28-11-2024 04:52 AM بتوقيت القدس المحتلة

مشاهدات لـ"موقع المنار" من دمشق ومقام السيدة زينب (ع)

مشاهدات لـ

تبدو دمشق في عيون من يزورها مختلفة عن الصورة السوداوية التي ترسمها بعض وسائل الاعلام. حركة السير على الطريق الى العاصمة السورية، عبر الحدود اللبنانية، طبيعية وانسيابية.

 

عماد مرمل

مقام السيدة زينب (ع) في سوريةتبدو دمشق في عيون من يزورها مختلفة عن الصورة السوداوية التي ترسمها بعض وسائل الاعلام. حركة السير على الطريق الى العاصمة السورية، عبر الحدود اللبنانية، طبيعية وانسيابية، مع تسجيل زحمة امام الحواجز التي تقيمها عناصر من الجيش السوري والدفاع الشعبي، لتفتيش السيارات والتدقيق في هويات ركابها، سعيا الى الحد من الاختراقات الارهابية.

مع دخول دمشق، والتوغل في شوارعها الداخلية، تكتشف ان الحياة تسير بشكل عادي ومنتظم، برغم ضجيج الحرب وتحدياتها. ببساطة، لقد تأقلم السوريون مع الحرب المفروضة و"روضوها"، الامر الذي ساعدهم على امتصاص الكثير من إفرزاتها السلبية. المحال المؤسسات التجارية ناشطة، المدارس والجامعات مفتوحة، المطاعم والمقاهي تضج بالرواد، شرطي السير يمارس عمله بدقة، ويلاحق تفاصيل المخالفات المرورية، وحتى عندما تسقط قذائف عشوائية على بعض الأحياء أحيانا، فان مفعولها يكون "موضعيا"، ولا يترك تأثيرات عميقة او طويلة المدى على الحياة اليومية..

لكن إرادة الحياة هذه، لا تلغي بطبيعة الحال بعض المظاهر التي فرضها مناخ الحرب، وتشي بان هناك خصوصية أمنية للوضع في العاصمة، من قبيل انتشار حواجز التفتيش على الطرقات، واتخاذ اجراءات احترازية قرب المراكز الرسمية والعسكرية، الى جانب سماع أصداء القصف المتبادل في النقاط الساخنة، قرب العاصمة، ومشاهدة الدخان المنبعث من الحرائق المشتعلة.

وفي هذا السياق، تستمر المواجهات في العديد من المحاور الواقعة في محيط المدينة الذي يُعرف بريف دمشق، حيث استطاعت قوات الجيش السوري واللجان الشعبية ان تحقق إنجازات ميدانية بارزة، من بينها استعادة بلدة شبعا الاستراتيجية التي كان يطلق منها المسلحون رصاص القنص على طريق حيوية، تقود الى مقام السيدة زينب(عليها السلام).

ومع إخراج المسلحين من هذه البلدة، اصبح الوصول الى المقام آمنا عبر الطريق المتعمدة حاليا، عوضا عن خط السير الاساسي المعروف والمقفل في الوقت الحاضر، بفعل الاشتباكات المتواصلة التي تدور في محيطه.

في مسيرنا نحو مقام السيدة زينب(ع) نمر بين بساتين، كانت تحت سيطرة المسلحين قبل استعادتها بعد معارك عنيفة. آثار المواجهات العنيفة تبدو واضحة في أكثر من مكان، في وقت بدا ان الحياة بدأت تعود تدريجيا الى المنطقة التي لجأ اليها نازحون سوريون من مناطق بعيدة، مثل الرقة.

عند الوصول الى نقطة قريبة من المقام، تظهر مكعبات الباطون التي تقطع الطريق، لحماية المقام من أي اختراقات أمنية. نركن السيارة جانبا، ونواصل تقدمنا سيرا على الأقدام عبر أزقة ضيقة تتوزع على جانبيها منازل شعبية ومحال تعرض ما يتناسب مع طبيعة المكان ورمزيته الدينية، فيما أصوات الاشتباكات المتقطعة بالاسلحة الثقيلة تواكب خطواتنا.

عند مدخل المقام، يحرص عناصر من اللجان الشعبية على التفتيش الدقيق، قبل السماح للزوار بالعبور. في الداخل، يعبق المكان بالعطر المقدس، فيما يتوزع عدد من المؤمنين على أرجائه، للصلاة والدعاء. هنا، تسمع قصصا حول شهداء سقطوا وتضحيات بذلت دفاعا عن المقام، ولعل أبرز تلك القصص ما يتعلق بحارس المقام الذي استشهد جراء قذيفة اصابته وهو في حرمه، الى جانب شاب عراقي كان اول من امتشق السلاح لحماية "الأمانة"، وقاتل ببطولة حتى الاستشهاد.

وإذا كانت المخاطر قد تهددت المقام في المرحلة السابقة، فهو بات الآن في أمان تام، بعدما تمكن المدافعون عنه من تأمين شروط الحماية له، وإبعاد المسلحين عن محيطه، بحيث لم يعد بإمكانهم تهديده سوى بإطلاق القذائف من بعيد. وحتى هذا الخطر تمت معالجته، من خلال معادلة ردعية، تمثلت في استخدام قوة نارية كثيفة ردا على كل استهداف للمقام، ما دفع المجموعات المسلحة منذ فترة الى الكف عن التعرض له.

وبرغم أجواء الحرب وضغوطها، بادر المولجون بالاشراف على المقام الى تأسيس مكتبة ملحقة به، ستفتتح خلال شهر، وهي تضم أعدادا كبرى من الكتب واللوحات الاسلامية، في رسالة تحمل في رمزيتها الكثير من المعاني والدلالات.