28-11-2024 04:31 AM بتوقيت القدس المحتلة

عندما صعّد حزب الله تجاه "الأقزام"...

عندما صعّد حزب الله تجاه

التصعيد الأمني في البحرين ليس جديداً، تماماً كما قضية سحب الجنسيات وتدمير دور العبادة وزج المدنيين في السجون وهتك الأعراض الذي فضحته إعترافات المعتقلين.


التصعيد الأمني في البحرين ليس جديداً، تماماً كما قضية سحب الجنسيات وتدمير دور العبادة وزج المدنيين في السجون وهتك الأعراض الذي فضحته إعترافات المعتقلين. موقف حزب الله في"مساندة الشعب البحريني في دعم مطالبه المشروعة" ليس بجديد أيضاً، إلا أن أدبيات التضامن مع شعب بحرين الأصيل هي الجديدة هذه المرة، ما يدفع للتساؤل عن خلفيات هذا التصعيد.
فللحزب موقف مبدئي ومعروف تجاه الأزمة المستفحلة في البحرين، وقد عبّر عنه في أكثر من محطة، لناحية الوقوف إلى جانب الشعب الذي انتهج السلمية في حراك لم يُخمد منذ سنتين، فكان الرد إيغالاً في القتل والاعتداء واستفزازاً لمكون اساسي من مكونات الجزيرة الخليجية، وإستعانةً بقوات خارجية لقتل المتظاهرين من أبناء البلد.

مساندة حزب الله للشعب البحريني كانت موقفاً كفيلاً باستفزاز النظام الخليجي، فتم طرد عدد من اللبنانيين المتواجدين على الأراضي البحرينية، وأُعلن عن توقف رحلات كل من طيران الخليج وطيران البحرين من وإلى لبنان إلى أجل غير مسمى بسبب "التصريحات والمواقف غير المسؤولة الصادرة من لبنان ضد البحرين وشعبها وقيادتها" وفق بيان الطيران المدني في 22 آذار/مارس 2011. ولاحقاً، طالبت البحرين بطرد "قناة المنار" و"إذاعة النور" من اتحاد إذاعات الدول العربية وإلغاء عضويتهما، ووقف بثهما عبر الأقمار الاصطناعية العربية، بسبب تغطيتهما للأحداث في البحرين. حتى أن النظام صد مساعٍ قامت بها المنار للوقوف على رأي السلطات البحرينية فيما تشهده البلاد من أحداث، كان آخرها رفض وزيرة الدولة لشؤون الإعلام سميرة رجب، قبل أشهر، التحدث لموقع قناة المنار، واصفة القناة بـ "العدوة"! وقرار الوزارة بحجب الموقع عن المملكة. ولم تكتفِ الحكومة البحرينية بذلك، فكانت أول حكومة عربية تدرج حزب الله على "لائحة الارهاب" وتجرم التعاطي معه، وقدمت فيما بعد طلباً لمجلس التعاون الخليجي لوضع الحزب على لائحة الارهاب... أخذ مسؤولو النظام البحريني يصعدون من تهجمهم على الحزب الذي لم ينجر للرد على تلك المواقف، رغم تأكيده في أكثر من محطة أنه يقف إلى جانب الشعب في البحرين.

تصعيد فرضه التفجير السعودي

في بياناته السابقة، كانت أدبيات التعاطي مع الأزمة في البحرين هي نفسها: تعبير عن "القلق من تدهور الأزمة" و"إدانة الإجراءات القمعية التي تنفذها السلطات"، و"الوقوف إلى جانب الشعب" إضافة إلى "تأييد المطالب المشروعة"، وهي أدبيات التزم بها الحزب في تعاطيه مع الأحداث الدامية التي عانى منها الشعب.

وفي 19 أيلول/ سبتمبر الجاري، أطلق حزب الله بياناً مختلفاً في المضمون لناحية تجاوز هذه الأدبيات، فوصف الحزب ممارسات السلطات البحرينية بأنها "تجاوزت كل الحدود"، وبعدها بأيام خرج الأمين العام السيد حسن نصر الله في خطاب إختاره لتناول المستجدات السياسية، فأفرد فيه مساحة للأزمة في البحرين، ولموقف الحزب مما يجري مستنكراً السكوت عن جرائم القتل والاستهداف الديني، واصفاً ما يجري بانه حراك شريف ضد "أقزام"!

جديد مواقف الحزب لم يكن مستغرباً هذه المرة، كونه أتى مواكباً للتطورات التي فرضها التصعيد السعودي في ملفات المنطقة، بعد فشله في استدعاء ضربة عسكرية أميركية ضد سورية، والحديث عن وقوف السعودية خلف التفجيرات الأخيرة في لبنان والذي قوبل بصمت مريب من قبل الرياض. كما أن المملكة لازالت ترفض الانفتاح على الحكومة العراقية، وتلتزم الصمت حيال تصريحات علنية اتهم فيها مسؤولون وبرلمانيون عراقيون جهاز الاستخبارات السعودي بتمويل الارهاب وعمليات التفجير في العراق. وتمارس ضغوطاً على النظام الأردني ليكون بوابة مفتوحة لتسلل الجماعات الارهابية إلى سورية. وفيما تمول جماعات محسوبة على تنظيم القاعدة في سورية لمواجهة مسلحين يمولهم الأتراك، تقف المملكة وراء اقصاء الاخوان المسلمين وحل الجماعة في مصر ووسمها بالإرهاب.

