الترفع السعودي - ان صح التعبير - عن قبول العضوية في مجلس الامن الدولي، يثير ما هو اكثر من الحيرة التي عبرت عنها موسكو
خليل حرب
الترفع السعودي - ان صح التعبير - عن قبول العضوية في مجلس الامن الدولي، يثير ما هو اكثر من الحيرة التي عبرت عنها موسكو.
فقد كان الاولى بالديبلوماسية السعودية وهي تذكر في بيان الاعتذار، بـ«بقاء القضية الفلسطينية من دون حل عادل ودائم لـ 65 عاماً» ان تمارس دورا اكثر فعالية يتناسب على الاقل مع ما تدعيه من ثقل في الساحتين العربية والاسلامية، للدرجة التي تجعلها تتخلى عن دورها في مجلس الامن الدولي للمرة الاولى في تاريخها.
تقتضي بديهيات ممارسة العمل الديبلوماسي، من اصحاب الدور المفترض، امتلاك اوراق اللعب، او بعضها، واحيانا استخدامها. ولهذا، كان الاولى على سبيل المثال، برئيس الديبلوماسية السعودي سعود الفيصل، الا يمتعض استهجانا كلما كان يسأل في سنوات الانتفاضة الفلسطينية قبل نحو عشرة اعوام ما اذا كانت المملكة ستمارس دورها في التلويح بخيار المقاطعة النفطية لإجبار الغرب على وقف المذبحة التي أطلقتها إسرائيل لإجهاض الكفاح الفلسطيني المشروع.
لم يتم التلويح، ولم يهرب سلاح، ولم يجر استدعاء سفير اميركي او تقديم احتجاج رسمي الى واشنطن لا في سنوات الانتفاضة، ولا في الحربين اللتين تلتاها على غزة. وفي حرب الـ2006 على لبنان، اتُّهم المقاومون بـ«المغامرة».
يوحي بيان الاعتذار - او الترفع - السعودي وهو يذكر بميثاق المنظمة بحفظ الأمن والسلم العالميين، بديبلوماسية ودور يختلفان كثيرا عن ذلك الذي تمارسه المملكة في الواقع.
ان بذور «الجهاديين العرب» زرعت بأياد سعودية واميركية ما بين جدة وبيشاور وقندهار في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. لم يعد يختلف سياسي او باحث على ان ذلك شكل البدايات الاولى لـ«الارهاب الحديث» و«التكفير» باسم الاسلام الذي انفجر لاحقا في الجزائر ومصر والعراق واليمن والصومال وباكستان، وفي نواحي العالم المختلفة. كانت قندهار وقتها أَولى من القدس، ويبدو احيانا انها ما زالت كذلك.
واذا كان من قائل بان حتمية «الجهاد» فرضت على القيادة السعودية مواجهة «الكفار» الشيوعيين وقتها في جبال تورا بورا، فماذا يفعل «الجهاديون» انفسهم الآن في جبال ادلب والقلمون وعلى حدود لبنان؟!
ان هذه الديبلوماسية ذاتها لا تمتلك القدرة على مقاومة الرغبة السياسية في تغيير النظام في سوريا بالقوة، في انتهاك فاضح لميثاق الامم المتحدة الذي تقول المملكة في بيانها امس انها تدافع عنه وتؤمن به.
وهذه الديبلوماسية ذاتها، اختارت الانكفاء عن اللجنة الرباعية الاقليمية التي اقترحت مصر تشكيلها للبحث عن تسوية سياسية للازمة السورية، وتغيبت عمدا عن اجتماعاتها، بينما كانت تسير بخطى حثيثة في خيار الحل العسكري ومحاولة محاصرة دمشق سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
لم تكبد الديبلوماسية ذاتها نفسها عناء النفي او التملص من التقارير التي كانت تشير بوضوح الى ضلوع المملكة في انفاق عشرات ان لم نقل مئات الملايين من الدولارات على تمويل فصائل سورية متنوعة، ما ساهم فقط في اطالة عمر المذبحة، وخراب سوريا، ووصول نيرانها الى سفوح جبال لبنان الشرقية... وما بعدها.
هل هناك حاجة للتذكير بعاصفة الارهاب التي تنامت تنظيما وتمويلا لضرب العراقيين برغم انسحاب الاحتلال الاميركي؟ هل هناك ضرورة للتذكير بان المملكة ذاتها التي سهلت وتعاونت ودعمت الغزو لاسقاط نظام بغداد قبل عشرة اعوام، تكاد لا تنطق بحرف ادانة امام هول حمام الدم الدائر على اراضي بلاد الرافدين؟ أليست هي الديبلوماسية المحنكة ذاتها التي تسمح لنفسها بادانة تفجيري طرابلس وتجاهل تفجير الضاحية الجنوبية في الوقت نفسه؟
ان التساؤلات كثيرة وهي لا تلغي حق السعودية في ان تتنحى عن دورها، سواء كان تعبيرا عن الحنكة او السمو الاخلاقي او الترهل. اما مجلس الامن فلا يدافَع عنه بالتأكيد.. ومن حقها في الوقت ذاته ايضا ان تكون بين اكثر الدول انفاقا على التسلح في العالم. لكن من حقنا الا نكتم اندهاشنا بهذه «الازدواجية في المعايير» بين المملكة ومجلس الامن، وألا نؤمن بأنه سمو.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه