الأسبوع الماضي أعلنت إدارة فايسبوك نفسها أنّ منظمات حكومية من 74 بلداً طلبت منها معلومات عن أكثر من 38 ألف زبون/ مشترك لديها؛ نصف تلك الطلبات تقريباً جاء من الولايات المتّحدة
الجميع يريد حصة من معلوماتك الشخصية. لكلٍّ هدفه. جزء مهمّ من بنك الداتا الخاص بك موجود على موقع «فايسبوك» الذي يرصد أهواءك، أصدقاءك وحتّى المطاعم المفضلة التي ترتادها. هل يُمكنك المقاومة قليلاً أمام هذا الواقع الحتمي؟.
حسن شقراني / جريدة الأخبار
تُخبر مواقع التواصل الاجتماعي الكثير عن أهواء المجتمعات المرتبطة تكنولوجياً. الأسبوع الماضي مثلاً، كانت سوريا الثانية على سلم اهتمامات الناس على موقع «تويتر». على الرغم من أهمية أحداثها للشرق الأوسط والعالم برمته، إلا أنّ نجمة البوب الأميركية مايلي سايروس، تغلّبت عليها برقصتها الفاجرة التي تضجّ طلباً للاهتمام في حفل قناة MTV. لكن هدف وسائل التواصل الاجتماعي الأساسي ليس معرفة أخبار المشاهير والمواضيع الحامية، بل لتشارك المعلومات الخاصة مع مجموعات معينة أو مع العالم كله، والاطلاع على ما لدى الغير من جديد. إنها ترجمة الفكرة الأساسية التي ولدت في ردهات جامعة هارفرد عام 2004، «فايسبوك».
الجميع يرغب بمعرفة المزيد عن الغير. يتطلع لمعرفة هوايات الفتاة التي تعجبه في العمل، أو شركة ضخمة تهدف إلى «تقريش» البيانات الاجتماعية إعلانات، وبالتالي إيرادات، أو حتّى حكومة متوجسة أو مرتاحة على وضعها تريد التحوط من المخاطر القائمة أو المحدقة بالواقع الذي تفرضه. هاجس المستخدم العادي أضحى دوماً كيفية الاحتماء من أعين غير المرغوب بنظراتهم؟ في بعض الأحيان يُمكن النجاح بذلك، وفي أحوال أخرى لا مناص من المحاولة.
الأسبوع الماضي أعلنت إدارة فايسبوك نفسها أنّ منظمات حكومية من 74 بلداً طلبت منها معلومات عن أكثر من 38 ألف زبون/ مشترك لديها؛ نصف تلك الطلبات تقريباً جاء من الولايات المتّحدة. وراء هذه الطلبات تبرز حجج التحقيقات الجرمية المباشرة، ولكن هناك أيضاً الدوافع الأمنية أو حتّى الدكتاتورية. خلال الاحتجاجات في تركيا ضد سياسة الحكومة الإسلامية عموماً وقرارها هدم حديقة «جيزي» العامة، قال رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إنّ وسائل الإعلام الاجتماعي عبر الإنترنت هي «أسوأ خطر على المجتمع». ومن بين الطلبات المذكورة كان هناك 96 طلباً تركياً تتعلّق بـ173 مشتركاً بالموقع، أبدت إدارة الموقع تعاوناً في نصفها تقريباً وجزمت بأنّ هذه القضايا لا تتعلّق بالاحتجاجات والناشطين فيها. الكثير من مستخدمي الموقع غير معجبين بسياسة الخصوصية التي يعتمدها فايسبوك؛ الباقون غير متنبهين إلى هذه المسألة على الأرجح. الصور، التعليقات، العلاقات، الأهواء السياسية، الإعجاب كلّه مشاع وله دلالات للشركات المختلفة وللحكومات أيضاً.
حاولت إدارة الموقع الشهير أخيراً تخفيف الهواجس التي أضحت تؤرق المستخدمين الواعين. أعلنت معايير جديدة للحماية في بريد إلكتروني وصل إلى جميع المستخدمين على الأرجح. أعطت الإدارة مهلة أسبوع كامل للمشتركين للاطلاع على التعديلات التي تقترحها. هي سياسة «أعدنا كتابتها لنشرح على نحو أفضل ما نعتقد أنّه يجدر بالأشخاص معرفته بشأن كيفية استخدامنا للمعلومات التي تصلنا لتأمين إعلانات منطقية»، تقول الشركة. فلنتكلّم بصراحة: هل هناك من لديه الوقت الكافي أو المساحة الذهنية الفائضة لفردها على قراءة سياسة فايسبوك الإعلانيّة الجديدة؟.
