28-11-2024 04:55 PM بتوقيت القدس المحتلة

«التفاهم الكيميائي»: رواية أميركية من كواليس جنيف والبيت الأبيض

«التفاهم الكيميائي»: رواية أميركية من كواليس جنيف والبيت الأبيض

شغلت سوريا منذ عامين ونصف العام العالم السياسي والديبلوماسي والعسكري. تصريحات يومية، ومبادرات تعرض وأخرى ترفض، اجتماعات في موسكو وواشنطن ومدريد وجنيف واسطنبول

تقريران في «واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال»


شغلت سوريا منذ عامين ونصف العام العالم السياسي والديبلوماسي والعسكري. تصريحات يومية، ومبادرات تعرض وأخرى ترفض، اجتماعات في موسكو وواشنطن ومدريد وجنيف واسطنبول، ومقاتلون وعسكر وضحايا. ولكن من الممكن القول إن الأسابيع الثلاثة الماضية، كانت الأكثر «ترقباً»، فقد شكل الهجوم الكيميائي الذي استهدف غوطة عاصمة الأمويين في الـ21 من آب الماضي، تحولاً في قواعد اللعبة. وجد الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه أمام عهد اتخذه بالتحرك إذا تم استخدام السلاح الكيميائي، فما كان منه إلا أن أعلن نيته شن عدوان «محدود» على سوريا بدعم عربي علني وسري في آن. ولكنه، وبحجة الديموقراطية، قرر العودة إلى الكونغرس للحصول على موافقته، ما منح فرصة لديبلوماسية استثنائية والحل السياسي من أبواب القيصر الروسي في الكرملين.

في العرض الآتي تفاصيل ما نشرته صحيفتا «واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال» عن الأيام التي تلت ضربة الغوطة في الـ21 من آب، حتى طرح المبادرة الروسية والتوصل إلى «الاتفاق الكيميائي». الصحيفة الأولى نشرت أمس تفاصيل ما حصل خلال اجتماع جنيف بين وزير الخارجية الأميركية جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف للتوصل إلى الصيغة النهائية لـ«اتفاق الكيميائي»، وبدا أن ما حصل في جنيف لم يكن سهلاً، خصوصاً على الأميركيين. أما «وول ستريت جورنال» فقدمت روايتها لما حصل داخل البيت الأبيض منذ إبلاغ أوباما بالهجوم، وحتى اتخاذه القرار باللجوء إلى الكونغرس، والدخول في معركة الترويج الداخلية والخارجية، إلى أن وجدت مبادرة جعلته على ما يبدو يتنفس الصعداء.

من كواليس جنيف

حتى ظهيرة يوم الجمعة الماضي في جنيف، كانت خطوات بسيطة قد نتجت من اجتماعات المفاوضين الروس والأميركيين وخبراء السلاح الكيميائي، إلا أنها لم تكن كافية. ومن الممكن القول إن الطرفين اتفقا على حجم ومواقع الترسانة السورية، إلا أنهما اختلفا تماماً على قضايا أخرى، وأساسها كيفية تجميع السلاح الكيميائي وتدميره. وكان من الواضح أن الروس لن يقبلوا بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي يشرّع ضربة ضد سوريا إذا أخلّت بالاتفاق.
ولأن الخلافات كانت واسعة، أراد لافروف حمل أغراضه والعودة إلى بلاده. ولكن حين اجتمع الطرفان على طاولة الغداء، كان كيري واضحاً مع نظيره، وقال له إنه وفريقه مستعدان للبقاء ما يلزم من الوقت، حتى أنه شخصياً مستعد للنقاش طوال الليل، وللاستيقاظ باكراً في اليوم التالي.

لم تكن تلك المفاوضات عملاً سهلاً، بل يقول مسؤول في الخارجية الأميركية إن تلك المباحثات، التي بدأت ظهر الخميس وانتهت بعد ظهر السبت، لم تكن لتتوصل إلى أي اتفاق. وفي النهاية، كتب الطرف الأميركي الاتفاق بالكامل، وقد وافق عليه الروس في لقاء مرتجل بين لافروف وكيري، ونوابهم الذين اضطروا إلى سحب مقاعدهم والجلوس مع الوزيرين. وضع كيري اللمسات الأخيرة على مسودة الاتفاق بواسطة جهاز الكمبيوتر اللوحي (الآيباد) الخاص به في غرفته في الفندق.

ويذهب الديبلوماسي الأميركي أبعد من ذلك، إذ يقول إن الروس لم يقدموا أي طلبات، سوى الإشارة إلى أنهم أصحاب الفكرة، وأنهم ناقشوها عموما خلال العام الماضي، ولم تطرح جدياً إلا الأسبوع الماضي.
أمضى رئيس الديبلوماسية الأميركية بعد ظهر يوم الخميس في جنيف في اجتماعات مع مساعديه ومجموعة من خبراء الأسلحة الذين سافروا معه. ويشير المصدر الأميركي إلى أنه «كان هناك اتفاق بأننا لن نقبل أي صفقة، بل كان علينا اجتياز عوائق، من بينها الجدول الزمني والتفاصيل والطريق إلى الأمم المتحدة، وكان علينا أن نروّج للاتفاق أمام العالم وأمام الكونغرس الأميركي».

وقبل اجتماعهما الأول عصر الخميس، عقد كيري ولافروف مؤتمراً صحافياً، والمفارقة أن وزير الخارجية الأميركية ألقى خطاباً موسعاً تحدث فيه عن أهداف الولايات المتحدة، فيما اكتفى نظيره الروسي بقول القليل.
وخلال تناولهما العشاء معاً، وكان عبارة عن سمك وسلطة، خرج المفاوضون الأميركيون من اجتماع مع نظرائهم الروس، و«لأننا شعرنا أن الطرفين يتحدثان بعيداً عن بعضهما البعض، كان علينا إيجاد طريقة لإحداث اختراق، فلم يكن من الممكن النجاح إذا أكملنا على الطريق ذاته»، يروي المسؤول الأميركي.

من الممكن القول إن الفريقين كان يبعدان آلاف الأميال في قراءتهما لحجم مخزون الأسلحة السوري، ولذلك جلس محللو استخبارات من الطرفين لإنهاء الاختلافات. وبعد مغادرة الروس، خلص الفريق الأميركي خلال اجتماع متأخر إلى أن تقديم لافروف ملفاً مؤلفاً من ورقتين فقط عن الأفكار الروسية ليس سوى فرصة للأميركيين لقيادة المفاوضات. وبالنتيجة، تم تكليف مجموعات عمل لكتابة مقترحات حول جدول الأعمال، والإجراءات وفقاً لاتفاقية الأسلحة الكيميائية، وضمان مرور الاتفاق في مشروع لمجلس الأمن الدولي من دون تعرضه لفيتو روسي.

وخلال لقاء الديبلوماسيين الروسي والأميركي مع المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي صباح يوم الجمعة، ضيّق الفريق التقني الاختلافات حول حجم المخزون الكيميائي. وقد اتفق الطرفان على أن يكتب الوفد الأميركي الإطار العام للاتفاق، في وقت يعمل الخبراء على «إغلاق الثقوب».

ولكن حين اجتمعت مجموعات العمل بعد الغداء، «بدأت تتردد شائعات وتهديدات بأن الروس سيغادرون في العاشرة مساء»، وفقاً للمسؤول. وحين بادر كيري في حديث إلى لافروف، تطرق إلى قصة يتم تداولها عبر الإعلام، وهي أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وخلال اجتماع مع مجموعة معنية بحقوق المرأة في نيويورك، قال إن لدى المحققين الدوليين أدلة على أن الهجوم حصل، وهذا ما سيُعلن عنه خلال جلسة مجلس الأمن.

