لم تصل العلاقات يوما بين طهران وواشنطن إلى هذا المستوى من المرونة. هي مقدمات ما قبل الخطوة الأولى على طريق شائك وطويل. كل شيء يوحي بأن الجانبين مستعدان للدخول في مرحلة جديدة
حبيب فياض
لم تصل العلاقات يوما بين طهران وواشنطن إلى هذا المستوى من المرونة. هي مقدمات ما قبل الخطوة الأولى على طريق شائك وطويل. كل شيء يوحي بأن الجانبين مستعدان للدخول في مرحلة جديدة. وإذا كان التوصل بينهما إلى تسوية شاملة متعذراً في المدى المنظور، فإن المتاح هذه المرة هو الانتقال من حال الخلاف المطلق إلى التفاهم على حدود الخلاف، والارتقاء بالعلاقات من حافة الهاوية إلى حافة التطبيع.
الحدث الإيراني بامتداداته الأميركية خطف الأضواء عن كل ما عداه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. انفتاح أميركي غير مسبوق توجته دعوة من الرئيس باراك اوباما لملاقاة نظيره الإيراني. قابل ذلك، ليونة إيرانية «بطولية» توجها خطاب شيخ الديبلوماسيين الإيرانيين الرئيس حسن روحاني. اللقاء الذي كان مرتقباً بين الرجلين لم يتم، وكذلك المصافحة بينهما. هذا صحيح. لكن ما حصل يمهد لأكثر من مصافحة ممكنة في المرة المقبلة وأكثر من لقاء محتمل في المرات التي تليها.
بالنسبة للأميركيين، كان يكفي مجرد اللقاء بين الرئيسين ولو لالتقاط الصورة وتبادل الابتسامات بمعزل عن النتائج. هم أرادوا الإيحاء بأن سياسة الاحتواء والعقوبات قد آتت أكلها، وبأن التلويح بالحرب على سوريا قد دفع طهران للانتقال من التطرف إلى الاعتدال. ذلك أن تخلي الجمهورية الإسلامية عن قرارها المبدئي بمقاطعة واشنطن الذي تمسكت به على مدى ثلاثة عقود، يعتبر في الحسابات الأميركية، مكسباً استراتيجياً. ورغم عدم حصول اللقاء بين الجانبين على مستوى الرؤساء ، فإن واشنطن سوف ترتب خطواتها المستقبلية على أساس أن ثمة تحولا قد حصل في الموقف الايراني، وأن التفاوض على خلفية الملف النووي قد يمهد الطريق نحو ترتيب العلاقات الثنائية بينهما وصولا الى التطبيع.
أمّا بالنسبة للإيرانيين، فلا قيمة لأي لقاء يجمعهم مع الأميركيين على طاولة واحدة، بمعزل عن جدول أعماله والنتائج التي من الممكن أن ينتهي اليها. هم الذين رفضوا على الدوام التفاوض مع أميركا وهي في ذروة القوّة، ليس لديهم مشكلة في التفاوض معها اليوم وهي في حالة من الضعف. فطهران تستطيع، في المرحلة الراهنة، التفاوض من موقع الند مع واشنطن التي لم تستطع ضرب سوريا، وبوسعها أن تفرض على الطاولة ربط الملفات العالقة ضمن سلة واحدة مقابل الرؤية الأميركية التي تقوم على تجزئة الملفات وعدم ربطها ببعض.
جديد الموقف الإيراني في العلاقة مع أميركا هو تحوله من سياسة إدارة الظهر إلى ثنائية الشدة واللين. غير أن طهران لن تنطلق من الفراغ في ليونتها المرتقبة تجاه واشنطن. كلام الرئيس اوباما حول عدم نيّة بلاده تغيير النظام الإيراني واعترافه الضمني بحق إيران بالطاقة النوويّة، يمكن أن تستند إليه طهران كمعطى للدخول في مفاوضات ثنائية ومتواصلة مع واشنطن. كما أن المفاوضات الناجحة التي جمعت للمرة الأولى وزيري خارجية البلدين على طاولة الدول الست، مهدت لاجتماعهما منفردين في خطوة وصفت بالتاريخية. ومع أن المسار الإنفتاحي بين الجانبين لا ينطوي على مؤشرات التسوية النهائية، فإن ثمة أمكانية بينهما للانتقال من حال اللاحرب القريبة من الصدام إلى حال اللاسلم المفتوحة على تفاهمات ممكنة.
في هذا الخضم، إسرائيل تترقب. أي تقارب محتمل بين إيران وأميركا يعني أنها الخاسر الأكبر، وربما الوحيد. الأمر في حساباتها خطير إلى حدّ قد يدفعها إلى عدم الاكتفاء بالابتزاز والتحريض. هي، هذه المرة، قد تقوم بأي عمل لمنع حصول هذا التقارب، حتى لو كان بحجم مغامرة عسكرية.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه