27-11-2024 04:31 PM بتوقيت القدس المحتلة

مكتب القمع الإلكتروني... نهاية مهزلة!

مكتب القمع الإلكتروني... نهاية مهزلة!

من الآن فصاعداً، لن يجرى أي تحقيق في قضايا فكر وإعلام أمام الدرك»، موضحاً أنّ هذه القضايا «قد تتضمّن مواقف سياسية»، مشدداً على أنّ الأمر كُرّس اليوم من خلال «التحرّك على الأرض

نادين كنعان / جريدة الأخبار

مكتب القمع الإلكتروني... نهاية مهزلة!كسب الصحافيون اللبنانيون أمس جولة جديدة في معركة الحرّية، حين كرّسوا حقّهم في المثول للتحقيق أمام النيابة العامة برفقة محام، لا أمام أي ضابطة عدلية.

في خطوة غير مسبوقة، أثمر تجمّع عشرات الصحافيين والناشطين أمام قصر العدل (المتحف ــ بيروت) ظهر أمس، تضامناً مع الصحافي مهنّد الحاج علي صفعةً لـ«مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية وحماية الملكية الفكرية» (ضابطة عدلية) الذي نصّب نفسه رقيباً على نشاط الصحافيين الإلكتروني، بدءاً بالمقالات وصولاً إلى البوستات والتغريدات وحتى الـ shares.

هكذا، راح يستدعيهم الواحد تلو الآخر للتحقيق معهم في شكاوى قدّمتها أطراف عدّة، بينها سياسيون و«عرّافون»! رغم أنّ قضيّة الحاج علي لم تكن الأخيرة لأنّ ربيع فرّان الذي شارك في الاعتصام أمس، ورشا الأمين نالا نصيبهما أيضاً، إلا أنّها أخذت بعداً أكبر من مثيلاتها، وخصوصاً أنّ التحقيق مع الحاج علي جاء إثر شكوى «قدح وذم وإثارة نعرات» ضد مجهول رفعها رئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع على خلفية مقال نشرته مدونة «المحاسبة» بعنوان «رسالة من قدامى القوات إلى سمير جعجع».

«بدكن نمثّل جريمة share؟» و«الصحافي يحاسب أمام القضاء لا أمام المخافر»، عبارتان كتبتا على لافتات رفعها المعتصمون أمس من إعلاميين وناشطين ومدوّنين أمثال: ديانا مقلّد، حازم الأمين، لقمان سليم، سليم اللوزي، حسّان الزين وحازم صاغية ... صحيح أنّ عدد الموجودين كان ضئيلاً قياساً بحجم القضية، لكن الإعلان عن الاعتصام جاء في وقت متأخر من الليلة السابقة، علماً بأنّ هؤلاء حضروا أيضاً «استنكاراً للتحقيق الأمني مع الصحافيين، ولترهيب الكلمة الحرّة».

وكان مهند الحاج علي قد تلقى اتصالاً من «مكتب الجرائم الإلكترونية» يوم السبت الماضي، يبلغه بضرورة الحضور لاستكمال التحقيق في الشكوى المقدّمة ضدّه الثلاثاء (أمس)، فما كان من الصحافي اللبناني إلا أن توجّه برفقة محاميه نزار صاغية في اليوم المحدد إلى مقر النيابة العامة التمييزية، حيث يُفترض أن يحقق معه وفق المادتين 28 و29 من قانون المطبوعات، وخصوصاً أنّه منتسب إلى «نقابة محرّري الصحافة اللبنانية».

قلّة تمكنت من دخول قصر العدل مع الحاج علي، بينهم «الأخبار»، فيما أغلق عناصر الأمن الباب الخارجي في وجه المعتصمين الآخرين بعدما منعت الكاميرات من التصوير في الداخل. بعد مكتب المحامي العام التمييزي سمير عقيقي، حط الصحافي اللبناني وصاغية في مكتب المدعي العام التمييزي سمير حمود، قبل أن ينضم إليهما النائب غسّان مخيبر بصفته مقرّر لجنة حقوق الإنسان النيابية، قبل أن يفضي الاجتماع إلى إقفال التحقيق في «مكتب الجرائم الإلكترونية» بإيعاز من حمّود واستكماله أمام النيابة العامة التمييزية، ثم اجتمع الأشخاص المذكورون بوزير العدل شكيب قرطباوي.

لكن، ماذا لو لم يكن المُستدعى منتسباً إلى النقابة؟ أكد صاغية لـ«الأخبار» أنّ المسألة لا تتعلّق بصفة الشخص، لأنّه «من الآن فصاعداً، لن يجرى أي تحقيق في قضايا فكر وإعلام أمام الدرك»، موضحاً أنّ هذه القضايا «قد تتضمّن مواقف سياسية»، مشدداً على أنّ الأمر كُرّس اليوم من خلال «التحرّك على الأرض، وقراري الوزير والنائب العام». وتابع صاغية إنّ القضية اليوم تعني الصحافيين جميعاً لأنّ «الجميع مهددون، ويجب العمل على حماية الحرّيات». وفي هذا السياق، تطرّق صاغية إلى عدم قانونية «مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية وحماية الملكية الفكرية» نظراً إلى أسباب عدّة، أبرزها أنّ قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي ومرسوم تحديد التنظيم العضوي لقوى الأمن الداخلي لا ينصان على إنشائه. كما أنّه أنشئ بموجب مذكرة خدمة، لا بموجب مرسوم. وتحدّث صاغية عن «خطورة هذا المكتب على الحرّيات في لبنان، بعدما راحت صلاحيّاته تتسع»، مشدداً على أنّ «كل معلوماتنا الإلكترونية مستباحة من قبله، ولا ضمانات قانونية لسرّية المعلومات، أو أخرى تحدّ من صلاحيّاته»، وعلى وجوب استئناف البحث في قانون إعلام جديد.

الزميل ربيع فران ليلى عبد اللطيف رفعت عليه دعوةبدوره، شدد النائب غسّان مخيبر في اتصال مع «الأخبار» على ضرورة «بتّ قانون الإعلام لتوسيع قانون الحماية، وإعطاء ضمانات لكل العاملين في الصحافة، وخصوصاً الإلكترونية»، طالباً من أهل المهنة «متابعة الموضوع لأنّهم جميعاً معنيون».

ومن المقرّر أن تستمر اللقاءات بين قرطباوي والمعنيين للبحث في طبيعة عمل «مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية وحماية الملكية الفكرية»، وإمكانية تحويله إلى فريق فنّي يساعد النيابة العامة في التحقيقات من خلال جمع المعلومات، أي «ضابطة عدلية مختصة بجمع أدلة فنّية». اللافت هنا أنّ رئيسة المكتب الرائد سوزان الحاج ناشطة على تويتر، تمارس الغزل مع صحافيين مثلوا أمامها في أيام ماضية، وتهاجم آخرين ... فهل هذا الأمر قانوني؟

قانون الإعلام أوّلاً
رحّبت جمعية «مهارات» المعنية بالدفاع عن حرّية الرأي والتعبير بالإنجاز الذي تحقق أمس، واعتبر مستشارها القانوني طوني مخايل أنّه «خطوة تأسيسية باتجاه إصلاحات جذرية يجب أن تشملها نصوص قانونية واضحة». وشدد مخايل على ضرورة أن يُصدر وزير العدل شكيب قرطباوي تعميماً، يُحوّل إلى النيابات العامة في مختلف المناطق اللبنانية لتثبيت مبدأ مثول كل العاملين في الصحافة أمام القضاء. وذكّر المحامي اللبناني بوجوب العمل على إقرار قانون إعلام جديد «يشمل كل قضايا الرأي والتعبير، ويلزم الجميع بما تم التوّصل إليه، ويحمي الصحافيين»، موضحاً أنّه يجب أن يتضمّن مواد «تمنع التوقيف الاحتياطي، وتحوّل القضايا إلى المحاكم المختصة، وتُعرّف الصحافيين».