رحلت أيها البطل وجراحك قد ازهرت يوماً في أيار واينعت ثمارها في تموز وقطافها آت إن شاء الله في جولة جديدة من حروب الكرامة ..
عزيزي القارئ ربما قرأت او سمعت ذات مرة حكاية احد الشهداء او ربما عرفت اسرار آخر، ولكن ماذا لو سردت عليك احسن سير هؤلاء الشرفاء لتخلص منها إلى دروس و عبر، وما سأحاول ايجازه على هذه الصفحات الذهبية عناوين لحكاية شاب خط بسيرته وجراحه طريق عز لحياة امة.. انه الشهيد حسين أحمد اليوسف.
ولد حسين في العام 1968 في زلايا البقاع الغربي. وتربى في أسرة مؤمنة متواضعة. تعلم ما تيسر له في مدرسة البلدة حتى السادسة عشر من عمره. اودع الله حسين نفسا تجسد فيها الجمال واهداها رقة نسيمات السحر وعطر ازهار المروج ولطف نور القمر ووهبها خيال النور وقوة الإيمان...في السابعة عشر من عمره ومثل كل شاب يختزن بين أضلعه الحماسة وتجري في عروقه الحيوية أدرك أهمية العمل ليعين أسرته في ظروفهم المعيشية الصعبة فنزل إلى بيروت للعمل في أحد المطاعم وبقي هناك مدة سنة.
في العام 1985 كانت نقطة التحول في حياة حسين حيث تم أسره أثناء عودته من بيروت الى قريته عند أحد الحواجز للاحتلال الإسرائيلي في الجنوب. وأدخل معتقل أنصار ثم أطلق سراحه بعد ستة أشهر من المعاناة والتعذيب التي رسمت لحسين دربا لا يسلكها إلا الثائرون المنتفضون لقضايا شعبهم المظلوم والمستضعف. ففتح الله لحسين باب الجهاد فأقبل عليه الشاب الغيور وهو يعلم جيدا بأن الجهاد لا ينسخ بقلم شاعر ولا ينقش على رخام الأثرياء ولا يرسم بريشة رسام هو تضحية وبذل للنفس وهو باب من أبواب الجنة، إذ قال الله سبحانه وتعالى فيه:" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا".. والجهاد خصه الله لرجال صادقين , عابدين آمنوا بأن الحرية التي وهبهم الله اياها ليست للاستعباد.
لهذا و في أوائل العام 1986 التحق حسين بصفوف المقاومة بعد اطلاق سراحه من الاسر فالشعاع الذي انار نفسه كان أقوى من الظلام ففضل الموت شوقا لبارئه على ان يحيا حياة الملل , حياة القاعدين المتقاعسين.
شارك الفارس في العديد من عمليات الرصد و الاستطلاع فزرع العبوات والالغام يثأر بها للظلم الذي لحق بشعبه يهاجم المحتل الغازي الذي سرق الحلم من عيون الشباب و منهم حسين وصادر الطفولة البريئة من عيون الاطفال. وحسين يعلم بأن الحياة بلا جهاد كالفصول بغير ربيع والجهاد حق و الحرية حق و الحياة بلا حرية كالجسد بغير روح و كبحر بغير أمواج.
سار حسين مع السائرين و راح يقاوم حتى اواخر العام 1989 حيث كانت عملية لوسي التي ألحق بها المجاهدون بالعدو ضربات موجعة غنم خلالها المقاومون من موقع العملية ملالة إسرائيلية وعادوا بها يكبرون ويهللون لهذا الإنجاز الكبير. ولكن أيادي الغدر العبثية وأصحاب القلوب التي تضخ حقدا والنفوس المظلمة نصبت لهم كمين في بلدة مشغرة أصيب على أثرها الشهيد حسين فتم نقله الى المستشفى ليتبين لاحقاً اصابة القامة التي رسمت احرفها الشهب بشلل نصفي وهذا ما شكل منعطفاً جديداً في حياة حسين وسطر له بداية ألم ومعاناة طويلة، ولكن الله أنزل السكينة على قلب عبده المؤمن ليزداد إيمانا وثباتا ودب في روحه العزيمة والإدارة الصلبة التي لا يملكها الا الرجال الرجال...
عانى حسين ما عاناه مدة ثلاثة وعشرين عاماً معاناة يعجز القلم ان يرسم بحبره جرحاً من جروح حسين أو أن يخط بكلمات وجع حسين فالصبر نفسه خجل لصبره ولكن من يستطيع أن يواسي حسين غير العلي القدير وكلماته المباركة في كتابه الكريم"وبشر الصابرين".
سافر حسين مدة شهر إلى بلغاريا للعلاج و لكن بما أن الله سبحانه إذا أحب عبدا ابتلاه وهو الذي جعل الدنيا دار بلاء وامتحان ومن شدة حبه لحسين قضت مشيئته أن يبقى حسين مقعدا لانه جل وعلا أعد لحسين اجرا كريما، فعاد إلى لبنان ليبدأ مرحلة جديدة من العلاج. قضى حسين الجزء الأكبر من حياته في المستشفيات، يخضع لعمليات جراحية عدة...
ومرت الأيام آخذة بحسين إلى شاطئ اللاعودة فشوق حسين للقاء ربه قد اينع واكتمل وهذه الملائكة نزلت من السماء إلى الأرض تطوف حول الجسد المطروح على الفراش مبشرة إياه بالجنة.
في 26-1-2009 أدخل حسين إلى المستشفى بشكل طارئ وهناك قضى الشهيد متأثراً بجراح وآلام طواها ليل شتاء قاس ومظلم لمن كان لهم حسين مدرسة في الصبر والإيمان وأمثولة في التحدي والعنفوان وشهادة حية لأنصار صاحب العصر والزمان"عج" وذلك في27-1-2009..
نقل الجسد الطاهر من المستشفى تسير بجانبه أخيلة الطهر والجمال والملائكة تحمله مرتلة آيات المجد والسلام والفضاء تعطر برائحة الورد والريحان،وحور العين فرشت له سجادة حاكتها من اللؤلؤ والمرجان، والعباس مد اه كفيه لينهض ويسيرا معا على ضفاف الكوثر..
شيع حسين في بلدته وعيون المطر تصب دموعها في كؤوس النرجس مودعا بذلك دار ممر حمل له ما حمل من ألم الدهر ومآسيه لينتقل إلى الدار الآخرة بنفس مطمئنة راضية. أودع محبو حسين جسده الطاهر في التراب ليبقى حيا في ضمير كل من عايش وعرف عذاب سنينه التي عاشها.
رحلت أيها البطل وجراحك قد ازهرت يوماً في أيار واينعت ثمارها في تموز وقطافها آت إن شاء الله في جولة جديدة من حروب الكرامة ..
روى القصة : صديقة موقع المنار "إيمان اليوسف"