"جناح الخوالد": بحريني تحركه السعودية

تمتد اليد السعودية لتعبث بملفات المنطقة ككل، وعلى رأسها البحرين التي كانت السعودية أول من دخل طرفاً في الأزمة بشكل علني، عندما أرسلت قواتها ضمن ما يعرف بقوات "درع الجزيرة" لقمع الشعب المطالب بإحلال الديمقراطية. وقد ساندت المملكة ما كان يُنعت بالجناح المتشدد في السلطة البحرينية والمتمثل برئيس الحكومة خليفة بن سلمان آل خليفة والخوالد (وزير الديوان الملكي البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، ووزير الدفاع خليفة بن أحمد آل خليفة) مقابل الجناح الذي كان يصفه الشارع البحريني قبل أشهر مضت بالجناح المعتدل والذي يمثله ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة.

وكانت صحيفة الاندبندنت قد تحدثت عن الموضوع بالقول: "شيئا فشيئا يتنامى نفوذ "جناح الخوالد" المتشدد داخل العائلة المالكة في البحرين. وتقول الصحيفة "هو جناح يرتبط بعلاقات وثيقة مع السعودية، ويعارض بشدة تقديم أي تنازلات قد تنهي النزاع في المملكة الصغيرة". وتقول الصحيفة إن هذا الجناح هو الذي أقنع الملك حمد بن عيسى آل خليفة – عند بداية الأزمة في شباط/ فبراير 2011 – بتجاهل مطالب الاصلاح والاستعانة بالقوات السعودية لقمع الحراك.

اليوم تمسك السعودية بزمام المبادرة في البحرين من خلال "جناح الخوالد"، وهي ترفض أن يفتح النظام أي نافذة أمل للشارع البحريني المعارض، بل على العكس تعطي الضوء الأخضر لزيادة وتيرة الحملة الأمنية، وهو ما تفنده تقارير حقوقية وبحرينية صدرت مؤخراً. وبعيداً عن الانتهاكات الآخذة في الاتساع، يرى الشارع البحريني في ما يجري استفزازاً لاحداث ردود فعل لم تنجر إليها المعارضة حتى اليوم. اليوم يتحدث البحرينيون عن استهداف صارخ للهوية الدينية بعد الكلام عن حل المجلس الإسلامي العلمائي، الجامع لأبرز علماء البحرين، وتهديد آية الله الشيخ حسين النجاتي بالترحيل بعد سحب الجنسية، وأتى بعد ذلك اعتقال نائب أمين عام جمعية الوفاق الوطني خليل المرزوق تأكيداً على كلام الجمهور البحريني، لتعلق قوى المعارضة على اثر ذلك مشاركتها في الحوار " الذي استخدمته السلطات البحرينية كذريعة لالغاء زيارة خبير الامم المتحدة في شؤون التعذيب الى البلاد"، على حد وصف منظمة العفو الدولية.

وينظر الشارع البحريني إلى ما يجري مؤخراً على أنه يحمل تجاوزاً للخطوط الحمر من خلال استهدافها للسلم الأهلي الذي يشكل المجلس العلمائي ضمانته. تؤكد مصادر في المعارضة أن حكومة البحرين أثبتت على مدار أكثر من عامين أنها "لا تتصرف كدولة بل كقبيلة"، في أكثر من محطة "لم تتعاطَ هذه الحكومة مع أي ملف سياسي بشكل عقلاني.. السلوك القبلي في السلطة واضح فيه التعنت".

ولعل حزب الله بات مقتنعاً بتصور المعارضة أكثر فأكثر، خصوصاً بعد استهداف رموز جمعية الوفاق الوطني، التي انتهجت السلمية في حراكها السياسي، وكانت تمتص ردود فعل الشارع الغاضب. وهو لا يتوقف عند مواقف "القبيلة" الحاكمة في البحرين – كما تصفها المعارضة- بقدر ما ينظر إلى الخلفيات المتعلقة برغبة السعودية في تصعيد التوتر في المنطقة بشكل عام، كورقة تخولها لأن تكون شريكة في التوازن الاقليمي عشية الذهاب الى جنيف2 الذي ستتضمن محادثاته ملفات تبدأ من سورية ولن تنتهي عندها. وهو رأي يعززه ما كتبه الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني مؤخراً في "واشنطن بوست"، حينما أعلن عن التزام بلاده بالتكاتف " للعمل بصورة بناءة نحو حوار وطني، سواء في سورية أو البحرين".