تقتصر مشاكل القاصرات في الدول العربية على هذا النوع من الزواج المبكر المذموم بل نجد على جانب أخر أن الزواج السياحي يشكل خطراً على الوضع الاجتماعي، حيث احتل الأزواج السعوديون المرتبة الأولى في عدد الزيجات.
لا زالت ظاهرة زواج القاصرات في عدد من الدول العربية واحدة من أهم الملفات الاجتماعية الساخنة، التي عادت إلى السطح هذه الأيام، وذلك بفعل العديد من القضايا التي شهدتها المحاكم من فتيات قاصرات يطلبن الطلاق.
وجاءت قضية الطفلة اليمنية نجود محمد علي، ابنة الثمانية أعوام، التي حصلت على الطلاق، بعدما رفعت شكوى على والدها الذي أرغمها على الزواج من رجل يكبرها بعشرين عاما، لتدفع بهذه المشكلة إلى الإعلام.
وتحكي الطفلة اليمنية في كتاب يحوي سيرتها الذاتية، كيف أرغمت وهي في الثامنة من عمرها على الزواج من رجل عمره ثلاثة أمثال عمرها وتعرضها للاعتداء والضرب.وقد دفعت ظاهرة زواج القاصرات أو الزواج "القسري"مئات اليمنيات للقيام بمظاهرات أمام مقر البرلمان في صنعاء، للمطالبة بتحديد تشريع يحدد سن الزواج بـ 18عاماً، فيما طالبت أخريات بعدم إقرار التشريع باعتبار ذلك مخالفا للشريعة الإسلامية.
ورفعت المتظاهرات من التيار الليبرالي شعارات تدعو لسن تشريع يحدد سن الزواج، بينما خالفت تلك الشعارات أخريات طالبن بالأخذ بفتوى علماء دين حرموا مثل ذلك التشريع، معتبرين انه تنفيذ لأجندة غربية.
لا للخلط بين الزواج المبكر وزواج القاصرات:
ومن هنا يبدأ الخلط بين مفهوم الزواج المبكر وبين زواج القاصرات في العالم العربي والإسلامي. إذا يطلق على زواج القاصرات اسم الزواج المبكر. والزواج المبكر في الإسلام مستحب ومبارك فيه وليس واجباً كما يود البعض أن يصوره. كما أنه من المعروف في الشرع الإسلامي أنه لا يحدد سناً معيناً للزواج، سواء للفتاة أو للشاب، بل تركه للعرف الاجتماعي والأدبي وفق مقضتى الحال والظروف التي يعايشها القوم أو المجتمع. وفي بحث قانوني تم إجراؤه على التشريعات العربية فيما يتعلق بتحديد سن الزواج للأنثى، ثبت أن جميع الدول العربية تقريبا لديها تشريعات وطنية تحدد سناً آمناً للزواج مع تفاوت بسيط في مقدار العمر. إن المعنى الحقيقي للزوج القاصرات من الناحية الطبية والعلمية هو الزواج قبل البلوغ.
وأما تسمية من تتزوج قبل الثامنة عشرة بأنه زواج مبكر فهذا لا يستند إلى قاعدة علمية أو قاعدة شرعية فأمر الزواج مربوط بالبلوغ والبلوغ عند الفتاة هو الفترة الزمنية التي تتحول فيها من طفلة إلى بالغة وخلال هذه الفترة تحدث تغييرات فسيولوجية وسايكولوجية عديدة. والبلوغ ليس بحدث طارئ وإنما هو فترة من الزمان قد تتراوح ما بين سنتين وست سنين.
وهنا استغل الدين في تحليل الجريمة مستندين إلى أن الإسلام لم يحدد سنا معينا للزواج، ولكن الإسلام يرد على ذلك بأن الأصل في هي المقاصد وليست الألفاظ، وفي حديث الرسول صلى الله عليه وأله وسلم "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، والباءة هنا هي القدرة البدنية والقدرة المادية. ففي تعريف الزواج المبكر في الإسلام أن من الحقائق الموضوعية أنَّ سلامة جسم المرأة وعقلها له دور فعّال في تربية الأطفال وتقويم شخصيتهم. ولم يغفل الدين الإسلامي عن هذه الحقيقة، لذا نبّه على ضرورة مراعاة عوامل السلامة من العيوب الجسمية والعقلية لكلا الزوجين. وجعل منهما الخيار في فسخ العقد، فيما إذا ما تبين أنّ أحدهما كان مصاباً بعيب جسماني أو خلل عقلي. بالاضافة إلى وجوب التأكد من سلامة الزوجة من العيوب الجسدية الموجبة لفسخ العقد، لابدّ من التركيز على سلامتها العقلية حتى لا تكون مجنونة أو حمقاء تسيء التصرف ولا تضع الشيء مواضعه، ومن أجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم محذراً الشباب من العواقب الاجتماعية والتربوية الوخيمة : « إيّاكم وتزوّج الحمقاء، فإنَّ صحبتها ضياع، وولدها ضياع ».
الظاهرة تحولت إلى واقع درامي :
هذه القضية لم تكن لتتفجر فى الأساس بهذه الصورة لولا ذيوع التقارير والدراسات عبر وكالات الأنباء والفضائيات وشبكة الإنترنت. والحجر الذى أحدث الدوامة المائية فى البداية هو تقرير صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة الذى دعا إلى وضع حد للزواج المبكر، أو زواج القاصرات، لا سيما بالنسبة إلى الفتيات مسلطاً الضوء على النتائج السلبية لهذا الزواج الذى لا يزال يستند إلى التقاليد القديمة، وذكر التقرير أن من أسباب "الزواج المبكر"(زواج القاصرات) الفقر وحماية الفتيات من التحرش غير الأخلاقي، بالإضافة إلى التهميش الاجتماعي واستعباد الفتيات بدرجات متفاوتة. ولا تقتصر مشاكل القاصرات في الدول العربية على هذا النوع من الزواج المبكر المذموم بل نجد على جانب أخر أن الزواج السياحي يشكل خطراً على الوضع الاجتماعي، حيث احتل الأزواج السعوديون المرتبة الأولى في عدد الزيجات.
فعادة ما يتم ترك الزوجة من قبل "الأزواج السياحيين" وهن في سن صغيرة جداً وهي حامل وتترك من قبل زوج مجهول الهوية. وهؤلاء السياح يرجعون إلى بلدانهم ويحكون لأصدقائهم انه في اليمن، ومصر، على صعيد المثال، من السهولة أن تتزوج لمدة شهر وتعطي لأهل الزوجة مالا وكأن شيئاً لم يكن. وكشف تقرير صدر مؤخراً عن مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء مثلا أن نحو 52 %من الفتيات اليمنيات تزوجن دون سن الخامسة عشرة خلال العامين الماضيين مقابل 7 % من الذكور.
وشكل زواج الفتيات الصغيرات ما نسبته 65 % من حالات الزواج المبكر منها 70 % في المناطق الريفية، وأشار التقرير إلى انه في بعض الحالات لا يتجاوز عمر المتزوجة الثماني أو العشر سنوات. وكشف التقرير عن فجوة عمرية كبيرة بين الزوجين، تصل في بعض الأحيان إلى حالات يكبر فيها الزوج زوجته بـ56عاما.
وكشفت دراسة حديثة أجرتها وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع منظمة اليونيسيف أن مصر تحولت إلى محطة انتقال "ترانزيت" للاتجار بالبشر بعد ارتفاع نسبة زواج القاصرات أو الصغيرات أو ما يسمى الزواج السياحي. وقالت الدراسة أن نسبة زواج القاصرات بلغت 15% مما دفع جمع من العلماء ورجال الدين إلى شن هجوم على هذا النوع من الزواج. من جانبها أكدت نهاد أبو القمصان عضو لجنة المرأة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ورئيس المركز المصري لحقوق المرأة وجود ثلاثة مراكز على مستوى الجمهورية فقط في محافظة 6 أكتوبر التي تستحوذ على نحو 74%من أشكال الزواج السياحي أو العرفي أو المتعة، أي زواج قاصرات. وأشارت أبو القمصان إلى أن الفتاة المصرية تحولت في معظم القرى الريفية إلي مشروع استثماري يدر أرباحا على أسرتها.
والغريب أن قناعة أولياء أمورهن هو أن هذا الزواج عبارة عن إعارة أو عمل في الخارج تنتهي منه الفتاة عقب سفر الخليجي أو العربي الذي يعقد عليها تحت أي مسمى أو عقب انتهاء فترة الصيف التي تعد رواجا لهذا الزواج. وورد في نشرة صادرة عن أحد المراكز النسوية التي تتبنى فكرة تأخير سن الزواج إلى أن لزواج القاصرات مخاطر متعددة على الفتاة من النواحي الصحية والاجتماعية والنفسية فمن المخاطر الصحية بأنها إذا حملت في فترة مبكرة فإنها لا تتم حملها بمدته الكاملة لأن جسمها لم يكتمل نموه بعد وأنها قد تتعرض للإجهاض المتكرر .وقد تتعرض الفتاة إلى فقر الدم وخاصة خلال فترة الحمل.وقد تزداد نسبة الوفيات بين الأمهات الصغيرات عن الأمهات اللواتي تزيد أعمارهن عن العشرين عاماً بسبب الحمل. وقد تزداد وفيات أطفال الأمهات الصغيرات بنسبة أكبر من الأمهات الأكبر سناً وذلك لقلة الدراية والوعي بالتربية والتغذية. وأكدت النشرة وجود مخاطر اجتماعية ونفسية لأن الفتاة تكون في مرحلة المراهقة ولا تستطيع أن تبدي رأيها في أمور حياتها الزوجية بثقة وارتياح وقد تقع تحت تأثير الأهل والأقارب في شؤون حياتها الشخصية.
