عكست أجواء لقاءات جنيف في الساعات الماضية نجاح الدبلوماسية الروسية في فرض إيقاعها بوجه التهديدات الأميركية بالعدوان على سورية مستعينة بالموقف السوري المتناغم والثابت في آن معاً.
عكست أجواء لقاءات جنيف في الساعات الماضية نجاح الدبلوماسية الروسية في فرض إيقاعها بوجه التهديدات الأميركية بالعدوان على سورية مستعينة بالموقف السوري المتناغم والثابت في آن معاً.
فقد أكدت دمشق على لسان رئيسها في بداية الأزمة وخلالها أنها جاهزة للرد على أي عدوان وتجاوبت في الوقت نفسه مع التسوية الروسية وترجمت ذلك من خلال الإجراءات والخطوات التي اتخذتها في الـ 48 ساعة الماضية.
وإذا كانت واشنطن قد تراجعت عن تهديداتها فإن بعض العرب وفي مقدّمهم السعودية لم يخفِ إحباطه الشديد جراء ما حصل لا بل واصل سعيه وتحريضه لشن الحرب على سورية.
انتصارات ميدانية
وبالتزامن مع ذلك فقد حقّق الجيش السوري مزيداً من الانتصارات الميدانية وتمكّن من إلحاق خسائر فادحة بجبهة «النصرة» وما يسمّى «الجيش الحر» وفرض سيطرته الكاملة على جبل الأربعين في ريف إدلب وعلى الأوتوستراد الذي يربط اللاذقية بإدلب كما حقّق مزيداً من التقدم لاستكمال السيطرة الكاملة على معلولا حيث بات مسلحو «النصرة» ومليشيا «الحر» خارج البلدة في حين استمر الجيش بملاحقة فلولهم.
معلومات لـ«البناء»
في معلومات خاصة بـ«البناء» أن الجيش السوري وبتعليمات واضحة من القيادتين السياسية والعسكرية عازم على استئناف مهمته في التصدي للمجموعات المسلحة التي باعت نفسها للأجنبي واستقبلت أجانب متطرّفين من كل حدب وصوب كما أنه مصمم على تصفية الإرهاب وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع سورية كلها ولو على مراحل مرتبطة بالأولويات السياسية والعسكرية.
غير أن القيادة السورية العليا ترصد بحذر تام خلفيات التسريب المتخذ لما يسمى ظنوناً واعتقادات وترجيحات عن تقرير المحققين الدوليين حول استخدام السلاح الكيماوي وهو تقرير لم يُعلن رسمياً بعد كما أن من المتوقع صدوره بين مساء الإثنين وصباح الثلاثاء حسب التوقيت المحلي. واللافت أن بعض الأبواق الإعلامية المعادية لسورية قيادة وجيشاً وشعباً وسياسة دأبت في الساعات الماضية على تسويق أخبار تشير بأصابع الاتهام السياسي إلى السلطة السورية. والأسئلة الموضوعية التي تتبادر إلى الذهن خصوصاً بعد انضمام الأمين العام للأمم المتحدة إلى جوقة المتنبئين والعرّافين السياسيين هي: ماذا وراء تلك الفلتات اللسانية التي تبدو مقصودة؟ هل الهدف يتمثل في إجهاض المبادرة الروسية التي رحبت بها دمشق مشروطة بوقف التهديدات الأميركية وتهريب السلاح والمسلحين كما يُتوقع من أية دولة ذات سيادة أن تفعل؟ أو هل المطلوب أن يبقى الإرهاب الدولي المنظم سيفاً مشرّعاً على العنق السورية بحيث تتخذ موقع الدفاع عن النفس بدلاً من الهجوم المحقّ الذي اعتمدته في صيانة حقها وحريتها وقرارها المستقل؟
إنها الأسئلة المشروعة التي ينبغي أن يدقق فيها شعبنا وقياداتنا بعد أن رماها الأميركي وأدواته «الَعَرَئيلية» على طاولة الابتزاز والمناورة والمغامرة تارة بتفخيخ التقرير الدولي وطوراً بتهريبه.
