إنه "الربيع العربي". مصطلح راج استخدامه لوصف مجريات الأحداث منذ بداية التحركات الشعبية في بلاد العرب والتي سارع الرئيس اوباما "ليحتضنها"...
إنه "الربيع العربي". مصطلح راج استخدامه لوصف مجريات الأحداث منذ بداية التحركات الشعبية في بلاد العرب، وما ان تمكنت هذه التحركات من تحقيق هدفها الأسمى حتى اطل علينا الرئيس الأميركي باراك أوباما في 19 أيار / مايو الماضي لـ" يحتضن" الشعوب العربية ويثبّت هذه التسمية رسمياً على ما يقال بأنه ثورات عربية، وليوسم هذه "الثورات الربيعية" بختم البيت الأبيض.
موقف أوباما ليس بجديد، خصوصاً وأن الولايات المتحدة قد عوّدتنا على سرقتها لإنجازات الشعوب الأخرى، إنما ما كان مفاجئاً منذ بداية هذه التحركات وحتى اليوم هو تغييب أي صفة وطنية وقومية عنها، فقد حاول البعض من ثوار مصر بداية رفع شعارات مناهضة للكيان الصهيوني واتهام حسني مبارك بالعمالة لإسرائيل، إلا أن هذه الشعارات سرعان ما اختفت واندثرت بعد الإطاحة بمبارك. وهنا لا يختلف اثنان على انّ فرعون مصر المخلوع لم يكن سوى عميل إسرائيلي بامتياز، إنما التساؤلات التي باتت تفرض نفسها بقوّة بعد الإطاحة بمبارك هي: ما الذي حققته الثورة المصرية وطنياً وقومياً واستراتيجياً؟ وأين هم الثوّار من الإبقاء على معاهدة السلام مع العدو الإسرائيلي وإمداد المحتل بالغاز؟ وهل من ثار من أجل كرامته سيبقى راضياً بأن يبقى الصهيوني داهساً على مصر جمال عبد الناصر؟
وفي اليمن يطغى مشهد الصراع بين عشيرتي صالح والأحمر على "الثورة حتى بتنا أمام حرب أهلية لن تبقي حجراً على آخر!وان نظرنا بدقة إلى الوضع في تونس لن نجد سوى سلفيين تكفيريين يتغلغلون للسيطرة على البلاد في ظل غياب تام للدولة ولأي إصلاحات تذكر.
والقاسم المشترك بين مصر واليمن وتونس هو الدعم الأميركي اللامحدود لزعمائهم قبل الثورات وانتقال هذا الدعم بعد ذلك للثوار!أما المشهد المضحك المبكي فتجده في ليبيا، حيث تحوّل من كانوا ثوّاراً إلى أدوات أميركية وفرنسية، يحملون أعلام الغرب ويصيحون "الله اكبر" كلّما قتلوا ليبياً من أنصار القذافي.
من حقنا كعرب أو بالأحرى من واجبنا أن نتساءل ماذا قدمت هذه الثورات لشعوبها وبلادها بداية، وللقضية الفلسطينية وللصراع العربي - الإسرائيلي عموماً. فحتى اليوم لم تقدّم الثورات لشعوبها أي برنامج سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، بل بتنا نرى شعوب مصر وتونس وليبيا تفرح لموافقة البنك الدولي أو الغرب إقراضها ملايين الدولارات! وعدا عن "جبهة استرداد الأموال المنهوبة من الخارج" المصرية، لم نسمع أحداً يطالب باستعادة أموال الزعماء التي جمّدها الغرب والمسروقة أساساً من ثروات هذه البلاد والتي تقدّر بالمليارات لا بالملايين!
والغريب أن كل من يشكك بنتائج "الثورات الربيعية" ومدى جديتها يتهم بالعمالة والتبعية للأنظمة! والأغرب من ذلك هو أن هذه "الثورات" نفسها تطالب بالديمقراطية إنما ليست مستعدة لسماع هذا الرأي الآخر حتى ولو كان هذا الرأي لا يضمر لها إلا خيراً فباتت كالديكتاتورية التي أطاحت بديكتاتورية.
ولعل مثالاً اقتصادياً من تاريخ لبنان الحديث يمكن أن يضع بعض النقاط على الحروف، ويلفت نظر الشعوب الشقيقة إلى ما يمكن أن يفوتهم عندما يفرحون بأموال الغرب، ويكون في مرحلة لاحقة سبباً رئيسياً لإخضاعهم مباشرة لأميركا وحلفائها. فبعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان جاء من وعد اللبنانيين بـ"ربيع قادم"، وليست صدفة تشابه الأسماء بين الربيعين، صدّق الناس وظنوا أنّ ربيع عهد ما بعد الطائف يختلف عن ربيع الفصول التي عاشوها. تعاقبت الفصول ومرّ الربيع الأوّل بعد الطائف، وانتظر الناس تبديلاً وما انتظروا إلا وهماً كـ"غودو"، حيث لا شيء حدث سوى المزيد من الإنتظار. وهكذا توالت السنوات وتحوّل ربيع الناس إلى شتاءات كاسرة عصفت بهم وبأرزاقهم، والصفة المشتركة هنا هي الديون التي تورّط بها لبنان والتي كانت أساس الخطة الإقتصادية للـ"ربيع القادم"، والتي لن تسدَّد سوى من أتعاب من صدّقوا الربيع ومن الذين لم يصدقوه، هذا إن لم يكن الوطن هو الثمن لهذه الديون.
أما السذاجة فتكمن في ترداد ذاك الشعار، "الشعب يريد إسقاط النظام"، الذي بات البعض يردده كالببغاء وبشكل أعمى ودون تفكير! والأدهى أن كل من رفع هذا الشعار بات شريفاً، أما النظام، أياً كان، هو السيء! المشكلة ليست في الشعار، إنما بمن يردده دون أن يكلّف نفسه عناء التفكير: لماذا أريد أن أسقط هذا النظام؟ ما هو الهدف؟ وما هو البديل؟ وهل أن هذا النظام هو المسؤول الفعلي عن الوضع المتردي الذي تعيشه كافة الشعوب العربية؟ والأهم من هذا كلّه، من يريد فعلاً إسقاط هذا النظام؟ وهل أن أميركا وإسرائيل مهتمة بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط؟
وهنا نصل إلى سورية، ليتبيّن أننا بطبيعتنا شعوب عاطفية ننجر وراء الهتافات والشعارات، ولا ندرك الفخ إلا بعد الوقوع فيه، وما يحدث في سورية هو الفخ الذي سقط نصفنا فيه والنصف الآخر يجهد لإنقاذ من سقط. وما الشعار الذي يردده المشاغبون هناك "العلوي على التابوت والمسيحي على بيروت" سوى خير دليل على الهدف الراقي للإنقلاب المسلح الذي يجري في قلب العروبة النابض. ولكن الملاحظ في سورية أن جميع الاعتداءات المسلحة التي تتعرض لها الدولة تتركز في المناطق الحدودية، والتي ولم نرى شبيها لها في وسط سورية، فما هو السبب الرئيسي في ذلك؟
تواصل مباشر مع "الأسياد" في الدول المجاورة
"العمليات التي يقوم بها المخربون في المناطق القريبة من الحدود تؤكد أنهم على تواصل مباشر مع أسيادهم في تلك الدول، كما تفضح فكرة المؤامرة التي تستهدف سورية منذ اليوم الأول، حيث استخدموا العنف وقاموا بالمستحيل لجر النظام نحو المواجهة، وقد جهزوا انفسهم بالسلاح مسبقاً من القوى المعادية، كالإسرائيلي والأميركي، وتجري اليوم أيضاً عمليات تهريب للأسلحة عبر الحدود مع لبنان والاردن والعراق وتركيا". يجيب رئيس حزب الاتحاد الوزير اللبناني السابق عبد الرحيم مراد موقع المنار الإلكتروني.
