28-11-2024 02:46 PM بتوقيت القدس المحتلة

من ينقذ تركيا من عزلتها؟

من ينقذ تركيا من عزلتها؟

تمر تركيا في المرحلة الحالية بوضع لا تحسد عليه . فالبلد الذي رفع شعار “صفر مشكلات” وكانت وساطاته تنتظر عند عتبة كل مشكلة ليرتفع بعدها صوت تركيا وصورتها وسمعتها



محمد نور الدين

تمر تركيا في المرحلة الحالية بوضع لا تحسد عليه . فالبلد الذي رفع شعار “صفر مشكلات” وكانت وساطاته تنتظر عند عتبة كل مشكلة ليرتفع بعدها صوت تركيا وصورتها وسمعتها ويتضاعف دورها ونفوذها باتت صورة أخرى مناقضة لبلد تشتد الحصارات عليه، وبالكاد يعثر على كوة  صغيرة يتنفس من خلالها .

ولعل مشهد الجرافات التركية وهي تعمل على حفر الأرض تمهيداً لبناء جدار عازل في منطقة نصيبين على الحدود مع سوريا يعطي المشهد سرياليته ومأساويته كملحمة إغريقية بائسة .

لم تعد تركيا بلداً محاصراً أو معزولاً من قبل أعداء تقليدين تاريخياً مثل اليونانيين أو الأرمن أو الروس، أو حتى الأوروبيين الذين هي في مفاوضات مباشرة معهم لدخول ناديهم الأوروبي . بل إن سياسة الجدران والكراهية باتت سمة ثابتة للسياسة الخارجية التركية في الفترة الأخيرة . والمحزن أن هذه السياسة تطال شعوباً هي إما جزء من النسيج التركي نفسه أو من الجوار والجيرة الإسلامية، وفي رأس هؤلاء الجيران الأكراد والعرب .

لم تكتف تركيا بعلمانييها وإسلامييها بسياسة التنكيل والصهر والتذويب والإنكار للهوية الكردية لأكثر من 12 مليون كردي يعيش معظمهم في جنوب شرق البلاد، بل وصلت الجرأة الكريهة والمقيتة لكي تبادر الحكومة التركية بزعامة رجب طيب أردوغان إلى البدء بتشييد جدار على الحدود بين تركيا وسوريا في منطقة نصيبين . والذريعة أن  بعض المسافة في تلك المنطقة يسهل منها تسلل المواطنين بشكل غير شرعي ويسببون مشكلات أمنية لتركيا . ولا يظنن أحد للوهلة الأولى أن المقصود هنا منع المواطنين الموالين للنظام في سوريا من العبور والتسلل إلى تركيا .

فتلك المنطقة كردية صافية ويسيطر عليها من الجانب السوري مقاتلو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الرديف السوري لحزب العمال الكردستاني . المسألة تتعلق إذا بالنظرة إلى الأكراد في سوريا وليس إلى سوريا ككل . تلك المنطقة كانت مقصداً لنواب وفاعليات كردية من الجانب التركي يلتقون من خلف السياج الحدودي أقاربهم الأكراد في الجانب السوري . وبات الكل يرى كيف أن “الفوبيا” الكردية لدى سلطة حزب العدالة والتنمية في تركيا بلغت ذروات غير مسبوقة بحيث إنه من أجل إضعاف المسلحين الأكراد في سوريا دعمت تركيا كل المعارضات السورية المسلحة رغم التحذيرات الأمربكية .

ولم تقف عن هذا الحد بل عملت على توجيه رسالة غير عقلانية بمشروع بناء جدار من الباطون المسلح على ارتفاع مترين، وفق الخطة، بين المناطق الكردية في تركيا ومثيلتها في سوريا .

لا شك في أن الهدف من هذا الجدار ليس أمنياً . فالأمن لا يمكن ضبطه ببناء جدار ولا على مسافة محدودة أو غير محدودة . الهدف السياسي من الجدار واضح للجميع: لا يمكن ربط الوضع الكردي في تركيا بالوضع الكردي في سوريا ولا بدّ من فك الارتباط بينهما ليس فقط سياسياً وأمنياً بل أيضاً جغرافياً .

تعرف تركيا أكثر من غيرها أن سياسة تدمير الهوية الكردية على امتداد تسعين عاماً لم تصل إلى نتيجة، وأن حل المشكلة الكردية ممكن فقط بهدم الجدران السميكة التي ترتفع عالية داخل الذهنية التركية التي لم يغير منها أنها علمانية تارة وعسكرية تارة أخرى وإسلامية طوراً .

وتركيا في ظل سلطة رجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو تتقن جيداً فن تدمير أواصر القربى وعلاقات الأخوة وحسن الجيرة . وبعدما هدمت كل جسور الثقة التي بنتها مع سوريا والعراق وإيران ها هي تهدم بنزق لا حدود له علاقاتها مع مصر، أم العرب، ومع دول الخليج العربي كرمى لجماعة الإخوان المسلمين التي سعت إلى قلب حقائق التاريخ العربي والمصري ونزع مصر من بيئتها وهويتها العربية والإسلامية الجامعة وصولاً إلى تغليب وهيمنة فئة إيديولوجية محددة تنفي الآخر وتعتبره ضالاً عن الطريق المستقيم .

بعد اليونان وأرمينيا وقبرص وروسيا، ها هي تركيا تكمل الطوق والعزلة حولها فتخسر العرب بكل أطيافهم ومذاهبهم وإثنياتهم . وإذا كانت تركيا تبني جداراً يعزلها عن الأكراد فإن الجدران التي بنتها في النفوس لتنعزل عن العرب أكثر سماكة وطولاً وارتفاعاً . فمن ينقذ تركيا من عزلتها؟

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه