يقترف انتهاكاته في النبي صموئيل نتيجة لأطماع توسعية، والرغبة في السيطرة وتحقيق تواصل جغرافي بين القدس ومستوطنتي "جفعون" و"جفعات زئيف".
في إطار عمليات تهويد المكان منذ عقود لا تتورع سلطات الاحتلال الإسرائيلية حتى عن تحويل المساجد لكنس، لا فرق بين الأرض المحتلة العام 1948 وتلك المحتلة في العام 1967. ويتمّ تزوير هويتها تارة دفعة واحدة وتارة بالتدريج عبر توظيف الحفريات الأثرية كما تشهد قرية النبي صموئيل (ع)، ومثلما تؤكد تقارير فلسطينية وإسرائيلية أيضا.
قرية النبي صموئيل الواقعة شمال القدس والمعروفة أيضا ببرج النواطير، تمتاز بمسجد تاريخي ينسب للنبي صموئيل (ع). تتعرض القرية منذ احتلالها في 1967 لحملات هدم وتهجير وحصار، ولم يبق من سكانها سوى ربعهم (250 نسمة)، يقيمون بجوارها بعدما تم اقتلاعهم منها غداة هدمها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في العام 1971 بذريعة إنقاذ آثار نادرة.
تدمير وتهجير
لكن منظمة "عيمق شافيه" الإسرائيلية (المتخصصة بمكانة علم الآثار في المجتمع والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني) تؤكد أن الحفريات الأثرية الجارية منذ 1992 لم تظهر أي شيء يدل على آثار يهودية. "عيمق شافيه" في دراسة جديدة بعنوان "النبي صموئيل- قصة قرية أسيرة في حديقة" على أن الآثار الموجودة إسلامية وعلى رأسها مسجد تاريخي. ويحتوي المسجد على مقام للنبي صموئيل، وتدعي أوساط يهودية أنه مقام يهودي، وقد بني أسفل المسجد كنيس يحمل الاسم نفسه.
المشرف على الدراسة يونتان مزراحي يوضح - لقناة الجزيرة التي لا تتحرج من إجراء مقابلات مع الإسرائيليين- أن الاحتلال يقترف انتهاكاته في النبي صموئيل نتيجة لأطماع توسعية، والرغبة في السيطرة وتحقيق تواصل جغرافي بين القدس ومستوطنتي "جفعون" و"جفعات زئيف". وأوضح مزراحي -وهو عالم آثار معروف- أن الجيش هدم منازل القرية طمعا في السيطرة على موقع إستراتيجي مرتفع جدا. ويؤكد مزراحي أن الكيان الصهيوني سعى لإبادة معالمها الفلسطينية غداة احتلالها العام 1967، مشيرا إلى أن القرية تواجه اليوم خطر الانقراض.
"حديقة قومية"
وتنوه الدراسة لتحويل أراضيها (3500 دونم) لما يعرف بـ"حديقة قومية" في 1995، وهي تستقطب زائرين وسائحين أجانب تقدم لهم شروحا خطية عن الموقع المقدس تستند لمصادر يهودية ومسيحية وتغيّب الرواية الإسلامية للمكان. أما أهالي القرية المبعدون عنها حتى اليوم فيحرمون من فلاحة أراضيهم، ورعاية الأغنام فيها والبناء دون تقديم طلبات "للإدارة المدنية" التابعة للاحتلال التي ترفض عادة معظم هذه الطلبات. من هؤلاء عيد بركات (51 عاما) الذي يشير لمأساة أهالي قرية النبي صموئيل الذين يحرمون من زراعة أراضيهم، ويمنعون من دخول القدس ويضطرون لسلوك طرق التفافية طويلة لدخول القريتين المجاورتين "بيت أكسا" و"الجيب" بسبب الجدران والحواجز.
الزيتون ممنوع
يتساءل بركات، هل سمعتم عن مكان آخر في العالم يحظر فيه على صاحب الأرض زرع أغراس الزيتون؟. ليس هذا فحسب، فسلطات الاحتلال تحظر بحث الأهالي عن رزقهم في السياحة كبيع المشروبات والأطعمة والأثريات على عربات متحركة. ويقول مزراحي إن قطع الأرزاق يندرج في إطار الضغوط على الفلسطينيين، وتهجير الشباب منهم. كما يشدد على أن التنقيبات الأثرية الإسرائيلية جزء أساسي من محو هوية قرية النبي صموئيل، مضيفا أن "المفارقة هي أن السائحين الأجانب يتجولون بين آثار وأطلال الحديقة، لكنهم لا يعلمون أن جزءا منها منازل فلسطينية هدمها جيش الاحتلال".
ويوما بعد يوم يتعرض مسجد القرية للمزيد من الحصار والتهويد بعد الاستيلاء التدريجي عليه، ولم يبق فيه غير قاعة صغيرة لصلاة المسلمين، بعد تحويل ضريح النبي صموئيل لكنيس.
سرقة الآثار
ولاحظت "مؤسسة الأقصى" في زيارتها للموقع المحاط بثكنة عسكرية استغلال الجيش لسقف المسجد مكانا لأنشطته العسكرية وبرجا للمراقبة. كما أشارت في تقرير لها أن سلطة الآثار الإسرائيلية قامت بسرقة حجر تاريخي كان موجودا أعلى مدخل المسجد الداخلي بذريعة ترميمه. وينوه الناطق الإعلامي بلسان مؤسسة الأقصى محمود أبو عطا أن التجارب السابقة أثبت أن هذه العملية عبارة عن تهويد وسرقة تدريجية للآثار الإسلامية. كما ناشد باسم مؤسسته الجمعيات والهيئات العالمية والدولية ومنظمة اليونسكو التي تعنى بالآثار لحماية تاريخ قرية النبي صموئيل ووقف جرائم الاحتلال بحق الآثار والتاريخ فيها.