بينما اقتصر استخدام مفردات «القاعدة»، و«جبهة النصرة»، و«دولة العراق والشام الإسلامية» على مرة يتيمة فحسب، وذلك في سياق سؤال عن «حقيقة وجود حركات متطرفة»، وجّهته صالحة لباحث أميركي يدعى فيليب سميث، حدّثها م
صهيب عنجريني / السفير
لم يعد مستغرباً قيام بعض المحطّات التلفزيونيّة العربية بتجيير برامجها لمصلحة أجندات سياسية. يكاد المتلقّي يشهد كلّ يوم دقّ مسمار جديد في نعش المهنية.
قدّمت قناة «العربية» فصلاً جديداً في هذا السياق، مساء الجمعة الماضي، ضمن حلقة من برنامج «صناعة الموت» بعنوان: «القتل على الهوية». خُصِّصت الحلقة لمناقشة تفشّي ظاهرة القتل على الهويّة، «حيث أصبح تدخل الجماعات المذهبية المدعومة من الخارج أمراً واقعياً، يصبّ المزيد من الوقود على النار المشتعلة هناك»، وفقاً للمقدِّمة التي افتتحت بها المذيعة ريما صالحة الحلقة.
كرِّس نصف وقت البرنامج (22 دقيقة) لإثبات وجود عناصر تابعة لـ«حزب الله»، تقاتل إلى جانب النظام السوري، الأمر الذي أقرّ به الحزب منذ أشهر. في أسفل الشاشة نقرأ: «ميليشيات شيعيّة مدعومة من إيران تمارس القتل الطائفي في سوريا». بموازاة ذلك يركّز القائمون على «صناعة الموت» على إثبات وجود «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني كطرف في المعارك الدائرة على الأراضي السوريّة. ولإثبات تلك المعلومة، ينفضون الغبار عن تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء السوري رياض حجاب عند انشقاقه: «يوجد عشرات الآلاف من الجنود والضباط الإيرانيين، وعشرات الآلاف من جنود حزب الله في سوريا»... لكنّ الحلقة تقفز عن ذلك التصريح، لتتبنّى ما قاله «بعض المراقبين الذين توقّعوا أن تصل أعداد المقاتلين المدعومين من إيران (في سوريا) إلى ثلاثة آلاف».
تحدّثت الحلقة أيضاً عن وجود مسلحين عراقيين يعملون تحت إمرة «فيلق القدس»، وتمّ إدراج جميع هؤلاء المقاتلين ضمن تسمية «مرتزقة إيران». العبارة الأخيرة، قيلت تسع مرات خلال الحلقة، وظهرت مكتوبة على الشاشة ثلاث مرّات. وتراوح استخدام مفردات «شيعة»، و«إيران»، و«حزب» الله»، و«لواء أبو الفضل العباس»، و«العراق»، على امتداد الحلقة، بين سبع مرّات في الحدّ أدنى، و24 مرّة في الحدّ أقصى. بينما اقتصر استخدام مفردات «القاعدة»، و«جبهة النصرة»، و«دولة العراق والشام الإسلامية» على مرة يتيمة فحسب، وذلك في سياق سؤال عن «حقيقة وجود حركات متطرفة»، وجّهته صالحة لباحث أميركي يدعى فيليب سميث، حدّثها من واشنطن.
ويبدو أن مُعدِّي البرنامج تنبّهوا متأخرين إلى أن عنوان الحلقة هو: «القتل على الهوية»، وليس «الوجود الإيراني في سوريا»، ليقدّموا مع انتصاف الحلقة دليلاً ذهبياً على «تورّط مرتزقة إيران في القتل الطائفي»، وهو، وفق التعليق الصوتي: «في فيديوهات متعددة لمرتزقة إيران في لواء أبي الفضل العباس على الإنترنت، تبدو علامات القتال المذهبي على الميليشيات».
أما المفارقة الأبرز فكانت أن عبارة «القتل على الهوية» لم تنطق إلا مرة واحدة في مقدمة البرنامج، ولم يتمّ تناول أيّ حادثة من حوادث القتل على الهوية في سوريا، ومنها ما تمّ توثيقه خلال العامين الماضيين في البيضا، وبانياس، وحطلة، وريف اللاذقية، وريف حلب، وكثير من المناطق الأخرى. أحد المعلّقين على موقع القناة الإلكتروني، كتب يسأل: «من هم الذي يقتلون على الهوية؟!» سؤال مشروع من مشاهدٍ ركان يعِد نفسه ربما، بأن «يعرفَ أكثر».