استغلال الظاهرة لتشويه صورة الإسلام :
لا بد أن نلفت إلى أن وثيقة "السيداو"، التي يعتّدون بها بأنها بمثابة إعلان عالمي بحقوق المرأة، ترى أن الزواج المبكر نوعاً من أنواع العنف ضد الفتيات، وضرورة منع هذا النوع من الزواج الذي يعتبره الإسلام أمراً مرغوباً فيه لتحصين الشباب ضد الانحراف. وفي الوقت الذي تعلن فيه المنظمات الغربية العلمانية الحرب على الزواج المبكر فإنها تدعو إلى حق المراهقين في ممارسة العلاقات في إطار غير شرعي!!.. وفي هذا تناقض فاضح وادعاء مزيف..
وتسعى تلك المنظمات الراديكالية إلى أن تكون الوثيقة المزمع التوصل إليها خلال القمة العالمية للطفولة إلى جعل تلك الوثيقة ملزمة لدول العالم عند وضع السياسات والاستراتيجيات المستقبلية حول الطفولة، وبذلك تحقق هدفها البعيد في جعل أفكارها بمثابة المرجعية القانونية لكل الدول، وهي مرجعية يراد لها أن تكون أعلى وأرسخ من الدساتير الوطنية. من هنا دأبت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان في العالم على استنكار "الزواج المبكر"، إذ أنهم يعدون "زواج القاصرات"هو نفسه الزواج المبكر، وتقريظه وأنه يشكل أبشع ممارسة في حق المرأة. واتهموا في ذلك الدين الإسلامي بأنه يظلم إنسانية المرأة. مثل تلك الحملات الهدف منها النيل من الإسلام والإساءة له ليس أكثر، وهي مجرد مدخل تسعى من خلاله منظمات حقوق الإنسان للطعن في الإسلام.
ورغم الجدية الظاهرة لهذه التحذيرات إلا أنهادعاوى غربية، ومبادئ علمانية لا تناسب مجتمعاتنا الشرقية التى تقدس الحياة الزوجية، وتدفع الشبان والفتيات نحو الزواج فى أسرع فرصة، ضماناً للعفاف والاستقرار.وربما يتراءى لنا من أول وهلة أن القضية ليست جدلية إلى هذه الدرجة، وأن ما أثير حولها من خصومات وتراشقات بالأقلام كان فيه شيء من التسرع والعجلة، فحرص الإسلام الحنيف على التعجيل بالزواج وتسهيل إجراءاته ضماناً لعفاف واستقرار الشبان والشابات لا يتعارض بالضرورة مع الدعوات العقلانية للتريث والتمهيل فى أخذ قرار الزواج وخلوه من المشاحنات، فضلا عن الوقاية من الأمراض العضوية والنفسية. أن ما يحدد سن الزواج قضية شرعية وقضية فسيولوجية. من هنا الدين الإسلامي لم يضع سناً معيناً للزواج، وإنما وضع شرط البلوغ ووصول المرأة إلى درجة من النضج الجسدي تتحول معها المرأة من كائن لا جنسي، إلى كائن جنسي قادر على حفظ النوع.
وهناك بعض الاعتبارات التي تحدد الزواج، منها:سلامة جسم المرأة، فإذا كان جسم المرأة حتى وإن بلغت سن البلوغ أو السن الشرعي للزواج ضعيفا أو هزيل البنية، ولا تستطيع احتمال مشكلات الحمل والولادة، ربما على القاضي أن يقدر هذا الأمر ويؤخرها بعض الشهور أو السنين. ومن الناحية الشرعية لا يمكن لأحد القول بضرورة رفع سن الزواج إلى حد معين؛ لأنه يتعارض مع فكرة الشريعة الإسلامية التي تحث على عدم تحديد سن الزواج للمرأة ، فالأحكام الداعية إلى رفع سن الزواج لدى الفتاة أحكام وضعية لا علاقة لها بالدين.
وفشل الحياة الزوجية لبعض الفتيات اللاتي تزوجن مبكراً لا علاقة له بالزواج المبكر أو تأخير سن الزواج؛ وإنما يعتمد الأمر بالنجاح أو الفشل على أمرين:إحداهما فسيولوجي والآخر عقلي، فالإنسان يصل إلى النضوج العقلي في سن الرابعة عشر أو السادسة عشر التي تطابق إلى حدٍّ ما سن البلوغ البيولوجي والفسيولوجي، وأن الإنسان ما دام قادراً على التمييز والإدراك الواعي فيمكنه أن يتزوج، ولا يمكن اعتبار الزواج المبكر هنا مشكلة إلا إذا وجد لديه مشكلة عقلية، أي أنه تجاوز سن البلوغ ولم ينضج عقلياً.