28-11-2024 02:33 PM بتوقيت القدس المحتلة

يوميّات المعتقل.. صقر وأردوغان وأبو إبراهيم

يوميّات المعتقل.. صقر وأردوغان وأبو إبراهيم

انتهى كابوس «مخطوفي أعزاز». نجحت عملية «تبادل الرهائن» في إعادتهم إلى لبنان، بجهود استخبارية محض، بقي الكثير منها طيّ الكتمان.

 
محمد نزال

انتهى كابوس «مخطوفي أعزاز». نجحت عملية «تبادل الرهائن» في إعادتهم إلى لبنان، بجهود استخبارية محض، بقي الكثير منها طيّ الكتمان. المخطوفون ـ المحررون يروون، هنا، بعض ذكرياتهم، عن الضرب والتهديد، عن أموال عقاب صقر (وحفاضاته)، وعن «تواطؤ» الأتراك ودورهم. ومنهم من لن ينسى ما قاله رئيس الجمهورية للأهالي يوماً... «روحوا لعند جماعتكم».

مخطوفو أعزاز. هذه صفتهم التي سترافقهم إلى الأبد. انتهت قضيتهم، أول من أمس، وعادوا إلى منازلهم بعد استقبال شعبي ورسمي. أيام قليلة ويخفت وهجهم الإعلامي. لكن رأس محمد منذر، الشاب العشريني، لن تبارحه الذكرى الأليمة. ذات ليلة خطف، قرر عدم السكوت للخاطفين، لأبو إبراهيم وعصابته، قال لهم: «تقولون نحن ضيوفكم! ما عدنا نريد هذه الضيافة، ومللنا كل ما تجبروننا على قوله، أطلقوا سراحنا، أو أقله وفّروا الدواء اللازم للمرضى بيننا... لن أسكت لكم بعد اليوم». جاءه الجواب سريعاً من العصابة التي كانت تُطلق على نفسها اسم «لواء عاصفة الشمال»، فأخرجوه من المبنى إلى العراء. وضعوه تحت شجرة. قيّدوا يديه بالأصفاد... «عندها لم أعد أعرف من أين يأتيني الضرب بالأيدي والركل بالأرجل. كانت هذه من أقسى اللحظات التي عشتها هناك».

يومها، حاول المخطوف علي عباس التدخل لمصلحة منذر، معترضاً على ما فعلوه. أجابه الحارس: «عليك أن تخرس أنت، وإن تماديت فسأقتله أمامكم، لن يكلفني أكثر من فشكة (طلقة نارية بلسان الخاطفين). إياكم أن تظنوا أننا نمزح في هذا». عباس زغيب، والد أدهم، يقول إن «التعذيب أو الضرب لم يطل الجميع. بعض المخطوفين فقط. من جهتي لم يتعرّض لي أحد... أشعر بالتعب الآن وربما نحدثكم بالتفاصيل لاحقاً».
 
من هي الجهة الخاطفة فعلاً، ولماذا خطفت، وكيف حصل كل شيء؟ ليست لدى المحررين أجوبة واضحة. كانت الأمور تحصل في الخارج، في أعزاز ومحيطها، وهم لا يعلمون تفاصيل كل ما كان يجري. كانوا يقضون أياماً طويلة داخل المنزل، وعندما يخرجون مرة يشعرون بأن الشمس «شيء غريب». لم يبقوا في المكان ذاته، نقلوا من مكان إلى آخر 18 مرّة، بين أعزاز وعفرين والجبل ومناطق أخرى.

يذكر منذر عندما جاءهم أبو إبراهيم ذات يوم، قائلاً لهم: «لقد كان عقاب صقر على بعد أمتار منكم. جاءني ووضع على طاولتي مبلغ 50 ألف دولار بدل مصاريف لكم. قلت له لدينا مطالب أخرى، لكنه، ولا أخفيكم، وضع المبلغ على الطاولة وغادر». أين أبو إبراهيم اليوم؟ يجيب الشاب: «سمعنا أنه قُتل في المعارك هناك وما عدنا رأيناه». يُحرّك منذر الذكريات في رأسه، ثم يضيف: «كنت شاهداً على اتصال تلقّاه أبو إبراهيم، وأنا إلى جانبه. قالت له المتصلة إنها سكرتيرة من مكتب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. كان هدف الاتصال تحريك القضية، فما كان من أبو إبراهيم إلا أن أجابها: لا يمكنني الخوض معكم في التفاصيل، عليّ أن أستشير الأستاذ عقاب صقر وبعدها نرى».

