هي حرب ضروس بين الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وجماعات الجيش الحر، بدأت طلائعها بالظهور في معارك متنقلة واجتياحات، بهدف إلغاء الطرف الآخر...
احمد فرحات
هي حرب ضروس بين الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وجماعات الجيش الحر، بدأت طلائعها بالظهور في معارك متنقلة واجتياحات، بهدف إلغاء الطرف الآخر، وفي سياق فكري تكفيري، مارسه التنظيمان المتقاتلان سابقاً وما زالا ضد مخالفيهم في الرأي والانتماء.
ورث داعش "إمارة الشام" بعد خلاف مع جبهة النصرة، ليُحسم هذا الخلاف داخل البيت القاعدي لصالح الجناح العراقي بإمرة أبو بكر البغدادي، وليتوارى ابو محمد الجولاني (زعيم النصرة) عن الأنظار، بمباركة ضمنية من زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري، بحسب مصادر إعلامية، الذي يفضل أن تكون العمليات تحت إمرة البغدادي، انطلاقا من رؤيته بجعل القاعدة تنظيماً تتسلسل فيه القيادة من أعلى الهرم إلى أسفله.
وظهر الخلاف بين أجنحة القاعدة في العراق وسورية بعد إعلان أبو بكر البغدادي دمج جبهة النصرة مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، الأمر الذي رفضه الجولاني، وقال في رسالة صوتية تعود إلى نيسان / ابريل العام الحالي إنه لم يتم التشاور مع جماعته قبل إعلان الدمج، وإنهم سمعوا به للمرة الاولى من خلال وسائل الاعلام.
وبالمقابل، يتكون ما يسمى بـ "الجيش السوري الحر" من كتائب وألوية متفرقة، تعددت انتماءاتها وتشتت، بحسب مصادر تمويلها، غير أنه يعتبر ذراعا عسكريا للمعارضة السورية بدءأ من المجلس الوطني (مجلس اسطنبول)، وصولا ًإلى الائتلاف السوري المعارض.
ويضم هذا الجيش أيضاً ألوية اسلامية تسمي نفسها "معتدلة" لتمييزها غربياً عن مسلحي القاعدة، ونظرا لإرتباطها بجهات إسلامية إقليمية متحالفة مع الولايات المتحدة، أو صديقة لها.
وتفجر الخلاف بين الجيش الحر والدولة الإسلامية، بعد مضايقات عديدة قامت بها "داعش" بحق قياديين للحر في دير الزور والحسكة وحلب، اغتيالاً (ذبحاً ورمياً بالرصاص أمام الملأ)، أو سجناً، وغيرها من الممارسات التي دفعت بالجيش الحر إلى الاستنجاد بداعميه الإقليميين والدوليين الذين وعدوه بالسلاح والعتاد والأموال، فكان الشرط "مقاتلة الجماعات الإسلامية".
صراع نفوذ إقليمي
ثمة من يقول إن الحرب بين الجيش الحر وداعش هي بالأساس مطلب غربي يسعى من خلاله "الحر" إلى تقديم أوراق إعتماد إلى المانحين لدعمه بالسلاح، غير أن الدكتور في العلاقات الدولية جمال واكيم شدد في مقابلة مع موقع المنار الإلكتروني على أن ما يحصل بين هذين التنظيمين هو صراع سعودي - تركي بالأساس، واستدل على هذا الأمر من أن السعودية هي من تمول التنظيمات التكفيرية في المنطقة، مقابل دعم تركي للجيش الحر، مذكراً برغبة أنقرة ببسبط نفوذها في سورية وخصوصاً في حلب.
الصحافي والكاتب السياسي ناصر شرارة أشار في مقابلة مع موقع المنار إلى أن الطرف السعودي منخرط اليوم بتنفيذ السياسة الأميركية في المنطقة، وهو في سبيل ذلك أقصى أولاً قطر ومن ثم أخذ يعمل على الحد من الدور التركي في الملف السوري.
وبهذه الخلفية، اندلعت المعارك بين القاعدة ومسلحي الجيش الحر في اعزاز وباب الهوى وادلب، بعد اعطاء ضوء أخضر سعودي لمسلحي دولة العراق لوضع اليد على هذه المناطق، وأرادت الرياض من هذا الموضوع امتلاك أوراق قوة لمقايضتها في أي تسوية مقبلة، بعد أن كانت تخضع هذه المناطق لمجموعات مسلحة مرتبطة بجهاز الاستخبارات التركي، ورأى الدكتور واكيم أن سيطرة داعش على مناطق حدودية سورية هي رسالة إلى تركيا بالدرجة الأولى.
الاندفاعة السعودية في الملف السوري جاء بعد خيبة أمل من الدور الايراني في صياغة التسوية الروسية – الأميركية، في حين كانت تراهن على ضربة عسكرية لسورية، وتأمل السعودية من خلال ما يجري اليوم من معارك بين داعش والجيش الحر بأن تجلس على طاولة التسوية كطرف فاعل يملك أوراق قوة.
صراع على السلطة والمال
وفي ظل الترابط ما بين السياسي والميداني، يبرز إلى الواجهة أيضاً صراع المغانم والمكاسب والمسروقات، وهذا ما حرك الجماعات المسلحة في سوريا بمختلف ألوانها، وقتل في تلك المعارك مئات المسلحين، في المناطق الشرقية وريف دمشق وحلب أيضاً.
فجزء مهم من تلك الحرب بين "داعش" والجيش الحر في حلب، تهدف إلى الاستيلاء على معابر البضائع والسيارات على الحدود بين تركيا وسورية، حيث ممر حيوي، تفرض فيه تلك الجماعات ضرائب مالية وعينية، يعود حق الإستفادة منها إلى أمراء تلك الجماعات ومقاتليهم، بدليل التفجيرات العديدة التي جرت عند معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، والذي قتل فيها قياديين من الطرفين، كما أنه وبعد سيطرة الدولة الإسلامية على اعزاز، كانت الوجهة الثانية معبر باب السلام القريب.
وشهد معبر بستان القصر الذي يربط شرق مدينة حلب بغربها معارك عديدة بين الجماعات المسلحة وبعضهم من الأجانب، لما يمثله هذا المعبر من "منجم ذهب" إضافي نتيجة الأتاوات والضرائب التي يتم فرضها على السيارات والعابرين لقاء مرورهم بسلام.
امراء الحرب في سورية كثر، هم بالأساس تجار ركبوا موجة الأحداث وراحوا يبحثون عن مصالحهم الخاصة المالية والسلطوية، ينفذون أجندة داعميهم الجيوسياسية، مقابل أموال وسلاح يرسل إليهم، يبدو أنه لا يكفيهم، فيخوضون المعارك في الميدان لتحصيل ربح أكبر، تحت عناوين الهيئة الشرعية والإمارة تارة، والمحاكم المدنية والمناطق المحررة تارة أخرى، ويحركهم في كل ذلك، كلمة واحدة "السلطة".