وعرض مساعد بوش والقيادي أنذاك في الحزب الجمهوري كارل روف سبعة موضوعات – تعطيها إدارة بوش أولوية- على المديرين التنفذين لأخذها بعين الاعتبار عند إعطاء الضوء الأخضر لإنتاج مشروعات سينمائية
كتبت في مقال سابق عن ظاهرة تشويه صورة العرب والمسلمين في السينما الغربية وعلى وجه التحديد في السينما الأميركية. ومن المفيد متابعة هذا النقاش في ظل التهديدات الأميركية للعدوان على سوريا، بحجة أن تدخلها يمنع وقوع مجازر حماية للشعب السوري، هذا في أيامنا الحالية، وأيضاً نسبة لما حصل في زمن قريب نسبياً بعد انفجار المركز التجاري العالمي في الحادي عشر من أيلول العام 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، وهذه الحادثة جعلت السينما الأميركية تتجه نحو المزيد من الاهتمام بمواضيع "الإرهاب والإرهابيين".
عودة هوليوود السياسية :
هذا الاهتمام يتسم كما وصفه ناقدو السينما بعودة قوية لهوليوود السياسية. فبدعم رسمي ومباشر من إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، تعيد هذه الأخيرة تجربة استعانتها بهوليوود في حربها المزعومة ضد الإرهاب... فلقد اجتمع مستشار بارز للرئيس الأميركي السابق مع ما يزيد على أربعين من كبار المديرين التنفذين في صناعة الأفلام السينمائية في هوليوود لمناقشة كيفية المساهمة في الحرب ضد الإرهاب مع أن مسؤولين أكدوا أن البيت الأبيض لا يعتزم التدخل في صناعة الأفلام. وعرض مساعد بوش والقيادي أنذاك في الحزب الجمهوري كارل روف سبعة موضوعات – تعطيها إدارة بوش أولوية- على المديرين التنفذين لأخذها بعين الاعتبار عند إعطاء الضوء الأخضر لإنتاج مشروعات سينمائية أو تلفزيونية جديدة، مدعياً أنها حرب ليست موجهة ضد الإسلام او دين أخر، لكنها حرب ضد الإرهاب والشر. ووصف رئيس رابطة السينما الأميركية جاك فاليتني الاجتماع بأنه غير مسبوق طوال خمسة وثلاثين عاما قضاها في التعامل مع سياسات صناعة الترفيه.
السينما العربية ودور هش :
يدفعنا هذا التوجه السياسي من الرئاسة الأميركية إلى عقد مقارنة سريعة بين أنظمة دولنا السياسية - الثقافية، والتي على ما يبدو لمّا تدرك بعد أهمية اعتماد الفن السابع في عملية المواجهة ضد أشكال التطبيع مع ثقافات معادية تقصد خرق القواعد الأساسية لقيمنا الأخلاقية، التي ما زالت بلادنا تتميز بها. ويلفتنا في هذا المقام أيضاً دور السينما العربية التاريخي، لاسيما المصرية، التي فاق عمرها المئة عام، وما تزال تتخبط في الابتذال لأفكار سطحية لا تمت لمشاكل المجتمع الكبرى بصلة. وتخاف من بيت العنكبوت "الرقابة" الذي قيدتها به الأنظمة العربية، عدا عن اقتباسها لموضوعات السينما الأميركية، مع وجود بعض الأفلام التي تشذ عن هذا الخط الرتيب الفاشل، مع ما يتفق حولها من ضعف إخراجي أو ضعف في المعالجة.
من جهة أخرى يمكن مقارنة أفلام يوسف شاهين الانتقادية للثقافة العربية – التاريخية، مثل فيلم "المهاجر" بالأفلام الأميركية الانتقادية لسياسة الرئاسة. فثقافتنا التاريخية تلك التي انتقدها شاهين في فيلمه، وهي التي تمكنت بابداع من امتصاص ثقافة الأخر وتجيرها لمصالح أمتها، يتعاطى معها شاهين بعملية تفكيكية بنيوية فيثير شكوكا وريبة عند الجيل العربي بأصول ثقافة أمته التاريخية !!..
هنا يكمن الفرق بيننا نحن وبين الأخر، في تناول الفن السابع، فسينما هوليوود حتى لوك انت تنتقد، فهي تفعل حرصا منها على الإبقاء على المجد الذي توصل إليه المجتمع المستعمر لأرض الهنود الحمر، وتثبيت دعائم نقدها لإعادة بناء ما تخشى أن تهدمه السياسة...
هوليوود "الوطنية" نقد لاذع مع دعم دائم :
بالعودة قليلاً إلى الوراء في تاريخ السينما الهوليوودية نرى أنها واصلت بشكل أو بأخر دعمها لسياسات السلطة الأميركية طوال عقود كثيرة من السنين، ولاسيما في اللحظات الحرجة. ورغم ذلك فإن ما يمكن ملاحظته من وجهة نظر فريق أخر من النقاد لتوجيهات هذه السينما جدير بالنقاش. فمنذ "الثورة الهوليوودية" الكبرى التي اندلعت على أيدي أصحاب اللحى من المخرجين في أوائل السبعينات، لم يعد بإمكان البيت الأبيض أو مجلسي الكونغرس(مجلس النواب ومجلس الشيوخ) أو حتى الـ"سي اي اي" أن يعتمدوا كليا على عالم الفن السابع، لمساعدتهم في الترويج لأقوالهم وأفعالهم. لكن يمكن القول إن ثورة هوليوود لم تكن راديكالية تماما، حتى وإن فضحت كما يحلو لها وانتقدت بأقصى ما تستطيع، ذلك أن السلطات الأميركية قد خسرت بعض المبدعين ولو جزئياً، لكنها واصلت علاقتها مع المنتجين أصحاب المال، من اتباع السلطة.
من هنا نلاحظ أن هوليوود ليست مضمونة تماما، فقد دعا البيت الأبيض غير مرة إلى توجيه الملاحظات والإنذرات إلى الهوليووديين طالبا إليهم أن يظلوا في "الصف الوطني". وفي بعض الأحيان كانت مثل هذه المبادرات تفعل فعلها، ولكن في معظم الأحيان كان يحلو لهوليوود أن تتصرف على سجيتها. وقد ساعد هذا في وعي سياسي جديد تجاوز المخرجين والكتّاب إلى الممثلين ما زاد من شعبية معارضة – وسطية كانت أو راديكالية، وجعل هوليوود أحياناً تحل محل الجامعات بصفتها مركزا للمواقف المعارضة للسياسات اليمنية والعدوانية.
دموع الشمس :
أحد هذه الأفلام مثلا "دموع الشمس" Tears the sun التي تؤدي إلى مفارقة غريبة تجمع الاعتداد بحضارة أخلاق هذا المتدخل في شؤون الأخر، رغم أنها تنتقد هذا التدخل بشكل خفي يكاد لا يلاحظ.. وتتساءل عن صواب مبررات تلك التدخلات .. صحيح أنه يمجد بطولة الجندي الأميركي الفرد لكنه في الوقت نفسه يضع هذا الجندي في مواجهة السلطة السياسية. من هنا يعدّ فيلم "دموع الشمس" انتاح العام 2004 وبطولة الممثل الأميركي بروس ويليس أحد الأفلام المشغولة باتقان فني من الطراز الأول.
فبعيدا عن اتهام مباشر لأي أخر عدو لهم بـ"الإرهاب" تقوم السينما الأميركية بأسلوب غير مباشر بالتركيز على الروح الإنسانية العظيمة لدى الأميركيين وحبهم للأخر وتضحيتهم في سبيل انقاذ حياته. إذ تقوم بنية القصة على الحرب الأهلية في نيجيريا، حيث يصدر أمر من القوات الخاصة الأميركية بالذهاب إلى هناك لإنقاذ رعاياها من الأطباء الذين يعملون في مناطق المعارضة، لأن لديهم معلومات تؤكد غزو تلك المناطق ومن الاحتمال وقوع مجازر بشعة. وينتهي الفيلم عندما تتوجه امرأة نيجيرية بالقول للرائد بأنها لن تنساه أبدا وهي تحتضن طفلها الذي أعاده لها حيا ومعافى، بعدما شهدته قريتها من مجاززر بشعة جدا!!...
من الواضح أن التبرير الذي قصده الفيلم للإدارة الأميركية هو انقاذ الأرواح لكنها في المقابل تنتقد وتطرح سؤالها الملح : أن أميركا في سبيل ذلك تدفع الثمن من أرواح أبنائها، وعلى ما يبدو أن المجتمع الأميركي يتساءل دوما عن جدوى التضحية في سبيل الأخرين؟!!... طبعاً لا يمكننا في هذه العجالة أن نفصل كل الإشكاليات التي تعالجها الأفلام الأميركية وكيفية معالجتها لها وما تؤديه من دور هام وخطير في صنع الرأي العام ليس في بلادها وحسب بل في العديد من دول العالم. ولكن ما هو البارز بشدة هو الغياب شبه الكلي للسينما العربية عن هذه الاهتمامات الكبرى التي تساهم برسم أفق ثقافي عام عند كل المجتمعات الإنسانية بعدما بات العالم يدرك تفاعل المجتمعات الكبير مع أشكال هذا الفن...فإلى متى هذا الغياب ولحساب من؟ وأين نحن من هذه الصناعة التي باتت من الأسلحة الخطيرة في يد أعدائنا؟!!...