25-11-2024 08:50 AM بتوقيت القدس المحتلة

إن أكرمكم عند الله أتقاكم؟!

إن أكرمكم عند الله أتقاكم؟!

عجيب أمر أمتنا، كلما تقدمت الأمم في درجات التحالف و التعاون و الاتحاد، ازددنا تشرذما و تطاحنا و تخلفا في علاقاتنا و نظرتنا لبعضنا، مرت علينا 14 قرنا و لا نزال نتخبط في كهوف اللغو و النميمة

بقلم: أ. موراد غريبي (*)

نداء الوحدة الإسلامية واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقواعجيب أمر أمتنا، كلما تقدمت الأمم في درجات التحالف و التعاون و الاتحاد، ازددنا تشرذما و تطاحنا و تخلفا في علاقاتنا و نظرتنا لبعضنا، مرت علينا 14 قرنا و لا نزال نتخبط في كهوف اللغو و النميمة و البهتان و السباب و التكفير و تتبع عثرات بعضنا و سفك دمائنا و العياذ بالله، كل ذلك تحت مسمى الدفاع عن الدين و المذهب و الطائفة، ما أحمق هذا الواقع و ما أرجسه ليس افتراءا عليه و لكن بحسب مبادئ الإسلام الأصيل دين الرحمة و العفو و التسامح و التعارف و الحوار و التعايش و اللقاء، دين المحبة و الحياة، دين العلم و الخلق الكريم، دين الصلاة التي تنهى عن الفحشاء و المنكر، دين النداء إلى الكلمة السواء لأهل الكتاب فما بالنا بالناطقين بالشهادتين !!!

إلى متى أيها المسلم ستظل سجين الصور النمطية التي تحمّلك أوزارا أنت في غنى عنها، لأنها ببساطة جاهلية يحاربها دين الله الإسلام الذي جاء للعالمين، ماذا يعني تسننك أو تشيعك على ضوء القرآن الكريم؟

لا داعي للتستر تحت يافطة الطائفة و المذهب و الجماعة و المرجع و الهلال و القمر و ما هنالك من عناوين صنعتها السمسرة الطائفية لتلهي الناس في صراعات واهية و سجالات وهمية، في حين أهل السياسة و التدين المغشوش يجنون الأرباح و المواقع و المصالح على حساب مسلمين بأسهم بينهم شديد ... لابد من التفكر و لو للحظة في هذا السؤال قبل السؤال الأعظم يوم لا ينفع مال و لا بنون و لا طائفة و لا جماعة و لا يناشين طائفية  أو جهاد مزيف...

قبل أيام و أنا أطالع أحد كتب سلسلة عالم المعرفة " العرقية و القومية: وجهات نظر انثروبولوجية" انتابني شعور غريب، كلما ركزت في الأفكار المطروحة في فصول الكتاب، إلا و استحضرت حال أمتنا و لم تفارقني تلك الصور النمطية التي تنسخها و تلصقها وسائل الاعلام و الاتصال التابعة للماكينة الطائفية في العالم العربي و الإسلامي، حيث لا زلنا نسمع في المقهى أو المطعم أو نقرأ بالصحيفة  و وسائل التواصل الاجتماعي تلك التحليلات و المقاربات على أساس العرق و المذهب و المرجعية الدينية و التيار القومي، لكل الأزمات و الإرهاصات السياسية و التفاعلات الاجتماعية... وبالأخير تزاحمت أسئلة المصير في ذهني: كيف نفهم الخير كمسلمين بحسب مرجعيتنا الثقافية الأصيلة؟ و لماذا نترك سياسات الطبيعة تستنسخ قناعاتنا الأخلاقية و الاجتماعية ؟

هناك انقلاب مفاهيمي خطير يعيشه إنساننا على طول خط عرض أمتنا (طنجة-جاكرتا)، للتأكد الأمر بسيط، الجميع من السنة و الشيعة يرفض الظلم و يطلب العدل و يحب الخير و يكره الشر، لكن كبر مقتا عند الله أن نقول ما لا نفعل، في الغالب الأعم و في عمق الواقع هل هناك تساؤل و لو بسيط: لماذا أفضل أن أراك سنيا أو شيعيا  بدلا عن رؤيتك مسلما؟

القضية بكل حساسيتها و ما تسببه من حرج  لدى الشخص (السني أو الشيعي) تتحدد في كونه مسلم بالمذهب أكثر من الدين، و لم يرهق نفسه ليكتشف إسلام القرآن بحكم أن القرآن قطعي الثبوت و يناقش من خلال خطوطه العريضة و مبادئه السامية و قيمه العظيمة، كل مضامين و إيحاءات و معادلات إسلام الحديث...

إن الجانب الفكري المبهم مضاف إليه تضخم الجانب النفسي في شخصية المتمذهب، دون أن نغفل عن السلطة الاجتماعية الضيقة  هي التي عقدت المسألة الإسلامية لدى إنساننا، فلم نتواضع للإسلام لنستقبله و نقترب من آفاقه العقيدية و الأخلاقية و التشريعية، بل أردنا للإسلام أن يتنازل لأهوائنا و حساسياتنا، فصار الإسلام اسلامات، و صار الدين وسيلة و ليس منهجا، هناك من اختزله في طائفته و آخر في مجال تخصصه أو ثقافته أو حسب أنموذجه الحضاري، فصرنا نسمع الإسلام السني و الإسلام الشيعي و الإسلام الوهابي و الإسلام السياسي و الإسلام الأمريكي و الفرنسي و الياباني و هلم جرا...  على هذا النسق لا يزال واقعنا يتخلف عن هذا الدين الحضاري العالمي، و بلا مواربة صرت أتقزز و أشمئز كلما سمعت خطيبا أو متعالما دينيا أو دكتورا و كل هذه العناوين تتساقط أمامي، عند اصطدامي بخطابات أقل ما يقال عنها أنها تمتاز بالحماقة، وأعود بذاكرتي إلى كلمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): فيا عجبا من جد هؤلاء القوم في باطلهم وفشلكم عن حقكم فقبحا لكم وترحا حين صرتم غرضا يرمى وفيئا ينهب يُغار عليكم ولا تغيرون وتُغزون ولا تَغزون...

بكلمة، حتى أختم هذه السطور، آن الأوان لكل واحد منا أن يواجه هذا الواقع المرير، عبر دعامة وحيدة أساسية أن يعيد كل واحد منا  النظر في إسلامه، مثنى و فرادى، ثم نتفكر: كم من حقائق الإسلام القرآنية تتوفر فينا ؟ و بقدر انفتاحنا على هذا المسار التجديدي لإحياء الاسلام الأصيل في الذات و المجتمع، سننال سبل السلام التي توصلنا لأن نأسلم المنبر و السياسة و الثقافة و الاعلام و الحياة ، حتى يصبح الواقع يتحرك وفق ثقافة القرآن التي تبلغ الناس على أن الله رب العالمين ليس للسنة دون الشيعة أو العكس و النبي الأكرم (ص) رسول رب العالمين ، لينطلق الاسلام للانسانية، بروح المحبة و قيمة التعارف و الكلمة السواء ... وإلى مقال آخر في رحاب الاسلام الأصيل...يا أيها الذين أمنوا (سنة و شيعة) إن أكرمكم عند الله أتقاكم ...

و الله من وراء القصد.

(*) كاتب و باحث من الجزائر