وبعد ذلك، شعر الأميركيون بنوع من التحول في السلوك الروسي، وخرج لافروف من الاجتماع مشيراً إلى أنه سيتوجه إلى السفارة الروسية القريبة لإجراء بعض المشاروات مع موسكو. ولدى عودته، قال إنه مستعد للبقاء لحضور اجتماع آخر في اليوم التالي.
وبعدما أُعلن عن الاتفاق يوم السبت، تلقى كيري اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي باراك أوباما على هاتفه الخاص لتهنئته على مجهوده.

تلك هي القصة الخاصة بالاتفاق الكيميائي الروسي الأميركي. ولكن هناك رواية أخرى مطولة عن الضجيج داخل البيت الأبيض منذ الهجوم الكيميائي على غوطة دمشق في 21 آب الماضي وحتى تنفس الصعداء مع المبادرة الروسية.

ماذا حصل في البيت الأبيض؟

لم تكن موافقة الكونغرس على شن حرب على سوريا هي معضلة الرئيس الأميركي باراك أوباما الوحيدة، بل إنه حين قرر اللجوء إلى المشرعين الأميركيين للحصول على دعمهم، واجه اعتراضات في صفوف فريقه. فمن جهتها، تخوفت مستشارته للأمن القومي سوزان رايس من أن يقوض ذلك من صلاحيته كقائد أعلى للقوات المسلحة. أما مستشاره دان بفايفر فأشار إلى أن نسبة عدم موافقة الكونغرس تصل إلى 40 في المئة، حتى أن وزير دفاعه تشاك هايغل أبدى قلقه.
ولكن كما هو معروف، قرر الرئيس الأميركي المجازفة، والسعي للحصول على الدعم الداخلي والخارجي، الأمر الذي لم يحصل بالكامل على الأقل. فمن جهة، لم يعلم قيادات الكونغرس بقرار أوباما سوى قبل ساعة من إعلانه، ولم يُسألوا حتى عن احتمالات موافقة المشرعين عليه. وحين أبلغ رئيس موظفي البيت الأبيض دنيس ماكدونات كبار المشرعين على الهاتف قرار الرئيس، بعضهم لم يفهم من المرة الأولى ما يسمعه.

أما خارج الولايات المتحدة، فقد حث الزعماء العرب الولايات المتحدة على ضرب سوريا، ولكن القليل منهم أعلن عن دعمه علناً. من جهتها، انسحبت بريطانيا من العملية المشتركة بعد يومين من إبلاغها البيت الأبيض أنها ستلجأ إلى تصويت البرلمان.

وبالنتيجة، فإنه في الأيام التي سبقت التوصل إلى اتفاق مع روسيا، عقدت عشرات الاجتماعات مع مسؤولين كبار في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، والبنتاغون والكونغرس، ونظرائهم في أوروبا والشرق الأوسط. فقد تحول أوباما من رئيس يريد إخراج أميركا من دورها كـ«شرطي العالم» إلى رجل يدخلها في حرب مع عدوها الأكبر في سوريا، أي فلاديمير بوتين.

ولكن يبدو أن المبادرة الروسية أنقذت الإدارة الأميركية، لتكون بديلاً من ضربة عسكرية قد تدخل الولايات المتحدة في حرب جديدة، ولتنقذ البيت الأبيض من فشل في الكونغرس، فضلاً عن أنها حمّلت روسيا عبء التوصل إلى اتفاق. وبحسب مسؤولين أميركيين، فإن المبادرة الروسية قادرة على تدمير مخزون الكيميائي السوري أكثر من الضربة. وخلال اجتماع مع أحد المسؤولين الكبار يوم الجمعة، قال أوباما «أنا لست مهتماً بالطريقة... أنا مهتم بالنتائج».