تعود هذه السلبية في التعاطي الحقوقي إلى واقع أننا نتعاطى مع معلوماتنا الشخصية بمستوى متدنٍّ جداً من الأهمية، فيما ترى فيها الشركات والحكومات مناجم ذهب. يؤكّد بيان «فايسبوك» الآتي: «عندما نؤمن المواد الخاصة بالإعلانات لا نكشف معلوماتك للمعلنين إلا إذا منحتنا الموافقة لفعل ذلك. قد نعمد إلى تزويد المعلنين بمعلومات (عنك) بعد إزالة اسمك والمعلومات التي تُعرّف عنك، أو بعد دمجها على نحو لا تعود فيه تُعرّف عنك شخصياً». هل فهم أحد شيئاً؟ الأقرب إلى المنطق أنّه يُمكن الشركة استخدام معلوماتك بالطريقة المباشرة أو الملتوية التي تريدها. لكن هل يمكن مستهلك القرن الواحد والعشرين معاقبة موقع «فايسبوك» وتركه لكي لا يكون فريسة لإعلانات الشركات الكبرى التي تصل إليه «شخصياً»؟.
الجواب لم يعد وجهة نظر على الأرجح؛ فمواقع التواصل الاجتماعي عموماً تُعد منصات لإقامة العلاقات، البحث عن عمل، وصولاً إلى متابعة آخر الصيحات. ولكن يُمكن مستخدمي فايسبوك اتخاذ إجراءات ملائمة، يُجمع عليها خبراء الشبكة الإلكترونية، لحماية أنفسهم من وحوش الإعلانات وتلك الأنياب التجارية التي تطارد معلوماتهم الشخصية.
أوّلاً، إنشاء اللوائح الملائمة (Lists) التي تُمكنك من اختيار المجموعة التي ترغب بمشاركة صورة معينة أو تعليق محدد معها، الأصدقاء المقربين، الأصدقاء السياسيين، الأصدقاء الثقافيين...
ثانياً، حصر قدرة الولوج إلى مسار حياتك الزمني (Timeline) بجمهور محدد واشتراط موافقتك لنشر الصور أو المشاركات (Posts) التي يتم وسمك بها (Tagged).
ثالثاً، الإجراءات الأمنية الحساسة مثل «التصفح الآمن» (Secure Browsing) الذي يعني ما يعنيه و«تنبيه الولوج» (Login Notification) الذي يُخطرك بحالات الولوج إلى حسابك لكي تعي ما إذا كنت ساقطاً أمنياً!.
رابعاً، تعديل إعدادات الخصوصية إجمالاً (Privacy) وهنا الخيارات كثيرة وعلى المرء التمعن بها جيداً وحسم من يريد أن يرى مشاركاته (أصحاب أصحاب أصحابه؟)، ماذا يظهر على صفحتك الخاصة، من يُمكنه الاطلاع على هذه الصفحة، من يُمكنه الاتصال بك، مستوى الخصوصية في علميات البحث التي يُجريها آخرون عنك...
خامساً، القدرة على الحجب (Blocking) وهي العصا السحرية لردع شخص ما عن مضايقتك، وهناك أيضاً خيار الاتصال بإدارة «فايسبوك» مباشرة لتقديم شكوى.
سادساً، التحكّم بالتطبيقات وبما تُظهره عنك لأصدقائك أو للعموم عن نشاطاتك وأهوائك والأهم: إلام تستطيع الولوج؟ يطلب مثلاً تطبيق Skype الشهير الذي احتفل أخيراً بعيده العاشر، إذنك للولوج إلى تفاصيل حواراتك مع أصدقائك (Chat Log) إذا ولجت إليه مستخدماً بياناتك «فايسبوك» (Facebook Log In).
صحيح أنّ هذه الإجراءات ليست قلعة معلوماتية، ولكنها تفيد إلى حد ما، مع العلم أنه في عالم الإنترت يسري المثل التالي أيضاً: «من ضرب ضرب ومن هرب هرب». هذا يعني أن المعلومات التي عرضتها من دون إجراءات الحماية أضحت في الفضاء. ما يُمكنك فعله هو التحرك من الآن فصاعداً.
شعور بعدم الارتياح
صحيح أن اللائحة التي فضحها الشاب الأميركي الخائف على المجتمع الشفاف، إدوارد سنودن، تشمل Google و Microsoft غير أنّ «فايسبوك» يبقى الأكثر وقعاً وتأثيراً نظراً إلى عدد الأشخاص الهائل الذين يتسامرون في غرفة الجلوس المريحة التي يؤمنها.
يضم هذا الموقع حالياً أكثر من مليار عضو؛ في لبنان وحده يقارب عدد المستخدمين 1.7 مليون نسمة. الشركة موجودة منذ العام 2004 وابتكرت زر الإعجاب الشهير (Like Button) في عام 2010، تُشغّل الآن أكثر من 5200 موظّف. لكن رغم الغرام الذي يكنه المستخدمون للموقع، يشعرون في الوقت نفسه بانكشاف غير مريح عليه، ليس على المستوى السياسي فقط، فقد أضحى جزء كبير منهم يتحدّث عن إدارته؛ لكونها جزءاً من منظومة استهلاكية كونية في عالم رأسمالي لا يرحم الخصوصية تماماً، ولا يأبه كذلك بالحد الأدنى الحقيقي للأجور.