28-11-2024 12:33 AM بتوقيت القدس المحتلة

«قمة العشرين» تحذّر من خطر ركود الاقتصاد العالمي

«قمة العشرين» تحذّر من خطر ركود الاقتصاد العالمي

وحصيلة اليوم الأول للقمة كانت مثمرة على عدة صعد، فزعماء الدول المشاركة، إلى جانب أفراد وفودهم، تمكنوا من عقد لقاءات ثنائية تناولت شؤون الاقتصاد العالمي

«قمة العشرين» تحذّر من خطر ركود الاقتصاد العالمي ريما ميتا /جريدة السفير

عادت الحياة اليوم إلى أفخم قصور القياصرة الروس، وبإطلالته على الخليج الفنلندي، استقبل قصر قسطنطين سيارات الوفود الدولية التي حضرت للمشاركة في فعاليات قمة مجموعة العشرين، التي تختتم أعمالها اليوم. على أبواب القصر كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استقبال الوفود ليتبادلوا ابتسامات الافتتاح قبل إغلاق الأبواب والكشف عن كبرى حالات التوتر الممكنة في هذا الإطار الدولي، والتي برزت هذا الأسبوع: الأزمة السورية.

في مراسم الاستقبال كان للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل النصيب الأكبر من الحديث مع بوتين، بينما كان وصول الرئيس الأميركي باراك أوباما، في سيارة «كاديلاك» مصفحة، سريعا. واكتفى الرئيسان بالتصافح والوقوف أمام عدسات الكاميرات لمدة 15 ثانية. ولا غرابة في هذه البرودة التي تحيط بهذا اللقاء الروسي - الأميركي، فأوباما كان ألغى لقاء ثنائيا متوقعا مع بوتين في أروقة فعاليات قمة العشرين. وكانت الذريعة التي فسرت هذا الموقف الحاد هي منح روسيا حق اللجوء لمدة عام للمتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركي ادوارد سنودن. لكن أمام أوباما اليوم جملة من الأسباب التي تبرر له مواقفه من القيادة الروسية .

 ما يميز قمة العشرين هذه عن غيرها هو استبدال الفحوى الاقتصادية للقاء زعماء أكبر اقتصادات العالم من المحور الأساسي لاجتماعهم وبحثهم وتحليلهم، إلى معالجة الأزمة السورية. فمسألة بحث القضية السورية واستخدام الأسلحة الكيميائية فرضت فرضا على جدول أعمال القمة، ولا يمكن القول ان الجميع يتهافتون راغبين لبحثها من على هذا المنبر تحديدا.  وحصيلة اليوم الأول للقمة كانت مثمرة على عدة صعد، فزعماء الدول المشاركة، إلى جانب أفراد وفودهم، تمكنوا من عقد لقاءات ثنائية تناولت شؤون الاقتصاد العالمي والتعاون في مجال الطاقة، وكذلك إلى حد ما مسألة العملية العسكرية التي تحاول الولايات المتحدة تبريرها في سوريا.

وعلى الرغم من أن القمة لم تعلن جلسة خاصة استثنائية تخصص لبحث المسألة السورية في فورة أحداثها، بحثت المسألة في لقاء ثنائي بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي. وقال أوباما، عقب اللقاء، إن «وجهة النظر المشتركة هي اعتبار استخدام الأسلحة الكيميائية خرقا للقانون الدولي ولا يمكن تركه من دون رد». يمكن القول، إنه نزولا عند رغبة المشاركين بحث الشأن السوري كما لضرب «الحديد وهو حام» اقترح الرئيس الروسي مناقشة المسألة في إطار «عشاء عمل».

وقال بوتين، لتبرير إدخال الشأن السوري إلى جدول الأعمال، «لا أشعر بالراحة تماما، كرئيس لقاء اليوم بالإصرار على توسيع جدول الأعمال، إلا ان بعض المشاركين توجهوا إلي بطلب منح الوقت والإمكانية للبحث في شؤون أخرى لم تكن على جدول الأعمال الأساسي، لكنها مسائل ملحة ومهمة على صعيد السياسة الدولية، وبشكل خاص المسألة السورية».
وحلت سوريا الضيف الغائب الحاضر على فعاليات القمة، وأصبحت الضربة التي تلوح بها الولايات المتحدة ضد سوريا هي المحور الأساسي وإن ضمنيا لجملة اللقاءات والمحادثات التي شهدتها القمة.

ومن أبرز الإشارات إلى أهمية المسألة السورية كان حضور المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي الذي جاء بصورة عاجلة وغير مفهومة تماما، حاملا رسالة إلى جميع المشاركين، هي رسالة شفهية سيكشف عنها اليوم خلال لقاء سيعقده مع عدد من وزراء خارجية بعض الدول المشاركة. ولم تذكر أسماء الوزراء المعنيين في هذا اللقاء.  إلا ان الإبراهيمي، إن كان على لسانه أو على لسان بعض المشاركين، يحمل دعوة إلى الجميع لحثهم على تسريع عملية تنظيم وعقد مؤتمر «جنيف 2».

انطلقت أعمال القمة بلقاءات ثنائية كان أولها فاتحة خير على موسكو. فأول لقاء أجراه الرئيس الروسي مع نظيره الصيني شي جين بينغ انتهى بتوقيع جملة من العقود في مجال الطاقة. وما كشف عن أهمية هذه الاتفاقات الثنائية، والتي بلغ عددها خمسين في 16 ميدانا، هو عدم توفر الوقت لبحث الشأن السوري بين الجانبين الروسي والصيني. وبالفعل هذا ما قاله ناطق باسم الخارجية الصينية «لم يتسن للرئيسين الروسي والصيني الوقت الكافي لبحث الأزمة السورية». وحتى اللقاءات الثنائية التالية مع رئيسي الوزراء الإيطالي والياباني لم تتناول، على الأقل علنا، الشأن السوري في محاولة من الجانب الروسي رص صفوفه وكسب التأييد. فهذان الاجتماعان كانا بشكل أساسي حول مسألة التعاون المشترك وسبل تعزيز العلاقات.

من التطورات الايجابية التي تسجل لمصلحة اليوم الأول لقمة مجموعة العشرين، ثمرة اللقاء الروسي - الياباني بحسب تصريح الناطق الرسمي بلسان الرئيس الروسي دميتري بيسكوف. وقال بيسكوف إن بوتين وآبي اتفقا على أن «حل مسألة اتفاقية السلام يتم فقط وفق مبدأ لا غالب ولا مغلوب»، وهو ما يعرف باللغة اليابانية بمبدأ «هيكيفاكي»». «لا غالب ولا مغلوب» للأسف هذا ما لا ينطبق على الأزمة السورية التي بدت المواقف منها واضحة تماما: في قصر قسطنطين في ضواحي سان بطرسبرغ جبهتان، واحدة «للعقاب» وأخرى تقدم نفسها على أنها «صوت العقل».


الأزمة السورية تتقدم على الأزمة الاقتصادية
وتحاول قمة مجموعة العشرين، المؤلفة من دول متقدمة ونامية في مدينة سان بطرسبرغ الروسية، التوصل إلى موقف موحد في قضايا النمو والتجارة والشفافية المصرفية ومكافحة التهرب الضريبي. لكن المجموعة، التي تمثل ثلثي سكان العالم وتسهم بنحو 80 في المئة من إنتاجه، منقسمة حول عدة قضايا مثل الاضطرابات في الأسواق الناشئة وقرار مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي وقف برنامج التحفيز النقدي للاقتصاد الأميركي والحرب في سوريا. تناولت جلسة العمل الأولى بحسب المقرر ووفق جدول العمل الأساسي مواضيع ثابتة: النمو والاقتصاد العالمي. عن هذا الشق الاقتصادي، ألقى بوتين كلمته التي غطاها الإعلام بالكامل وبعدها فوراً قطعت الميكروفونات.

في كلمته، حذر بوتين من عدم اكتمال عودة الاقتصاد العالمي إلى نمو مستدام ومتوازن بعد، معتبرا أن خطر الانتكاس والركود ما زال قائما. فبوتين لم يخف على الحضور في كلمته قلقه الكبير من تواصل الركود في المنطقة الأوروبية، مركزا على النمو الطفيف الذي يسجل 0.3 في المئة فقط في الربع الثاني من العام الحالي. وأكد أن ما يثير قلق موسكو أيضا هو عدم تلقي «القطاع الاقتصادي الحقيقي في أوروبا الدعم المالي الضروري بسبب تعثر آلية الوساطة المالية».

ولم يكن بوتين ايجابيا في تقييمه أو توقعاته للاقتصاد العالمي. ومن دون شك من جديد نرى الولايات المتحدة هي المخطئة، فبحسب قول بوتين «تقليص الولايات المتحدة تدريجا لسياسة التحفيز النقدي تولد مخاطر وتهديدات للسوق العالمية». وأكد بوتين ضرورة الرقابة واتخاذ الإجراءات الاحترازية في الوقت المناسب. أمام السواد الخريفي الذي حل على الجلسة الأولى بدا اجتماع دول الـ«بريكس» الضوء الذي يظهر عادة في نهاية النفق. تمكن قادة دول «بريكس» من اقرار بيان مشترك سيكشف عن نصه قريبا.
من ناحية أخرى، بدت مواقف قادة دول الـ«بريكس» متفقا عليها ومن دون اشكال. وبدا قادة دول المجموعة مجمعين تقريبا على كافة المحاور الاقتصادية والسياسية، وبشكل خاص يتشاركون القلق من تعليق سير الاصلاحات في بنك النقد الدولي داعين إلى ضرورة إعادة النظر في الحصص مع حلول كانون الثاني المقبل.

وهنا إشارة إلى القرار الذي اتخذ في العام 2009 وأقر في العام 2010 حول منح 6 في المئة من الحصص للاقتصادات التي في طور النمو، وهو قرار لم ينفذ بعد. هذا التحالف، أي «بريكس»، من أجلّ انجازاته بحسب رأي الجانب الروسي هو الوصول إلى المرحلة النهائية من إنشاء احتياطي للعملات المحلية لدوله. وقال بوتين إن قيمة الاحتياطي في مرحلته النهائية يصل إلى ما يعادل 100 مليار دولار أميركي بالعملات المحلية. أيكون هذا التطور والتوافق على محور «البريكس» هو السبب في تجهم وجوه الحاضرين؟.

لاحظ الإعلام الحاضر لدى وصول الوفود الرسمية حالة من التوتر المتصاعد باستمرار. وتساءل الإعلام حول تأخر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قبل مغادرته طائرته، ونفخه كلمات ما، لم يتمكن الصحافيون من قراءتها على شفتيه، في أذن الرئيس الأميركي الذي لم يبد بدوره سعيدا، والكل يعرف السبب أو الأرجح الأسباب:
أولا، أوباما ليس فرحا بفشل كاميرون في اقناع البرلمان بضرورة الضربة، وثانيا لم تسعده كلمات بوتين حول «كذب» المسؤولين في الكونغرس، وأخيرا وضع كرسي أوباما خلال فعاليات القمة بالقرب من كرسي الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف التي تغلي غضبا على واشنطن لتجسس استخباراتها على أميركا اللاتينية.
وتغير الديكور الرسمي للجلسة الأولى، إذ انتقل المشاركون إلى قصر بيتيرغوف الذهبي ليتناولوا العشاء ولتعود سوريا وسط الطاولة، لكن للأسف، ليس طاولة الحوار.