يتقاطع هذا الكلام مع ما نشرته «الأخبار»، في 3 حزيران الماضي، تحت عنوان: «مخطوفو أعزاز: الحريري يُفاوض الدولة». آنذاك نُقل عن وزير الداخلية مروان شربل أن الحريري يتواصل بنحو مباشر مع الخاطفين، إذ «اتصل بي الحريري وأخبرني عن لائحة لديه تضم أسماء المعتقلات في السجون السورية، وذلك في إحدى مراحل التفاوض. وعندما كنا في تركيا قال لنا الخاطفون إنهم أرسلوا تلك اللائحة إلى الحريري، لكن نحن لم نكن نعلم بها يومها، علماً بأن الحريري كان عاتباً على الخاطفين لأنهم يتلكّأون في الإفراج عن المخطوفين». شربل نيته صافية. يرى في جهود الحريري «إيجابية لمصلحة القضية». لكن كثيرين، ومنهم أهالي المخطوفين، الذين كانوا يمشطون طرقات بيروت اعتصاماً على مدى أشهر، رأوا في دور الحريري «سلبية كبيرة... بل بالنسبة إلينا كان هو وصقر من الذين شجّعوا على الخطف إن لم نقل أكثر». ربما تأتي الأيام لتوضح تلك التفاصيل الغامضة في قضية «مخطوفي أعزاز».

عباس شعيب، صاحب حملة بدر الكبرى، نجح بعد أشهر من عملية الخطف في الفرار لساعات من الخاطفين. أخذ معه يومها الهاتف الخلوي لأحد الحراس، غافله وقفز عن السياج الشائك، واتصل بحياة عوالي في لبنان. عباس اليوم يؤكد ما حصل معه، وكيف قبض عليه وأعيد إلى مكان المخطوفين، بعد أن نجحت الاستخبارات التركية في تحديد مكانه. آنذاك كان الأهالي في لبنان قد اتصلوا بوزير الخارجية عدنان منصور الذي أبلغ بدوره القنصل اللبناني في تركيا، فبادر الأخير إلى إبلاغ السلطات التركية بالأمر. كانت هذه الحادثة، بالنسبة إلى الأهالي، من أبرز الأسباب التي جعلتهم يوجهون تهمة الخطف المباشر إلى تركيا. بعد القبض عليه، يستذكر شعيب ما حصل، قائلاً: «ضربوني بقسوة وعلّقوني على الحديد لساعات... منذ اللحظات الأولى لعملية الخطف علمت أنهم يستهدفونني، لأنهم ذكروني بالاسم عند وصولنا إلى المعبر». بدا شعيب في قمة استيائه، لحظة وصوله إلى لبنان، من بعض المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية. كان يحمل في قلبه، خلال كل تلك المدة، ما نقل إليه عن قول سليمان للأهالي في لبنان عندما قصدوه: «روحوا لعند جماعتكم». في قلب شعيب الكثير ليقوله، ولكن «لاحقاً».

علي ترمس، أحد المحررين، يذكر ما قاله لهم أبو إبراهيم ذات يوم: «لقد أصبحت قضيتكم بيد (رئيس الحكومة التركي رجب طيب) أردوغان، وقريباً سيفرج عنكم. يومها كانوا أفرجوا عن واحد منا وأصبح عددنا عشرة. لكنهم كذبوا علينا مرة تلو أخرى وكان هذا أكثر ما يعذبنا». يأسف ترمس لأنه غير قادر على نظم الكلمات بشكل عادي، فـ«لا تواخذوني إذا أحسستم أنني أخربط في الحديث. أشعر بتشويش في رأسي وأعجز عن التركيز... أقسى اللحظات التي مرّت عليّ كانت عندما أشتاق إلى أولادي. شعرت بالخوف كثيراً، خصوصاً عندما كنا نسمع أصوات الرصاص في الخارج، والحراس كانوا يطلقون النار قرب النوافذ عمداً لكي نشعر بالخوف». يلفت إلى أن كل التصريحات التي أدلوا بها، وهم تحت الخطف، إنما كانت «بسبب الضغط النفسي الذي مارسوه علينا. أتذكر عندما اتصل الخاطفون أمامنا بأهالينا في لبنان، وطلبوا منهم التظاهر أمام السفارتين السورية والإيرانية. يومها قلت لهم: ما علاقة هؤلاء وأنتم الجهة الخاطفة؟ فأزعجتهم نبرتي».

هكذا، انتهت قضية «مخطوفي أعزاز». القضية التي أصبحت، على مدى نحو عام ونصف العام، من يوميات اللبنانيين. البعض سيشتاق إلى الحاجة حياة عوالي ودانيال شعيب وأدهم زغيب ومنى ترمس، وغيرهم من الأهالي، من الذين كانوا يرددون أمس في المطار أن الفضل الأول في كل ما حصل هو «للذين خطفوا التركيين في لبنان». هذا ما قاله أيضاً عباس شعيب بعيد نزوله من الطائرة أيضاً. تنتهي هذه القضية اليوم، ولمّا تنته بعد فصولها الغامضة، التي لم تنتج شيئاً في السياسة، لكن نجحت فقط في إيلام 11 بريئاً، ومعهم عائلاتهم، كما نجحت نجاحاً باهراً في تعرية عصابات ادّعى عناصرها يوماً أنهم من «الثائرين لأجل الحرية».

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه