دخلت البلاد في ساحات الصراع الاقليمية وانتقلت الاحداث الامنية الى تفجيرات ارهابية مناطقية وانسدت الافاق السياسية وتعطلت المؤسسات الدستورية وبات الاقتصاد يتهاوى
الدكتور غازي وزني - خبير اقتصادي
دخلت البلاد في ساحات الصراع الاقليمية وانتقلت الاحداث الامنية الى تفجيرات ارهابية مناطقية وانسدت الافاق السياسية وتعطلت المؤسسات الدستورية وبات الاقتصاد يتهاوى مهددا غالبية القطاعات الخدماتية ومنذرا بإقفال العديد من المؤسسات التجارية والسياحية وبإرتفاع معدلات البطالة والهجرة الى مستويات قياسية. يبدو الوضع الاقتصادي في المرحلة القادمة قاتما وصعبا، يحمل مخاطر كثيرة وعلى الشكل التالي:
1. النمو الاقتصادي: خفضت المؤسسات المالية الدولية والعالمية توقعاتها للنمو للعام الحالي من 2.5 % الى اقل من 1 % ونخشى مع التدهور غير المسبوق للاوضاع الامنية ان يكون معدوما.
2. القطاع السياحي: خسر الموسم الصيفي وعيد الفطر وتراجع عدد السيـــاح اكثر من 14 % ونسبة الاشغال الفندقي اكثر من 17 % ونخشى ان تفوق الخسارة السياحية نسبة 18 % اي فقدان حوالي 250 الف سائح مع فقدان موسم عيدي الميلاد ونهاية السنة كما نخشى ان تتفاقم مشكلات المؤسسات الفندقية والمطاعم وان تضطر الى صرف موظفيهــا . لم يعد لبنان واحة للسياحة.
3. القطاع التجاري: تراجع اكثر من 30 % رغم الحسومات، بفعل تقلص الحركة السياحية وتدني عدد اللبنانيين المغتربين القادمين وتريث استهلاك اللبنانيين المقيمين خوفا من الايام السوداوية القادمة. يخشى ان يزداد تراجع نشاط القطاع في المرحلة المقبلة و تزداد الصعوبات المالية للمؤسسات التجارية ما ستدفعها الى اقفال العديد من مؤسساتها. لم يستطيع لبنان ان يثبت مكانته كمركز تجاري في المنطقة.
4. القطاع العقاري: يشهد شللا وجمودا وتراجعا ملحوظا للطلب لاكثر من 25 % في العاصمة و 14 % في تراخيص البناء كما يشهد مرونة لافتة في الاسعار. يخشى من ازدياد الشلل في المرحلة المقبلة وانخفاض الاسعار في جميع المناطق بفعل ابتعاد المستثمرين المحليين والخارجين وتزايد المخاطر السياسية والامنية وتقلص القروض المصرفية الممنوحة وتزايد مشكلة السيولة لدى بعض المقاولين. لم يعد لبنان ملاذا آمنا للاستثمار.
رغم السلبيات :
في مقابل السلبيات ما زال الاقتصاد اللبناني يتمتع بعناصر قوّة ولكنها مرشحة الى التبدد في المرحلة المقبلة، ونذكر منها:
1. تحويلات المغتربين: بلغت 7.6 مليار دولار عام 2012 ، مستقرة في العام الحالي وممثلة نسبة 17 % من حجم الاقتصاد. تساهم التحويلات في تحسين الاوضاع الاجتماعية للعديد من الاسر، و تعزيز نمو القطاع المصرفي، و تنشيط الحركة الاستثمارية خصوصا العقارية. يخشى من تراجع التحويلات نتيجة الاوضاع الداخلية وبفعل الاجراءات والتدابير الدولية ضد التحويلات المالية الى لبنان.
2. القطاع المصرفي: يقدّر ان ينمو في العام الحالي بنسبة 8 % و التسليفات بنسبة 5 %. يتمتع بسيولة مرتفعة تصل الى اكثر من 30 مليار دولار و دولرة مرتفعة للودائــع نسبتهـــا 65 % . يستطيع القطاع ان يمـّول القطاعي العام والخاص و يسدّد استحقاقات الدولة بالعملات الاجنبية البالغة 1525 مليون دولار في العام 2014 فضلا عن انه يساهم في استقرار الفوائد. يخشى ان يتراجع نمو القطاع في المرحلة المقبلة و يتباطأ نشاطه وتنخفض ارباحه وتزداد الديون المشكوك بتحصيلها...
3. احتياطات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية: تبلغ حوالي 36.65 مليار دولار، تعزز الثقة بالنقد الوطني، تساهم في استقرار الفوائد، تساعد في تغطية حاجات الدولة بالعملات الاجنبية. كذلك اتخذ حاكم مصرف خطوات استباقية في ضبط السيولة بالليرة اللبنانية و توزيع استحقاقات الدولة بالعملات الاجنبية، حماية لاستقرار الليرة اللبنانية. أصبحت مسؤولية الدولة كبيرة، يفرض عليها اتخاذ تدابير صادمة لحماية الاقتصاد من الاعاصير القادمة وعلى الاصعدة التالية:
صدمة سياسية وأمنية:
تشكيل حكومة وطنية جامعة واذا تعذر ذلك تفعيل عمل حكومة تصريف الاعمال رغم الملاحظات القانونية والدستورية مع اعتماد اهل السياسة خطاب هادئ عاقل ووطني اضافة الى التواصل مع الدول الخليجية لرفع مقاطعتها للبنان. كذلك يفترض التنسيق التام بين الاجهزة الامنية وابعادها عن التأثيرات السياسية لمكافحة الارهاب الجديد.
صدمة في الملف النفطي:
- اقرار في مجلس الوزراء المرسومين لقطاع الغاز والنفط المتعلقين بتقسيم المياه البحرية اللبنانية الى بلوكات واتفاق الاستكشاف والانتاج. فإن التأخير يفيد اسرائيل ويعرض لبنان الى خسارة ثروته النفطية .
- اقرار مشروع قانون تمديد خط انابيب الغاز الساحلي وانشاء تجهيزات الغاز الطبيعي من البداوي حتى صور.
صدمة في ملف النازحين السوريين: تنظيم وجودهم حماية للاستقرار السياسي والامني والاجتماعي . يخشى ان يتجاوز اعدادهم 1.6 مليون نازح في نهاية العام ممثلين نسبة 40 % من الشعب اللبناني مع تبعات اقتصادية وأمنية واجتماعية ومالية، تبعات لا تستطيع الدولة تحملها منفردة من دون مساعدات خارجية.
صدمة مالية ونقدية: حماية للاستقرار النقدي والاجتماعي.
- اقرار مشروع قانون اجازة الاقتراض الذي يجيز للحكومة القيام بعمليات سواب للاستحقاقات الاجنبية للسنوات 2013 – 2014 – 2015 البالغة 5150 مليون دولار.
- اقرار مشروع قانون فتح اعتماد اضافي قدره 1259 مليار ليرة لتسديد الانفاق الاضافي للرواتب والاجور.
يرفع المشروع سقف الانفاق المجاز قانونيا على القاعدة الاثني عشرية للعام 2013 من 18300 مليار ليرة الى 19560 مليار ليرة كما يجدر ان نشير الى انه لا يجوز للحكومة التوقف عن دفع الرواتب والاجور والتعويضات البالغة 7359 مليار ليرة تحت اية ذريعة لان هذه النفقات تعتبر وفق قانون المحاسبة العمومية بالنفقات الدائمة والاساسية وذات صفة الزامية ولا تتطلب دفعها الى اجازة مسبقة من المجلس النيابي، كما انها لا تخضع للقاعدة الاثني عشرية، وتنفقها الحكومة من خلال فتح اعتمادات دفع وليس من خلال فتح اعتمادات تعهد. تستطيع الدولة توفير الاموال اللازمة من الاموال العامة للدولة المودعة لدى المصرف المركزي، من الاستدانة، من الايرادات الضريبية وغير الضريبية.
- رفع الحكومة الفوائد على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية لتشجيع المصارف بالاكتتاب بها بدل اكتتابات المصرف المركزي.
- صدمة اقتصادية:
- فتح اسواق جديدة للسياحة اللبنانية عبر التواصل و الاعلانات في الدول الاسيوية وروسيا – تعتبر هذه الدول المصدر الرئيسي للسياحة في دبي.
- القطاعي السياحي والتجاري: اعادة جدولة القروض للمؤسسات المتعثرة مع تقديم تسهيلات للسداد كذلك منح المصارف قروض تشغيلية للمؤسسات لتعزيز نشاطها.
- متابعة مصرف لبنان سياسة ضخ السيولة لتحريك الاقتصاد و منح الفوائد المدعومة.
- صدمة الغلاء: مكافحة الغلاء المستشري وغير المبرر حيث نلاحظ بقاء الاسعار مرتفعة رغم انخفاضها عالميا ( اسعار المواد الغذائية ).
دخلت البلاد في نفق مظلم وخطير معرضة ان تفقد الدولة تدريجيا مقوّمات وجودها بسبب تصاعد مستوى الاحداث الامنية و تعطيل مؤسساتها الدستورية وعجزها السياسي. بات الاقتصاد يتهاوى بإنتظار صدمة قوية لانقاذه.