بعد ان اجتزت بعض الكيلومترات داخل الاراضي السورية من ناحية المصنع وبعد ان توقفنا اكثر من مرة على حاجز تابع للجيش العربي السوري انتابني شعور رهيب واعتراني الخوف من ان افقد ذكرياتي وامنياتي
وائل كركي - دمشق
بعد ان اجتزت بعض الكيلومترات داخل الاراضي السورية من ناحية المصنع وبعد ان توقفنا اكثر من مرة على حاجز تابع للجيش العربي السوري انتابني شعور رهيب واعتراني الخوف من ان افقد ذكرياتي وامنياتي فالشام تعنيني كثيرا ..... الحاجز الاخير قبل دخولنا الى دمشق، حيث تجلى يقيني واستحال فخرا وطمأنينة سئلني احد البواسل من انت قلت له انا من لبنان ، صحافي من لبنان، فلمحت بريقا في عينيه وكأنني من يحمل له البشرى سألني بعفوية مطلقة " شو ايمتى الضربة والله زهقنا من النطرة بدنا نفرجيهم مين نحنا " ، لم أُجبه، لا لأنني لا اعرف الإجابة فقط بل لأنني كنت بحاجة لحوار صغير مع نفسي لأهمس لها :إطمأني فالحق له انصاره ايضا .....
كانت الساعة السادسة صباحا ، والياسمين منتشر مع شذرات الضوء الاولى عانقني واستقبلني بعبارته الشهيرة "اهلا بك في دمشق" ، استعجلت سائق التاكسي بسؤال غير مدروس : لماذا الطرقات خالية من المارة والسيارات ؟ فاجابني مستغربا : انها الساعة السادسة صباحا يا أخي انتظر قليلا وسترى ؟
انتظرت قليلا بالفعل ، وكأن الدقائق دهراً ، فعلا الحياة طبيعية هنا ، وكأنهم لا يعرفون انهم مهددون بعدوان امريكي ، ايمكن ان تكون ايادي النظام قد خدرتهم او استخدمت آلة الزمن التي بحوزتها ، الحياة فعلا طبيعية ،الاسواق مليئة ، كلُ يأخذ حاجته اليومية ، لا ينتاب احد هستيريا التموين استعدادا للحرب ، دمشق لم تتغير هي حزينة نعم ولكنها لم تتغير، وسط البلد يضج بالحياة المقاهي مليئة بروادها ، المحلات التجارية تفتح ابوابها للجميع ، الكل يريد ان يظهر صموده الكل يعرف ان بلده مهدد بعدوان غاشم ولكنه يأبى الخنوع والاستسلام ....
البلد القديمة ، الحارات ، المسجد الاموي ،سوق الحميدية ، المطاعم الجميلة التي لم تنشق عن الماضي بل تسعى دائما للحوار بينه وبين المستقبل ، كمطعم بيت جبري على سبيل المثال تعج بالناس الذين كتب على جباههم " نحن لا نركع " ، اشارات المرور تعمل بشكل اعتيادي رغم كل الحواجز الموجودة في طرقات دمشق الرئيسية ، عمال النظافة يقومون بواجبهم بشكل كامل ، الشرطيين يتربصون بأي مخالف ، فللشام قوانينها ايضاً ...
الشام لا تنام ،لايزال ليلها ثائر لا يرضى ان يأخذ النهار حصة الاسد في ايامها ، فليل دمشق له رونق مميز لا يعرفه سوى من تعود على زيارتها ... خلال تواجدي في دمشق التقيت عددا من القيادات السورية التي لاتعرف النوم هذه الايام ، وعددا كبيرا من المواطنين ، الكل واحد قصدهم خلاص سورية ورجاءهم نصر من الله وفتح قريب ...
حقا انه شعب لا يركع ، واذا مات يموت واقفا ، طوال مدة زيارتي لدمشق وانا اسمع صوت القصف لم اسأل من اين الى اين ومن الذي يقصف ولكن ما ادهشني ان لا احد يحرك ساكنا ولا يرف له جفن هل لأنهم ببساطة تعودوا ان يعيشوا وهذا الصوت القوي يرافق حياتهم ام لأنهم لا يستسلموا رغم قساوة الواقع ، فتبين لي ان صوت الحياة اقوى من صوت الحتوف في بلادهم ، فالموسيقى ترفض ان تترك مقاهيهم ومطاعمهم ، وصوت الأذان لا زال شاهداً على ان الله معهم ويمدهم بعونه .... فـ"الشام الله حاميها" ليس شعارا رنَانا بل ناموسا للعيش بسلام، رغم هول المؤامرة وضخامتها ، ورغم محاولات الماكرين لضرب وحدة سورية وقوتها ....