مراد: أشخاص متورطون في لبنان، والموقف التركي انتخابي، والأسد وجه كلاماً قاسياً للملك الأردني
ويتابع مراد: "لا أعتقد أن الأنظمة في لبنان والعراق متورطة بشكل مباشر في تمويل وتسليح هذه المجموعات، إنما هناك بعض الأشخاص في لبنان متورطون بالأحداث السورية لاعتقادهم بأن اسقاط نظام الأسد سيعيدهم إلى سدة الحكم، وهناك معلومات ووثائق لدى السوريين تثبت هذا التورط وسيكشفونها في الوقت مناسب. وبالإنتقال إلى تركيا التي تستقبل ما يسمى بالمعارضة السورية فمن الممكن أن يكون موقفها داعماً إلا انني لا اعتقد أن الحكومة التركية متورطة لدرجة كبيرة وانها تقدّم الأموال والأسلحة لأنها إن انكشفت فستحدث أزمة كبيرة، وأعتقد أن المواقف السياسية الأخيرة لأنقرة هي دعاية إنتخابية. أما بالنسبة للأردن فما يمكنني قوله هو أن الرئيس الأسد وجّه كلاماً قاسياً للملك عبد الله الثاني".
مراد: المصريون اتصلوا بالأسد مؤيدين
وعن الموقف المصري من الأحداث في سورية يقول الوزير السابق مراد: "أما المصريون فموقفهم جيّد وانا كنت في مصر في بداية الأحداث وعلمت أنهم اتصلوا بالأسد مؤيدين، كما التقى مدير المخابرات المصرية مراد الموافي بالرئيس السوري وتحدثا في قضيتين، القضية الأساسية كانت فلسطين والمصالحة الفلسطينية والثانية أنهم يرَون أن الرئيس الأسد قادر على الإصلاح ويتمنون عودة الإستقرار لسورية، كما أنهم على استعداد للعودة إلى العمل العربي، ويعتقدون أن العلاقة مع النظام في سورية هي بر الأمان لمواجهة كل التحديات التي تعاني منها الأمة".
مجزرة "جسر الشغور" كشفت المؤامرة
ويفصّل مراد في حديثه لموقع قناة المنار مجريات الأحداث في سورية فيقول: "الوضع في سورية أمام مشهدين التظاهر للإصلاح والعنف. فهناك شق يتضمن بعض المتظاهرين المطالبين بالإصلاح، وهذا شيء طبيعي أو إلى حد ما اصبح موضة العصر. وأنا سمعت شخصياً من الرئيس بشار الأسد إنه مع الإصلاح، إذ صرّح الرجل بذلك في أكثر من مناسبة، كما أنه بدأ بالتطبيق والتطوير فيما يتعلق بالأمور الاقتصادية والتعليم الخاص والمصارف الخاصة وشركات التمويل، وهذا يدل على نواياه الطيبة ولكن الروتين الإداري هو الذي يؤخر قليلاً هذه الإصلاحات".
ويضيف مراد " القبول بهذا النوع من التظاهرات هو أمر طبيعي ولكن الأمر الغير طبيعي هو ما يتعلّق بالشق الآخر منها حيث استخدم المتظاهرون العنف منذ اليوم الأول مما يدل على سوء النوايا، فمن الواضح ان هناك من استفاد من التظاهرات الصادقة المخلصة في سورية ليجرجر النظام نحو المواجهة العسكرية".
"بدأت القصة في درعا حيث حدثت اخطاء في المعالجة الأولية من قبل بعض المسؤولين واعترف بها النظام ووعد بمحاسبة المخطئين، لكنه لم يجد سوى إصراراً بالمواجهة من قبل المكلفين بالتخريب في الداخل، فبعد درعا فجّروا الوضع في بانياس، أما قمة التفجير فكانت مؤخراً في جسر الشغور وهنا تبيّن فعلياً حجم المؤامرة. وأنا أرى انه من واجب الدولة هنا حماية مواطنيها بكافة الوسائل المتاحة، وهذا ما أعلنه فعلياً وزير الداخلية السوري عندما اشار إلى أن قوى الأمن ستكون حازمة من الآن فصاعداً"، يقول مراد.
الجيش متماسك ولن يقف متفرجاً على من يهدر دمه
وحول قدرة النظام في سورية على القضاء على المؤامرة في ظل التكتل الدولي والعربي ضده، وفي ظل الحديث عن انشقاقات في الجيش السوري، يطمئن مراد بداية الجميع بأن "الجيش السوري متماسك وكل ما قيل ليس سوى إشاعات كإشاعة استقالة السفيرة السورية في باريس، فالجيش السوري عقائدي ومؤيد للنظام وهذا ما يشكّل صمام الأمان لهذا النظام الذي يكمن همه الأساسي في تعزيز الوحدة العربية والقومية ومساندة القضية الفلسطينية والإبقاء على الصراع العربي – الإسرائيلي، والجيش يعلم تماماً أن النظام يسير في الطريق الصحيح خلافاً لكل الأنظمة العربية الأخرى، وأن المؤامرة لإسقاطه ليست سوى انتقاماً منه لدعمه المقاومين في العراق وفلسطين ولبنان من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن سقوط نظام الأسد ووضع اليد على سورية يمكّن الغرب من السيطرة على المنطقة بشكل كلّي نظراً لأهمية الموقع الجغرافي لسورية في المعادلة الإستراتيجية، فمن سيصدّق مثلاً بأنّ الممالك والمشيخات والغرب يريدون إصلاحات وديمقراطية! مين عم يهدي مين!".
ويضيف رئيس حزب الإتحاد: "هم يحترفون مهنة التضخيم الإعلامي مستخدمين مشاهد الدماء لصناعة الرأي العام، ويعتّمون على 23 مليون سوري مؤيد للنظام. هم يريدون صراحة أن يسقط قتلى لاستثمارهم إعلامياً، مدعين بأن ما يحصل هو اعتداء من الجيش على مظاهرات سلمية في حين أن ما يحدث فعلياً هو اعتداء على القوى الأمنية التي من الطبيعي ألا تقف متفرجة على من يهدر دماءها".
آن الأوان لحرب شاملة ضد "إسرائيل"
وفي النهاية فإنّ "أروع ما سمعناه في الآونة الأخيرة هو ما جرى في مارون الراس والجولان، حيث أعاد الفلسطينيون بمساندة اللبنانيين والسوريين توجيه البوصلة نحو الصراع الحقيقي ضد العدو الصهيوني، فسقط الشهداء لتروي دماؤهم الطاهرة أرضنا العربية المغتصبة. إلا أنني آسف لما نطقت به أفواه الأنظمة المتصهينة والرأي العام الذي صنعته والذي لم يرَ في ما جرى سوى محاولة سورية لإبعاد النظر عن أحداثها الداخلية، فكفاهم مزايدات لأن ما حدث يعبّر بشكل صارخ عن الإرادة العربية الحقيقية التي يجب أن يلتف حولها جميع العرب، والناس يفكرون بهذا الخيار منذ وقت طويل إلا أن ما ساعدهم على المضي به هو الثورات العربية التي يجب أن تكمل طريقها وألا تسمح لأحد بسرقتها. ونحن نأمل بأن تتطوّر الأمور نحو فتح جبهة مشتركة بين العرب وإيران للقضاء على العدو الصهيوني بشكل نهائي، فقد آن الأوان لخوض حرب شاملة ضد إسرائيل". يختم رئيس حزب الإتحاد عبد الرحيم مراد.