اللجوء إلى الكونغرس

وبالعودة إلى قصة البيت الأبيض مع ضربة الغوطة، فقد تم إبلاغ أوباما بالهجوم في صباح 21 آب الماضي، في وقت كانت بدأت فيه وكالات الاستخبارات بتعداد الضحايا، ومراجعة الاتصالات التي اعترضتها، لتتهم في النهاية النظام السوري بالوقوف وراء الهجوم. وكان مسؤولو البيت الأبيض على دراية بأن هذا الهجوم سيغير قواعد اللعبة.
ومنذ البداية، بدأ حلفاء الولايات المتحدة، إسرائيل والسعودية تحديداً، بالضغط على الإدارة الأميركية. وقد تسابق السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير وديبلومسيون آخرون على العودة إلى واشنطن من إجازتهم الصيفية للترويج للضربة العسكرية، والكلام هنا لمسؤولين أميركيين وديبلوماسيين.

والمرة الأولى التي بدا فيها أوباما مرحباً بالرد العسكري كانت خلال اجتماع في الـ24 من آب مع مستشاريه للأمن القومي، حيث أبلغهم أنه يميل نحو العمل العسكري.
زعيم الجمهوريين في مجلس النواب جون بينر كان في سيارته متجهاً إلى احتفال جمع تبرعات، حين تلقى الاتصال الأول من البيت الأبيض. وبعد ساعات تلقى اتصالاً من ماكدونات يشرح له الخيارات، من دون الإشارة إلى احتمال الطلب من الكونغرس التصويت.

وفي اليوم التالي، تحدث أوباما إلى رئيس الحكومة البريطانية دايفيد كاميرون، حيث اتفق الرجلان على تأييدهما للخيار العسكري لردع الرئيس السوري بشار الأسد، وليس إسقاطه. ويلخص أحد المسؤولين الاتصال بالقول «كانا على استعداد للبدء».
ودعا كاميرون السياسيين في بلاده للعودة من عطلتهم الصيفية، ولأنه كان على معرفة تامة بآثار حرب العراق على زميله رئيس الوزراء السابق طوني بلير، فضّل العودة إلى البرلمان. ولكن، وبحسب أحد المسؤولين الأميركيين، فإن رئاسة الأركان الأميركية والقوات البريطانية كانوا قد بدأوا أصلاً في مراجعة تفاصيل الهجوم المشترك.

وقبل تصويت البرلمان البريطاني، وبضغط من سياسييه، قرر كاميرون تقسيم التصويت إلى جزءين، الأول على مبدأ التدخل، والثاني على تورط بريطانيا مباشرة. ولكن قبل ذلك، كان مستشارو أوباما قد توصلوا إلى استنتاج أن المملكة المتحدة، قد تخلت عنهم.

وفي مساء يوم الأربعاء في الـ28 من آب، اتصل أوباما شخصياً بزعيمة الديموقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي، التي أبلغت زملاءها لاحقاً أنها لم تطلب من الرئيس عرض الموضوع أمام تصويت الكونغرس.
وفي اليوم التالي، أغلق البرلمان البريطاني الطريق أمام كاميرون، بالتزامن مع اجتماع هاتفي جمع بين مستشارة الأمن القومي سوزان رايس ووزير الخارجية جون كيري والدفاع تشاك هايغل من جهة، وقياديي الكونغرس الأميركي من جهة ثانية. وخلال الاتصال، تطرق هايغل، وهو كان في رحلة إلى آسيا، إلى مصداقية الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن كوريا الجنوبية كانت قلقة من أن عدم الرد في سوريا، قد يطمئن كوريا الشمالية لتستخدم أسلحتها الكيميائية والبيولوجية.
ومن ثم حل يوم الجمعة في الـ30 من آب، وقد بدأت تتصاعد أصوات الكونغرس المرتبكة، وفي اليوم ذاته، ألقى كيري خطابه الشهير الذي دافع فيه عن الخيار العسكري.

أما في مياه البحر المتوسط، فكانت خمس مدمرات أميركية بانتظار القرار. وبحسب مسؤولين عسكريين، فإنهم كانوا يتوقعون صدور أوامر رئاسية بين الساعة الثالثة والرابعة عصراً من يوم السبت، وفق التوقيت الشرقي. ولكي يتأكدوا أنهم مستعدون بالكامل، عقد مسؤولو البنتاغون مؤتمراً صحافياً وهمياً. ولكن في حوالي الساعة الخامسة عصراً، تمشى أوباما حوالي 45 دقيقة مع ماكدونات، ثم طلب الاجتماع بمستشاريه الكبار عند الساعة السابعة.

وخلال هذا الاجتماع، بدأ أوباما حديثه بالقول «لدي قضية كبيرة أريد أن أطرحها عليكم». وطلب منهم إعطاء رأيهم في اللجوء إلى الكونغرس. تفاجأ الجميع، باستثناء ماكدونات بالطبع، وهو الذي كان دائم الحذر من التورط في سوريا.
رايس من جهتها، أبدت بعض التحفظات، واعتبرت أنه من المهم أن يحافظ الرئيس على سلطته لاتخاذ أي قرار بالتحرك، بحسب مسؤول في الإدارة. أما المستشار دان بفايفر فقد قدم وجهة نظره عبر نتائج احتمالات الفشل في الحصول على تأييد الكونغرس.

اتصل أوباما بوزير دفاعه، الذي بدوره أبدى بعض التحفظات، لأنه برأيه على الإدارة الأميركية أن تتجنب التأرجح بين الآراء المختلفة. وليس ذلك فقط، فقد اتصل أوباما بقياديي الكونغرس، أحدهم كان يحضر وجبة غداء حين تلقى اتصال الرئيس. لم يكن الهدف من الاتصال طلب النصيحة، بل إبلاغهم بقراره. وقد ناقش مع بينر آلية العمل في الكونغرس، حيث أخبره زعيم الجمهوريين في البرلمان أنه سيكون من الصعب دعوة المشرعين إلى واشنطن بسرعة، وأنه يحتاج إلى الوقت لإقناعهم.

إلى ذلك، أبلغ أوباما نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند، وقال له إنه يريد بناء الدعم من داخل واشنطن، بحسب مسؤول فرنسي.
ومن هنا افتتح البيت الأبيض معركة جديدة هدفها إقناع الكونغرس بوجهة نظر أوباما. وفي مساء الأول من أيلول، اتصل أوباما بصديقه في الكونغرس، السيناتور ديك دوربين، وتحدث معه أكثر من نصف ساعة، وقد أقفل السيناتور الخط، وهو فعلياً لا يعرف ماذا سيفعل.

وفي محاولة لإقناع ديموقراطيي مجلس النواب، أجرت الإدارة الأميركية اتصالاً هاتفياً مع مجموعة منهم، حيث سأل أحدهم «هل نسينا دروس جنوب شرق آسيا، والرئيس الذي قال إنه علينا إرسال رجالنا للقتال هناك». وتلقى الجواب سريعاً من كيري، الذي قال غاضباً «لا لم أنسَ، أعرف ذلك جيداً، ولقد شاركت في تلك الحرب، ولا أحد يتحدث عن ذلك».

وبعيداً عن الصراع الداخلي، كان أوباما يأمل استغلال قمة مجموعة العشرين للحصول على الدعم الخارجي، إلا أنه خرج من اللقاء، ولم يكن نصف الموجودين مقتنعاً بطرحه.
وفي وقت ارتفعت أصوات السعودية وتركيا لدعم الهجوم الأميركي، صمت بعض الحلفاء العرب. ولكن ديبلوماسيين من الأردن والإمارات قالوا إنهم يريدون المساعدة للحصول على دعم الكونغرس، إلا أنهم كانوا واضحين في عدم قدرتهم على الإعلان عن دعمهم، خوفاً من ردة فعل انتقامية بعد الضربة.


ولكن، بعد عودة أوباما إلى واشنطن، كان مساعدوه مقتنعين بأن القرار قد يمر في مجلس الشيوخ ولكن ليس في مجلس النواب.

زلة لسان كيري

فتح كيري الطريق أمام الخروج من المأزق، فخلال مؤتمر صحافي في لندن في التاسع من أيلول، قال إن الطريقة الوحيدة لإنقاذ سوريا من الضربة العسكرية هي التخلي عن السلاح الكيميائي.
دقائق قليلة مرت، ليتلقى كيري اتصالاً هاتفياً من نظيره الروسي، وبادره الأخير بالقول «أريد أن أحدثك عن مبادرتك». أجابه كيري بروح من الدعابة «لا أعلم عما تتحدث».

وفي اليوم ذاته، أرسلت وزارة الخارجية إلى الكونغرس مذكرة حول العوائق الروسية أمام التحرك في سوريا.
ولكن بدأت تبرز التغيرات حين اتضح للبيت الأبيض أن ملاحظة كيري قد تكون أوجدت طريقاً ديبلوماسياً.
رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ديان فانشتاين كانت تتناول الغداء مع السفير الروسي في واشنطن، الذي أقنعها بصدق الروس. وقد رأى مشرعون آخرون في الطرح الروسي طريقاً ديبلوماسياً يتفادى تصويتاً يتخوفون منه.
وخلال تحضيره للمقابلات التلفزيونية الست، قال أوباما لمستشاريه «دعونا نتبنَّ الطرح ونختبره».

ووفقاً لديبوماسيين فرنسيين وأميركيين، فإن حلفاء واشنطن أرادوا طرح مشروع أمام مجلس الأمن يسمح باللجوء إلى القوة إذا أخلّت سوريا بالتزاماتها، وقد حضّره الفرنسيون فعلاً بلهجة تتضمن «عرض عضلات»، الأمر الذي رفضته موسكو طبعاً. وبالتالي، عمل الديبلوماسيون الأميركيون من خلف الكواليس للحصول على دعم فرنسا في التوصل إلى تسوية مع روسيا.

بعد ساعات من اتصال كيري ولافروف، تحركت الدوائر البيروقراطية الأميركية والروسية، وبدلاً من أن يروج أوباما في خطابه في العاشر من أيلول للضربة العسكرية، طلب المزيد من الوقت لدراسة العرض الروسي.

وفي اليوم التالي، تحدث كيري هاتفياً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والذي أشار إلى اعتقاده أن روسيا لا تخادع، وأنه من الممكن التوصل إلى اتفاق، بحسب مسؤولين أميركيين وشرق أوسطيين على اطلاع.
وبالرغم من رفض قيادات المعارضة السورية في تركيا للمبادرة، إلا أن الأميركيين والأوروبيين طلبوا منهم عدم الإعلان عن ذلك. الأمر الذي لم يحصل كما هو معروف.

وصل كيري ولافروف إلى جنيف بعد ظهر الخميس من دون خطة محددة. وقد فاجأ لافروف الأميركيين بإصراره على موقفه من أن مقاتلي المعارضة هم من شنوا الهجوم الكيميائي، وكيف أن السعودية ودولاً عربية أخرى كان لها دور في الإشراف عليه.

ومن هنا تفاجأ الفرنسيون بتوصل كيري ولافروف إلى إطار اتفاق لا يحمّل أحداً مسؤولية الهجوم.
وقد احتفل بوتين بفوزه على الأميركيين في مقال في صحيفة «نيويورك تايمز». وبحسب مسؤول في الإدارة الأميركية، فإن أوباما شعر، خصوصاً بعد مقال نظيره الروسي، أنه «إذا كان بوتين يريد وضع مصداقيته على المحك في دعمه للمبادرة»، فإنه على البيت الأبيض التأكد من تحميله مسؤوليتها.

 

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه