يصطدم جهد الوزير جبران باسيل بموجة جديدة من الكيد السياسي، تضغط باتجاه عدم عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لتوقيع المرسومين المتعلقين بالنفط
يصطدم جهد الوزير جبران باسيل بموجة جديدة من الكيد السياسي، تضغط باتجاه عدم عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لتوقيع المرسومين المتعلقين بالنفط. في الوقت الذي بدأت لن يستطيع وزير الطاقة والمياه جبران باسيل تحقيق ما وعد به يوماً في خطّته النفطية. منذ نحو سنة، رأى باسيل أن إقرار قانون النفط «خطوة كبيرة ومهمّة»، لكنها «تبقى ناقصة إذا لم يتحقق التطبيق السليم الذي يُتوقّع أن يؤدّي إلى بدء التنقيب عام 2012». قصد باسيل بالتطبيق السليم «إقرار الحكومة اللبنانية بالمراسيم وتصديقها». لكن رياح السياسة لم تسر كما تشتهي سفن الوزير «العوني». لن يخرج باسيل منتصراً في المدى القريب بعقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء تقرّ المراسيم النفطية وتصدّقها؛ إذ بات من الواضح أن بعض القوى السياسية مدعومة بتدخل خارجي لن تسمح للجلسة بأن تُبصر النور.
«لا جلسة استثنائية لمجلس الوزراء تحت أي مسمى حتى ولو كانت ضرورية»، هذه هي الخلاصة التي خرج بها باسيل في لقائه الأخير مع رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي، بحجة أنّ «أطرافاً سياسية في الحكومة لا تريد عقد الجلسة من أجل إقرار مرسومي النفط المكملين لدفتر شروط المناقصة العالمية لبدء أعمال التنقيب، اعتراضاً منها على خطّة الوزارة».
غرق باسيل في متابعته الإجراءات الكفيلة للمباشرة باستخراج النفط، إلى جانب التحرّك المطلوب دولياً للجم التعديات الإسرائيلية على الحقوق النفطية اللبنانية، قبل أن يصطدم بعوائق تؤخر تحقيق ما يهدف إليه؛ إذ إنّ هناك جهات ترغب بترك قضية التلزيم للحكومة الجديدة، انطلاقاً من التوجه القائل إنه «لا بد من تطبيق مبدأ المداورة في توزيع الحقائب». لكن «العصي في الدواليب» لا تتمثل بهذه الجهات وحدها؛ إذ أكدت مصادر مطّلعة على الملف أنّ «ثلاث جهات من الداخل والخارج، تتولى عرقلة الموضوع». وبشكل ممنهج، تمارس هذه الجهات ضغوطاتها كل «بحسب مصالحه النفعية الخاصة».
و«كأن الخليج ينقصه من النفط كي يبحث في آبار الآخرين، وتحديداً لبنان، الذي لا يُراد له أن يكون بلداً منافساً». يُمكن هذه الجملة أن تختصر ما تحدثت عنه المصادر عن «فيتو خليجي يمنع لبنان من البدء في عمليات التنقيب، من خلال الضغط على بعض القوى السياسية اللبنانية المحسوبة عليه، ويضغط كل من ميقاتي والرئيس فؤاد السنيورة على رئيس الجمهورية ميشال سليمان كي لا يسير في الدعوة إلى عقد جلسة حكومية». والدليل أنّ «أياً من الشركات النفطية الخليجية الكبرى لم تتقدّم بعروض كما فعلت سائر الشركات الأجنبية».
وليست أنامل بعض القوى السياسية بعيدة عن عرقلة ما يسعى باسيل إلى تحقيقه. هناك من ضاق في عينه إنجاز جديد للتيار الوطني الحر. تعود المصادر إلى موقف كشفه النائب وليد جنبلاط في مقابلة مع «الأخبار» رفض فيه تولي وزير عوني وزارة الطاقة والمياه (راجع عدد الجمعة 29 آذار 2013). وتوقفت المصادر عند قول رئيس المجلس النيابي نبيه برّي في الذكرى الخامسة والثلاثين لإخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه «إننا أمام ثروة بحرية موجودة ستفتح آفاقاً أمام لبنان ولسنا ضد انعقاد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار مراسيم النفط التي سبق وأقرت مبدئياً قبل استقالة الحكومة، لكن على أن يتم تلزيم كامل البلوكات النفطية في الوقت ذاته». وبحسب المصادر، «يشترط برّي التلزيم دفعة واحدة وليـس على مراحل، ما يعني أنّ المناقصة ستكون مستحيلة، وأن البلوكات ستوزع بما يشبه التراضي. إذ إن الشركات الـ46 التي تقدّمت بطلبات للمشاركة في المناقصات ملزمة بحسب القانون أن تشارك في المناقصة النهائية بصفة تكتلات، على أن يضُم كل تكتل 3 شركات. وبالتالي، لن يكون بمقدور الشركات تأمين أكثر من 15 تكتلاً ستشارك في المناقصة على 10 بلوكات. وبالتالي، ما الجدوى من حصول مناقصة في هذه الحالة؟». ولتجنبّ هذه الثغرة «تُصر الوزارة على فتح المناقصة تباعاً وليس دفعة واحدة».
وتعليقاً على الاعتراضات بحجة أنّ «التلزيم المقترح من قبل باسيل لا يلحظ شمول المربعين الواقعين في المياه اللبنانية في المنطقة المحاذية لفلسطين المحتلة»، أكدت المصادر أن «الحجّة ساقطة لأن الوزارة كانت أول من تمسّك بهذه المنطقة، في الوقت الذي تنازل فيه كل المسؤولين عنها، ووقعوا على تسوية المبعوث الأميركي إلى المنطقة فريديريك هوف». ولفتت المصادر إلى أن «إصرار باسيل على الإسراع في التلزيم يعود سببه في الأساس إلى الخوف من أن تستفيد إسرائيل من الظروف السياسية الراهنة وتبادر إلى وضع يدها على الثروة اللبنانية في المياه الاقتصادية بذريعة أن ليس هناك في لبنان من يسأل عنها»، وأن «أكبر ردّ على هذه الحجة هو في قرار الوزارة تلزيم بلوكات متاخمة لفلسطين المحتلة». وبعيداً عن الساحة الداخلية، تتحدث المصادر نفسها عن «أصحاب شركات كبرى لها اليد الطولى في تأخير الملف وعرقلته من خلال ممارسة سلطتها على بعض الأطراف السياسية التابعة لها داخل لبنان».
ردّ باسيل جاء أمس، خلال عقده مؤتمراً صحافياً، أعلن فيه تمديد مهلة تقديم العروض للمزايدة باستخراج الغاز من المياه البحرية من 4 تشرين الثاني 2013 إلى 10 كانون الأول 2013، وأعلن «فتح البلوكات النفطية رقم 1-4-5-6 و9 مع إمكانية فتح بلوكات إضافية وصولاً إلى العشرة مع عقد جلسة لمجلس الوزراء تُخصص لإصدار وإقرار المرسومين النفطيين الباقيين». وأشار إلى أنه «في حال عدم صدور المراسيم قبل الثاني من تشرين الأول 2013، سنعمد إلى تمديد إضافي لمهلة تقديم العروض، مع العلم أنه في حال صدور المراسيم قبل الثاني من تشرين الأول 2013، سيبقى بإمكاننا كهيئة إدارة قطاع البترول وكوزارة أن نلتزم البرنامج الأساسي الذي على أساسه توقع العقود مع الشركات الفائزة في نهاية آذار 2014، وبالتالي يكون هناك إمكانية لاستلحاق الموضوع بعمل إضافي وبضغط الوقت»، مؤكداً أن «ما حصل هو خسارة كبيرة في بلد كلبنان، وهو يعود إلى أسباب عدة أولها أن التأجيل يضرب صدقية الدولة في القطاع النفطي، إذ إنّ الأسباب المتعارف عليها لتأجيل مناقصة من هذا النوع ليست مقنعة».
وقال: «في ظل الاندفاع الذي كان حاصلاً في هذا الموضوع، وتقدم 46 شركة بعروضها، يؤدي التأجيل إلى تردد أو تراجع لدى بعض الشركات أو حتى انسحاب بعضها، وهذا أمر غير جيد، والأهم أن التأخير يعطي أسبقية لإسرائيل». وأكد باسيل وجود «إرادة إسرائيلية وإقليمية لمنع لبنان من استخراج النفط، ولكن الأهم أنه بالإرادة الداخلية وعبر آلياتنا الدستورية ومؤسساتنا يمكن أن نُوقف هذا الموضوع». ورأى أن «الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء لتوقيع المرسومين المتعلقان بالنفط هي من مسؤولية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، أما إصدار المرسومين فهو من مسؤولية الحكومة مجتمعة. وعندما يبلغنا الرئيس أو رئيس الحكومة أي اعتراض بهذا الشأن، فليتفضلا بإعلانه».