وبالعودة الى حركة الاتصالات واللقاءات والمتابعات على خلفية المقترح الروسي وانضمام سورية رسمياً الى منظمة الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الاسلحة الكيماوية، أكد رئيس فريق التحقيق الاممي في استخدام السلاح الكيماوي بسورية آكي سيلستروم مساء أمس أن تقرير بعثة التحقيق بات جاهزاً وأشار سيلستروم أنه لا يعرف متى سيتم نشر التقرير. سيلستروم قال: «إن التقرير جاهز لكن موعد نشره هو أمر سيقرره الامين العام للامم المتحدة كي مون بان».
جاء ذلك بعد وقت قصير من اعلان بان أنه يتوقع أن يؤكد تقرير البعثة استخدام هذا السلاح وجاء في كلمة بان أمام اجتماع أممي: «اعتقد أن التقرير سيؤكد بشكل مطلق استخدام السلاح الكيماوي بيد أنني لا استطيع الاعلان عن أي شيء قبل أن أتسلم التقرير».
لافروف وكيري
وبالتزامن مع انتهاء اعمال قمة منظمة شانغهاي بالأمس استمرت اللقاءات المكثفة بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري في جنيف بحضور المبعوث الاممي الى سورية الاخضر الابراهيمي.
وفي مؤتمر صحافي مشترك بالامس أكد لافروف أنه ونظيره الأميركي جون كيري اتفقا على عقد لقاء جديد بشأن سورية في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقويم التقدم بشأن الأسلحة الكيماوية السورية وآفاق عقد مؤتمر «جنيف-2» وللنظر في مواقف الأطراف السورية بهذا الشأن». واعرب كيري بدوره عن أمله في أن يكون له وللوزير لافروف فرصة لمواصلة المشاورات في نيويورك مرجحاً أن يعقد اللقاء يوم 28 أيلول .
وأضاف الوزير الروسي: «هدفنا الأساسي من وجودنا هنا هو بحث مسألة كيماوي سورية». وتابع أنه نظرا للخطة الذي طرحها الرئيس السوري بشار الأسد لانضمام سورية الى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية «علينا أن نكلف خبراءنا أن يضعوا بالتعاون مع الخبراء الكيماويين الأمميين »خريطة طريق» من أجل حل هذه المسألة بسرعة وبمنتهى الاحترافية».
ووصف لافروف اللقاء الثلاثي بالمثمر قائلا إن كيري يفهم ضرورة إحراز تقدم في التسوية السورية. وأضاف أن الإبراهيمي دعا خلال اللقاء الى بحث أفق التسوية السورية التي سبق وأن رسمها البيان الصادر عن المؤتمر الدولي الخاص بسورية الذي عقد العام الماضي في جنيف .
من جانبه أكد كيري على تمسك الإدارة الأميركية والرئيس باراك أوباما بالبحث عن حل تفاوضي للأزمة في سورية نظرا لتزايد عدد ضحايا الأزمة السورية. وقال إن الجانبين الأميركي والروسي يسعيان للتوصل الى أرضية مشتركة مضيفا ان هدفهما هو تأمين العملية الخاصة بالأسلحة الكيماوية السورية بشأن وضع هذه الأسلحة تحت رقابة دولية .
بدوره قال الابراهيمي إنه ينتظر بفارغ الصبر نتائج العمل على تنفيذ المبادرة الروسية بشأن وضع الأسلحة الكيماوية في سورية تحت الرقابة الدولية. واعتبر أن هذا الأمر مهم للغاية بحد ذاته كما أنه مهم في ما يخص آفاق عقد مؤتمر «جنيف- 2» الخاص بسورية .
وقد توقع مصدر في الوفد الروسي المشارك في مفاوضات جنيف بأن الجانب الروسي يعوّل على التوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة بشأن السلاح الكيماوي في سورية قبل مساء الجمعة. وقال المصدر إن المفاوضات تجري بشكل بنّاء معربا عن تفاؤله بشأن نتائجها.
وجاء في بيان أصدرته الوزارة تعقيبا على لقاء الوزيرين كيري ولافروف والمندوب الإبراهيمي في جنيف: «نوقشت في اللقاء بشكل تفصيلي مسائل الإعداد لإجراء المؤتمر الدولي حول سورية. وأعربت الأطراف عن الرأي المشترك بأن الحل السياسي للأزمة السورية على أساس تنفيذ جميع البنود لبيان جنيف من 30 حزيران 2012 هو الطريق الواقعي الوحيد لوقف جميع أشكال العنف في سورية وتذليل العواقب الإنسانية البالغة الخطورة للصراع السوري الداخلي».
كما أكد مشاركو اللقاء ضرورة إطلاق الحوار السوري الداخلي بين الحكومة والفصائل المعارضة الرئيسية في جنيف في أسرع وقت ممكن وأفادت الخارجية أن لافروف وكيري والإبراهيمي اتفقوا على أن يلتقوا من جديد على هامش جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة هذا الشهر في نيويورك وذلك «انطلاقا من الاقتناع المشترك بضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى ضبط جميع الجوانب العملية لإعداد المؤتمرالدولي في جنيف لا سيما في سياق التصعيد الحالي للأوضاع العسكرية والسياسية حول سورية».
وفي سياق متصل دعا ديمتري بيسكوف الناطق باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الامتناع عن أي تكهنات وتقويمات بشأن قرار المجتمع الدولي المنتظر حول الملف السوري. وقال بيسكوف في تصريح صحافي في عاصمة قرغيزيا بيشكيك أمس: « إن أي أفكار خارج إطار الحوار الذي يجري حاليا بين وزيري الخارجية الروسي والأميركي ليس لها حق في الوجود». وأضاف: «الرهان كبير جدا والأمل غامض ولذلك من الأفضل أن نمتنع عن أي تعليقات على طبيعة المقترحات المحتملة».
من جانبه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أكد أن المحادثات بين وزيري الخارجية الروسي والأميركي تجري «في أجواء عملية وبنّاءة» مضيفاً أن الطرفين يسعيان إلى تحقيق نتيجة إيجابية .
وعلى وقع التقدم السريع الذي تحرزه مسألة الكيماوي السوري أعلن رئيس ادارة استخبارات وزارة الدفاع الأميركية مايكل فلين ان عملية تدمير السلاح الكيماوي في سورية قد تستغرق سنوات. واعتبر فلين المبادرة الروسية حول وضع السلاح الكيماوي السوري تحت الرقابة الدولية بأنها «تعطي الأمل ولكن تثير التساؤلات» مضيفا «انا لا احسد السياسيين الذين يجب ان يتخذوا قرارا نهائيا».
وأعرب عن رأيه بأنه «على ما يبدو تواجه الولايات المتحدة بلا نهاية تحديات جديدة مهمّة للأمن ما يثير تساؤلا حول ما اذا اصبح وجودنا الدائم في ظروف الأزمات امرا اعتياديا بالنسبة لنا». واشار فلين الى مناقشاته مع الخبراء الأميركان حول موضوع «كم من الوقت احتاجت الولايات المتحدة للتخلص من السلاح الكيماوي اذ اجاب الخبراء انه حوالى سبع سنوات». لذلك فان هذه العملية في سورية ستستغرق اعواما. كما اعترف المسؤول الأمني الأميركي بوجود قوى متطرفة في صفوف من يريد الاطاحة بالحكومة السورية مثل «جبهة النصرة» المرتبطة بالقاعدة. ورأى ان «هؤلاء الارهابيين منظمون ومسلحون ومجهزون افضل من الآخرين ويسعون الى زعزعة الاستقرار في المنطقة».
وفي وقت لاحق من مساء أمس أكدت الخارجية الروسية أن روسيا وأميركا والأمم المتحدة متفقة على أن حل الأزمة السورية على أساس بيان جنيف هو السبيل الوحيد لوقف العنف.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قال في كلمة له خلال انعقاد قمة منظمة شنغهاي للتعاون إن بكين تدعم المبادرة الروسية بشأن وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية وتدعو الى تسوية الأزمة في هذه البلاد سياسيا. وقال: «إننا ندعم فكرة وضع الأسلحة الكيماوية في سورية تحت الرقابة من قبل جهات دولية. كما أننا مستعدون للمساهمة في تسوية الوضع عبر مجلس الأمن الدولي».
وبالتزامن مع ذلك أكدت منظمة حظر الاسلحة الكيماوية أمس أنها تسلمت من سورية طلبا ترجو فيه تقديم مساعدة فنية لها وقالت المنظمة إن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد اتصل بها لتقديم هذا الطلب ولم تكشف المنظمة عن مزيد من التفاصيل حول طبيعة هذا الطلب والمساعدات الفنية المطلوبة.