دولار، مقابل تخلي روسيا عن النظام السوري وعدم عرقلتها لقرار بإدانته وتشريع الحرب لإطاحته.
الرئيس الروسي رفض هذا العرض المغري، وقال إن روسيا دولة عظمى ذات مصداقية لا يمكن أن تضحي بحلفائها من أجل حفنة من الفضة، وهنا التفت إليه الأمير السعودي وقال له إذاً الحرب آتية وعليك تحمل تبعاتها.
لقاء الأمير بندر بالرئيس الروسي يذكرنا بلقائه الشهير مع الرئيس الأميركي جورج بوش الثاني في مزرعته في تكساس، حيث جلس الأمير بندر ببنطاله الجينز على حافة الأريكة في لقطة نشرتها معظم صحف العالم على صدر صفحاتها الأولى، وفي ذلك اللقاء تقرر موعد الحرب على العراق، أو جرى إبلاغ الأمير السعودي به قبل وزير الخارجية الأميركي في حينها كولن باول، وهي الإهانة التي أصابت باول بغصة لم يشف منها حتى الآن.
الامير بندر هدد بوتين وها هو الرئيس باراك اوباما يتخلى عن حذره وتردده، ويقرع طبول الحرب على سوريا استعدادا للتنفيذ في أي يوم من الايام المقبلة.
السؤال الآن لم يعد هو عما إذا كانت الحرب سيشتعل أوارها أم لا، فهذه مسألة محسومة والبوارج الأميركية والبريطانية والفرنسية تتدفق باتجاه المياه السورية محملة بصواريخ «كروز» والطائرات المقاتلة، والرؤوس النووية، في عدوان ثلاثي جديد، ولكن السؤال هو عن كيفية هذا العدوان وحجمه، ومدته، والنتائج التي يسعى الى تحقيقها.
التسريبات الصحافية الأميركية والبريطانية تقول إن هناك سيناريوهين لهذا الهجوم وأهدافه:
الأول، قصف بالصواريخ على أهداف وقواعد عسكرية سورية لتدمير القدرات الدفاعية للنظام كليا، وإعطاب مخزونه من الأسلحة الكيميائية الموزعة على ثمانية مواقع، ويذكرنا هذا السيناريو بإطلاق الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون 75 صاروخا على قواعد لتنظيم «القاعدة» في أفغانستان، وخمسة منها على مصنع «الشفاء» للأدوية في الخرطوم كرد على هجومين على السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام.
الثاني، أن يتواصل هذا الهجوم الجوي والصاروخي لبضعة أيام وربما أسابيع تمهيدا لغزو بري لإطاحة النظام، على غرار ما حدث في العراق وفي صربيا بدرجة أقل. ولكن هناك من ينفي هذا السيناريو لأسباب عدة، من بينها عدم وجود بديل لنظام الرئيس بشار الأسد في أوساط المعارضة، والخوف من سيطرة الجماعات الإسلامية على الحكم.
المؤيدون لهذا العدوان على بلد عربي يقولون إن أوباما يريد أن يحافظ على أقوى رصيد لبلاده كدولة عظمى، أي الحفاظ على هيبتها ومصداقيتها، لان الإمبراطوريات العظمى على مر التاريخ تبدأ في الانهيار عندما لا تحافظ على هذين الأمرين بالوسائل العسكرية إذا اقتضى الأمر.
ومن المؤكد أن هناك من سيسأل عن مصداقية روسيا كدولة عظمى في هذه الحالة، وما إذا كان سيدافع بوتين عنها، أم انه سيبلع هذه الإهانة، مثلما بلع أسلافه إهانتي غزو العراق وإطاحة النظام الليبي على يد قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو).
لا نعرف ماذا سيكون الرد الروسي، فقد قال وزير الخارجية سيرغي لافروف ان بلاده لن تخوض حربا ضد أحد على الأرض السورية، ولكنها قد تخوض هذه الحرب بطريقة أخرى، أي من خلال حلفائها السوريين والإيرانيين، وما يتردد عن الأسلحة الحديثة الدفاعية التي زوّدتهم بها، مثل صواريخ «اس 300» المضادة للطائرات والصواريخ.
من الصعب أن يتكهن أي مراقب بمدى مصداقية هذه النظرية، وما إذا كانت روسيا قد زوّدت حلفاءها بهذه الصواريخ أو غيرها، لكن انهيار الدفاعات السورية، وعدم حدوث أي رد سوري فاعل، سيقضي على ما تبقى من هيبة ومصداقية للدولة الروسية العظمى، ومع ذلك نسمح لنفسنا أن نقول إن الحرب مفاجآت.
الأمر المؤكد أن أي عدوان ثلاثي أميركي - بريطاني - فرنسي سيكون دماراً على المنطقة، لأنه لا يتم بتفويض دولي أولا، ولأننا لا نملك حتى الآن دليلا قاطعا موثقا على أن النظام السوري هو الذي ارتكب هذه المجزرة الكيميائية وان كان ارتكب مجازر أخرى قبلها بأسلحة تقليدية ثانيا.
ضحايا هذا العدوان سوريون، وربما يفوق عددهم أضعاف ضحايا المجزرة الكيميائية هذه، وهؤلاء مسلمون وعرب أيضا، من العار على البعض أن يفرح ويرقص لذبحهم بالصواريخ الأميركية وهي الصواريخ التي لم تحم عرباً على الإطلاق، وكانت دائما تحصد أرواحهم خدمة لإسرائيل واستمرار عدوانها واحتلالها.
نعرف متى تبدأ الحروب ولا نعرف، أو يعرف مشعلوها كيف تنتهي ومتى، وكل حروب أميركا ضدنا كانت دائما لخدمة إسرائيل وبتحريض منها، وأدت إلى فتن طائفية، وتفتيت جغرافي وديموغرافي، وفوق كل هذه وذاك تحويل الدول العربية المستهدفة بالعدوان إلى دول فاشلة.
خسرنا مليوناً في العراق، والآلاف في ليبيا وأفغانستان، فكم من الأرواح البريئة سنخسر في سوريا؟
نبكي دماً لكل طفل سوري سقط بالسلاح الكيميائي، ونعتبر مجزرة الغوطة جريمة حرب ارتكبت بدم بارد، لكننا لا نثق مطلقا بالأكاذيب الأميركية والغربية، ولا بالحملات الإعلامية العربية التي توظف حاليا لتشويه الحقائق وتزويرها، ألم يخدعونا في العراق في وضح النهار؟
سنحزن لمقتل أي مواطن سوري بالصواريخ الأميركية، وسنشعر بالغصة والغضب لتدمير أي منشأة عسكرية سورية فهذه ملك للشعب السوري كله.
نريد الحقائق الدامغة، ثم بعد ذلك فليصدر الحكم وينفذ ضد المجرم أيا كان.
وقفنا ضد التدخل العسكري الأميركي في العراق وفي ليبيا وأفغانستان، ولن نكون معه في سوريا حتماً.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه