وفقا لما قاله مصدر ديبلوماسي غربي لـ«السفير» فإن الغالبية العظمى من الحكومات الأوروبية لا تميل إلى تصديق الحجج الأميركية.
زياد حيدر
أبدت مصادر ديبلوماسية غربية تخوفها من أن يؤدي أي عدوان مفترض على سوريا، إلى عشرات آلاف القتلى، وذلك في الوقت الذي ما زالت بعض الدول تأمل «بحل سياسي» يعيق تنفيذ ضربة عسكرية مؤلمة، نتائجها المحتملة عصية عن الحسابات.
وقبل أيام من بدء نقاش المشرعين الأميركيين حول التفويض الذي سيمنح الرئيس الأميركي باراك أوباما حق شن ضربة من عدمه، أبدت مصادر ديبلوماسية أوروبية متابعة للملف السوري خشيتها من أن يؤدي العدوان المحتمل على سوريا إلى خسائر بشرية تفوق تلك الناتجة عن الصراع الحالي.
وتبني التحليلات الأوروبية هذا التشاؤم الحاد على عوامل عديدة، من بينها التداخل الجغرافي في مراكز السيطرة العسكرية بين السلطة والمعارضين، وتشتت المعارضة وغياب قيادة فعلية موحدة لها، كما احتمالات الردود التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة في حال حشرت في زاوية الرد القاسي. ولا يغيب عن هذه النظرة المحذرة، ضخامة التهديد من خروج السلاح الكيميائي عن سيطرة «آبائه» ليقع بعضه في أيادي جماعات متطرفة، أو تجار سلاح انتهازيين.
وبرغم أن التقديرات الغربية تستبعد حصول هجوم سوري مباشر على إسرائيل، يدفع الأخيرة لدخول المواجهة بشكل مباشر، إلا ان رد فعل «حزب الله» يبقى هو الأكثر إثارة وغموضا، في ظل غياب أي مؤشرات استخباراتية على استجابته المحتملة.
ويدخل الخوف من «الجهاديين»، والاحتقان الطائفي في إطار التصورات التشاؤمية لانعكاسات الضربة داخليا، خصوصا أن العدوان سيحاول تغيير موازين القوى على الأرض، ما يجعل مناطق ظلت تحت حماية الجيش طوال فترة الأزمة معرضة لتهديد انتقامي واسع. ومن اللافت عدم وجود تبن حقيقي للأدلة التي ساقتها كل من الاستخبارات الأميركية أو الفرنسية لاستخدام السلاح الكيميائي.
ووفقا لما قاله مصدر ديبلوماسي غربي لـ«السفير» فإن الغالبية العظمى من الحكومات الأوروبية لا تميل إلى تصديق الحجج الأميركية. ويسوق المصدر مبررات شبيهة بالتي يتبناها الجانب الروسي، وتتمثل أولا «بعدم حاجة الجيش لاستخدام سلاح تدمير شامل في الوقت الذي تحقق قواته تقدما ميدانيا في المنطقة»، ولا سيما أن التقديرات الغربية بهذا السياق «تشير إلى تمكن الجيش السوري من السيطرة على معظم الغوطة الشرقية»، بالرغم من عدم إعلان الجانب السوري ذلك.
كما يبرز التساؤل «العاقل»، عن سبب استخدام سلاح من هذا النوع في منطقة سكنية، في الوقت الذي كان يمكن استخدامه على تجمعات مكشوفة للمقاتلين، كما على الحدود الأردنية - السورية، أو في ريف اللاذقية. وأيضا عدم الإجابة عن السؤال الذي يقف خلف استخدام سلاح كيميائي على بعد عدة كيلومترات من مقر إقامة لجنة التحقيق الدولية باستخدام أسلحة كيميائية، وبعد يوم من وصولها إلى دمشق.
إلا ان شكوك القادة الغربيين «المضمرة» بمبررات الحرب، لن تقود بالضرورة إلى تغيير في الموقفين الفرنسي والأميركي، أو التحالف الخليجي - التركي التابع لهما بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا.
وفي هذا السياق يبرز تشاؤم إضافي في تقديرات الغرب للكلفة البشرية التي يمكن أن تنتج عن العدوان بحيث تتجاوز عشرات الآلاف. وسبب هذا التشاؤم جهل الحكومات الغربية بكيفية «حصر خطر الكيميائي ومنع إطلاقه مجددا» من دون تدخل بري، الأمر الذي يثير مخاوف حول العبثية التي يمكن أن تجري بها الخطة العسكرية، خصوصا ان المعلومات المتداولة استخباراتيا تشير إلى تحريك المخزون الكيميائي السوري، المثير للقلق الأميركي، مرات عدة، كما توزيعه على مناطق مختلفة، بما يعنيه ذلك من امتداد أثره التدميري إلى مناطق واسعة في حال تم استهدافه. وهي مخاوف تشارك بعض فئات المعارضة الغربيين بها، وإن على مضض، ولا سيما في مناطق التداخل الجغرافي للسيطرة بين الطرفين، كما في ارياف حمص وحلب وإدلب.
وتتجسد مخاوف الحكومات الغربية بشكل أساسي بما هو مؤكد من «غياب خطة احتواء حقيقية لما بعد العدوان، تتضمن قدرة على تقليص العنف اللاحق، وتعتمد مسارا سياسيا واضحا»، رغم أن ثمة من يروج بأن واشنطن حضرت مبادرة سياسية، بدت بعض ملامحها في خطاب وزير الخارجية جون كيري أمام لجنة الكونغرس، سيتم طرحها بمجرد «اكتفائها» من العمل العسكري.
من جهتها، تأمل بعض القوى الدولية، في أن يؤدي التصعيد الحاصل في تجميع بعض الحماسة لتحقيق حل سياسي وسلمي. ورغم غياب خطة وقائية من العدوان، وضعف تحقيق اختراق سياسي، يبقى بعض الرهان الأوروبي على مراكز ثقل متنوعة، بينها الفاتيكان المعارض بشدة لتدخل عسكري بسبب مخاوفه على المسيحيين، وإمكان نجاح الروس في لعبة شد الحبل مع الخصم الأميركي، مع إطلالة شبح الحرب الباردة مجددا. وتأتي هذه القراءة مستندة لتحرك قوات بحرية روسية بشكل لافت باتجاه المتوسط، وانضمام قطعة عسكرية صينية لها، وأيضا من اللهجة العالية للمسؤولين الروس تجاه نظرائهم الأميركيين، والتي وصلت حد اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحدة مقصودة كيري بـ«الكذب».
وتشير معلومات «السفير» إلى أن كلا من موسكو وبكين تعتقد حتى اللحظة أن احتمالات الضربة قائمة أكثر بكثير من عدم احتمالها، بعكس التقدير الإيراني. وفي هذا السياق أعلن بوتين، قبل انعقاد قمة العشرين في سان بطرسبرغ، أن لدى الروس «خطة» في حال تم شن ضربة، وفق ما نقل عنه موقع روسي، لكن من دون الإعلان عن طبيعتها.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه