التحقيقات التي يجريها فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي حول جريمة التفجيرين الارهابيين في طرابلس، تستدعي التوقف كل لحظة، سواء في حال ثبوت التهم الموجهة الى الحكومة السورية وحلفاء لها في لبنان
ابراهيم الأمين
التحقيقات التي يجريها فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي حول جريمة التفجيرين الارهابيين في طرابلس، تستدعي التوقف كل لحظة، سواء في حال ثبوت التهم الموجهة الى الحكومة السورية وحلفاء لها في لبنان، او تبيان محاولة فبركة الاتهام. ويمكن القول، ابتداء، انه مثلما تورط مسؤولون سوريون في ارسال متفجرات مع ميشال سماحة، فانه يمكن لمسؤولين سوريين آخرين القيام بالامر نفسه مع غير سماحة.
لكن هذا يتيح القول، صراحة، انه مثلما عمل فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي، ومعه جهات قضائية، على فبركة ملف اتهام سوريا والضباط الاربعة في جريمة اغتيال رفيق الحريري، فانه يمكن للفرع تكرار الامر نفسه.
رواية فرع المعلومات حول تورط النظام السوري في تفجيرات طرابلس، تنطلق من ان لدى الفرع معلومات مسبقة عن عمليات مراقبة ومتابعة تقوم بها مجموعات على صلة بالجانب السوري، وان عمليات الرصد تخص شخصيات سياسية ودينية وامنية من فلك تيار المستقبل، وان مخبراً، هو الموقوف مصطفى حوري، تجرأ في «لحظة صحوة» على اخبار فرع المعلومات، مباشرة او من خلال اللواء اشرف ريفي، بمعلومات تتعلق بـ«استعدادات لعملية تفجير ارهابية في الشمال». وحسب رواية الفرع، فان حوري اشار بالاسم الى الشيخ احمد الغريب المقرب من الشيخ هاشم منقارة، الشخصية الاسلامية التي تواجه ازمة جدية في العلاقة مع فريق 14 آذار. وتضيف الرواية ان الغريب بعد توقيفه، انكر كل معرفة او صلة، لكنه عاد وأقر بأنه سمع عن الموضوع، وانه تحدث امام منقارة عن الامر، ولكنه نفى علمه بالتنفيذ والمنفذين. تخلص رواية فرع المعلومات الى ان التحقيقات مع منقارة والغريب وحوري تسمح بالاشتباه بتورطهم في الملف، سواء لناحية المعرفة المسبقة، وعدم اخطار الدولة او الاجهزة المختصة، وان تحقيقات اضافية قد تكشف المزيد... وعند هذا الحد، تنتهي رواية الفرع من دون بهارات تيار المستقبل.
حكماً، لم يقدم احد رواية مضادة حول من يقف خلف تفجيري طرابلس. الاجهزة الامنية كافة تتحدث عن حصر التحقيقات فعليا من جانب القضاء بيد فرع المعلومات. وعلى الارض، لا مؤشرات بعد بيد اي جهاز امني اخر حول حقيقة ما حصل. وبعيدا عن «عدواة المهنة» التي تسمح لبقية الاجهزة بانتقاد فرع المعلومات، فان جهات رسمية نافذة، واخرى سياسية لديها نفوذها الحقيقي داخل مؤسسات الدولة، تنظر بعين الريبة الى رواية فرع المعلومات، وتورد هذه الجهات ملاحظات مهنية وسياسية منها:
اولاً: ان فرع المعلومات انطلق بعد دقائق من حصول التفجيرين في عملية تحقيق تستند الى فرضية ثابتة في رأس المحققين، او من يقف خلفهم سياسيا، وهي فرضية ان النظام السوري، ولا احد غيره، يقف خلف هذه التفجيرات. علما ان بين اعضاء هذا الفريق، من يصر على ان النظام في سوريا هو من فجر في بئر العبد والرويس ايضا.
ثانياً: قرر فرع المعلومات القيام بعمل مهني وتقني استنادا الى اتهام سياسي جاهز، ما يعيد الى الذاكرة طريقة عمله بعد توليه التحقيقات اللبنانية في جريمة اغتيال الحريري. ويومها، شهد اطول فيلم من التزوير والفبركة والتأليف وحجز حريات الناس والاعتداء على كرامتهم، والمشاركة في عملية تضليل استهدفت تغطية خيارات سياسية لفريق 14 آذار ، سواء ضد سوريا، او ضد شخصيات على خصومة سياسية بفريق المستقبل ولاحقا ضد حزب الله.
ثالثاً: صحيح أن الحصانة من جهة، وقرار المحكمة الدولية من جهة اخرى، يمنعان مساءلة او ملاحقة قضاء بتهمة المشاركة في عملية التضليل هذه، الا ان اسم القاضي صقر صقر (الذي يريد مقاضاة «الأخبار» لانتقادها طريقة عمله) هو من الاسماء البارزين في قضية حجز حرية الضباط الاربعة لفترة طويلة. وهو محل تحفظ سياسي من جانب فريق يمثل على الاقل نصف اللبنانيين. وسابقته تسمح بالتشكيك في خطواته القضائية الحالية في قضة تفجير طرابلس.
رابعاً: ان التسريبات الاعلامية التي حصلت، وعبر وسائل اعلام فريق المستقبل المباشرة وغير المباشرة، انما تعكس استمرار الذهنية نفسها، والعقل الانتقامي والكيدي نفسه. وان مسارعة «مجهولين» الى اعداد بيان وطباعته وتوزيعه في طرابلس تطلب طرد الشيخ هاشم منقارة وانصاره، قبل ساعات من استدعائه او مثوله امام المحققين... كل ذلك يعزز الشكوك بما يقوم به فرع المعلومات، ويحتم قيام جهة قضائية ــ امنية مستقلة تولي التحقيقات.
خامساً: ان اسلوب المخبر، والذي اتبع مجددا مع شخص فاقد المصداقية، وآليات الترهيب والترغيب المعتمدة مع اشخاص عاديين، يعيدنا من جديد الى حكايات محمد زهير الصديق وهسام هسام وغيرهما من شهود الزور، حيث رفضت كل طلبات الاستماع الى اقوالهم، وهو ما حصل ايضا مع المخبر في قضية سماحة، اي ميلاد كفوري، والاستعانة الآن بشخص فاقد المصداقية، مثل مصطفى حوري، كل ذلك، يزيد من الشكوك حول ما يجري.
باختصار، نحن امام لعبة بالغة الخطورة، ومن يرفض المراجعة لمنع محاسبته، قد يعود الى تكرار فعلته، خصوصا اذا كان فريقه السياسي يستعد لحصاد جنون اميركي ــ غربي محتمل ضد سوريا. وهو ذاته الفريق الذي يعطل البلد بأمر من مملكة القهر...
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه