28-11-2024 05:35 AM بتوقيت القدس المحتلة

"تسوية كيميائية لحفظ ماء وجه اوباما"...

اوائل القرن الماضي كان يُقال ان من لندن تخرج سياسات العالم ، وفي آخره كان يُردد ان واشنطن ترسم تلك السياسات ...اما اليوم فكثر الرسامون للوحة أممية واحدة.

 

حسين ملاح

اوائل القرن الماضي كان يُقال ان من لندن تخرج سياسات العالم، وفي آخره كان يُردد ان واشنطن ترسم تلك السياسات ... اما اليوم فكثر الرسامون للوحة أممية واحدة.

لاشك ان اعلان وزير الخارجية الاميركية جون كيري من لندن انه " يمكن للرئيس السوري بشار للأسد تفادي ضربة عسكرية في حال تسليمه  الأسلحة الكيميائية " شكل ارباكاً للمتابعين الاميركيين قبل غيرهم ، لانه أتى بعيداً عن مفردات استمعلت لأيام كـ.."حتمية الضربة" ..."معاقبة الاسد"...."ضربة محدودة وموضعية".

فالوزير الاميركي وعلى يمينه نظيره البريطاني وليم هيغ ، اطلق مفردته ومضى وبعدها بساعات قليلة تولى رأس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف الاخراج.

لافروف وخلال مؤتمر صحفي مقتضب بدا كمن يتلو بنود تسوية حول الاستخدام المفترض للاسلحة الكيماوية في ريف دمشق في آب / اغسطس الماضي.

التسوية ...على الطريقة الروسية

عاش الرئيس الاميركي باراك اوباما اصعب لحظات حياته السياسية منذ دخوله الى البيت الابيض ، وفق ما أكدت العديد من الصحف الغربية ، بعدما أوصل نفسه الى مأزق بفعل جزمه بحتمية توجيه ضربة عسكرية الى سورية على خلفية الاستخدام المزعوم للسلاح الكيمياوي.

أوباما كما دلت تصريحاته كان عازماً على ضرب سورية ، لكنه حاول بداية حصر التداعيات عبر التفاوض مع الروس واحيانا مع الايرانيين - كما اشيع- لكنه جوبه برفض من موسكو وطهران.

الاولى رفعت الصوت عالياً وارفقته بارسال سفن حربية الى شرق المتوسط اي قبالة السواحل السورية ، اضافة الى تأكيد الكرملين باستمرار مد سورية بالسلاح ، أما الجمهورية الاسلامية الايرانية ، فاكدت عبر الامام السيد علي الخامنئي ان اي عدوان على سورية ، قد يُشعل المنطقة التي تعيش على برميل بارود.

واقع دفع اوباما الى التراجع خطوات عبر رمي كرة العدوان على سورية في ملعب الكونغرس الاميركي ، في محاولة لعدم تحميل نفسه وادارته تداعيات كارثية قد تطيح بما تبقى من اقتصاد وتلحق ضرراً بالغاً بأمن حليف امريكا الابرز في الشرق"اسرائيل".

ويقول المحلل السياسي الدكتور طلال عتريسي لموقع المنار ان موسكو لم تكن لتطرح مبادرتها "دون وجود ضوء اخضر اميركي" مشيراً الى ان "المبادرة الروسية هي لانقاذ أوباما لانه لا يرغب بدفع ثمن ضرب سورية بفعل صمود دمشق وحلفائها".

ويضيف عتريسي ان "الروس عملوا على توفير ثمن لحفظ ماء وجه اوباما وهذا الثمن لا يمس بقدرة النظام في سورية ، ولا وضع الجيش ولا تماسكه ولا يقوي المعارضة ، فما تم مخرج لحفظ ماء وجه اوباما دون اي تنازل جوهري من الجانب السوري".

ويؤكد عتريسي "ان اوباما كان يخاف ان يدفع ثمن العدوان على سورية لان الرأي العالمي مناهض له ، كما ان الرئيس الاميركي "فهم ان هناك استعدادات جدية لمواجهة هذا العدوان من قبل سورية والحلفاء "، ويضيف عتريسي "لو شعر اوباما ان حلفاء سورية مترددون "لما كان تراجع عن الضربة".

ويوضح عتريسي ان "اوباما كان مرتبكاً في البداية ويحتاج لوقت خاص ، فلجأ الى الكونغرس للبحث عن تسوية ، فضلا عن محاولة إقناع العالم والاوروبيين بتوجيه ضربة الى سورية".

وتوقع عتريسي ان يحاول الاميركيون بعد موافقة دمشق على المبادرة الروسية ان يظهروا "كالمنتصرين" عبر سلسلة تصريحات تتحدث عن "انقاذهم" السوريين وشعوب المنطقة والعالم عبر ازالة التهديد المتمثل بالاسلحة الكيميائية السورية وفق زعمهم.

ابرز الخاسرين

يؤكد عتريسي لموقع المنار ان ابرز الخاسرين من اي تسوية روسية اميركية حول الكيماوي في سورية ، هم بالدرجة الاولى رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ، الذي ذهب الى حد المناداة باسقاط النظام في سورية ولو عبر العدوان الخارجي ، كذلك من الخاسرين السعودية التي يُقال انها تكلفت بتمويل الضربة الاميركية ضد سورية ، فضلاً عن محاولاتها لزيادة تمويل وتسليح الجماعات المسلحة في سورية، لتحقيق اختراقات على الارض مستفيدة من العدوان الاميركي.

اما الجماعات المسلحة ، فهي ستُمنى بخسارة محققة ، اذا أُنجزت التسوية ، وقد عبرت عن ذلك في صراخ اكثر من مسؤول فيها ، خرج في وسائل الاعلام المناهضة لدمشق ، بُعيد وقت قصير من الاعلان الروسي عن المبادرة بشأن الكيمياوي ، وبدى هؤلاء كالمنهزمين في معركة لا يملكون لا قرارها ولا توقيتها بل هم متفرجون..

فيما ظهرت الخشية على الكيان الصهيوني من انكفاء اميركي عن توجيه ضربة الى سورية ، في وقت واصل المسؤولون في حكومة بنيامين نتنياهو تحريض واشنطن على العدوان ، وعدم الانصات الى الروس ، محذرين من ما وصفوه "المماطلة السورية".

حتى لا نعيش في أوهام ، فالتسويات تحتاج الى وقت ومفاوضات مترافقة مع تصريحات متفاوتة ومتناقضة ، لذلك فإن أي تسوية قد تُنجز حول "السلاح الكيماوي في سورية" ، ليس بالضرورة أن تكون لانهاء الحرب في هذا البلد ، لكن ربما تشكل نواة لتسوية أشمل لم يحن وقتها بعد...