29-04-2025 01:01 PM بتوقيت القدس المحتلة

أربعة عقود على حرب تشرين والمستعمرة الصهيونية مخدوعة بذاتها

أربعة عقود على حرب تشرين والمستعمرة الصهيونية مخدوعة بذاتها

كلّما عاد تشرين، تصبح الحسرة العنصر الغالب على الإسرائيليين

كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله

دمشق

احتفل المواطنون في دمشق وغيرها من المناطق السورية بذكرى إنجازات حرب تشرين عام 1973 التي استمرّت 19 يوماً والتي شنّها الجيشان السوري والمصري لاستعادة الأرض العربية المحتلّة بشكل غير شرعي عام 1967.

وفي سورية، كرّم الإحتفال الجنود السوريين الستة آلاف الذين قضوا في المعركة. وهناك الكثير من البرامج التي تتضمّن عرضاً تلفزيونياً خاصّاً، وتسليط الضوء على الصراع مجدّداً، ومعارض فنية ومسرحيات وأفلام وحفلات موسيقية وسباقات فضلاً عن وضع أكاليل من الزهور. وحضر عند صرح الشهيد على قمّة جبل قاسيون مسؤولون عموميون وحكوميون. وبالطبع من دون تجاهل التضحيات المقدّمة اليوم في مصر، يعتبر يوم السادس من تشرين الأول يوم القوات المسلّحة إذ يحيي دور المصريين خلال حرب تشرين.

وبالنسبة للشعبين، فإن كسر مفهوم الإسرائيليين بأنهم جيشٌ لا يُقهر بعد عدوان عام 1967 كان نصراً كافياً بالنسبة لهم.

وبحسب التاريخ، كانت نتائج المعركة مختلطة، إلا أن آثارها السياسية والعسكرية ما زالت غير منسية إذ إنّ القادة الصهاينة يظهرون نوعاً من الإستقطاب الثنائي الجانب. وبات الكثير من المحلّلين و "مؤسسات الفكر" المؤيد للصهاينة يعقدون ندوات حول هذا الموضوع في فلسطين المحتلّة وأيضاً في الولايات المتحدة، مع تساؤل الكثير من الحاضرين عن الخطأ الذي حصل منذ أربعين عاماً. وبالنسبة لكثير من الإسرائيليين، كانت المعركة المفاجئة التي قتلت حوالى 3000 جندي إسرائيلي قد هدّدت بتدمير ما يُسمّى "الهيكل الثالث"، وبالتالي القضاء على آخر المشاريع الإستعمارية في القرن التاسع عشر. ويتمّ التخطيط لندوات "أكاديمية" في منتديات استراتيجية "محترفة" وحتى في مؤسسات الجيش  الإسرائيلي والمؤسسات الإستخبارية تماماً كما يحصل كلّ عام منذ العام 1973.

وما زال الكثير من الإسرائيليين يدينون قادتهم السياسيين لذلك الحين، وبالتحديد "غولدا مائير" التي أصبحت فيما بعد رئيسة للوزراء، فضلاً عن "الأبطال" العسكريين في عدوان عام 1967 الذين لم يكونوا مؤهلين للقيام بواجباتهم العسكرية، بما في ذلك عدم الجهوزية. وكان التزلف للجنرال موشيع دايان في العام 1967 قد انقلب في تشرين عام 1973 حينما رابط معظم العائلات واصفينه بالمجرم لمقتل أبنائهم وبناتهم. وكان الندم على "حرب تشرين" يزداد مع مرور السنوات كنتيجة "العمى والعجرفة والغرور بعد الإنتصار في حرب الأيام الستة" كما يعبّر الكثيرون.

ولم ينكر الجانب العسكري الإسرائيلي أنّ الجنرال "دايان" قد حثّ على استخدام السلاح الكيميائي خلال حرب تشرين. إلا أنّ الأسلحة الكيميائية لم تكُن كلّ ما أراد "دايان" إذناً لاستخدامها.  وفي عدد "نيويورك تايمز" الصادر في الثالث من تشرين الأول 2013، كتب "آفنير كوهين" الأستاذ في معهد "مونتيري" للدراسات الدولية والزميل في مركز دراسات منع انتشار الأسلحة النووية مناقشاً مقابلةً أجريت معه في العام 2008 مع "أرنان أزرياهو" الذي كان بارزاً على مستوى السياسة الداخلية ومستشاراً موثوقاً به لـ "يسرائيل غاليلي"، وهو وزير بدون حقيبة وأقرب حلفاء "غولدا مائير". "كوهين" كتب أن "السيد أزرياهو كان مطّلعاً على معظم الأسرار المتعلّقة ببعض القرارات المصيرية الإسرائيلية. وبعد ظهر السابع من الشهر الجاري، احتدمت المعركة مع القوّات السورية وبدا الجيش الإسرائيلي وكأنه يفقد سيطرته على هضبة الجولان". وقد أضاف أزرياهو أن دايان كان يسعى للحصول من غولدا مائير خلال اجتماع الخزينة الذي حضره أزرياهو أيضاً، على "تفويض مباشر أو خطوات تحضيرية لضربة نووية زعم أنها قد تختصر وقتاً ثميناً وتسمح بتنفيذ الأمر بتفجير قنبلة بسرعة إذا اقتضت الحاجة". ويكمل كوهين: "وإلى جانب وزيريها، قالت غولدا مائير للسيد دايان أن "ينسى الأمر". إلّا أنه أجابها بأنه ما زال غير مقتنع، ولكنّه يحترم قرار رئيسة الوزراء. وقد سعى دايان لذلك إلّا أنه لم يحصل على صلاحيّة استخدام الأسلحة الكيميائية ولا النووية.

ومن الدروس التي جاءت بها حرب أكتوبر هو ما يتمّ مناقشته حول العنجهية التي ولّدها العام 1967 حول "الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر"، وقد كانت بمثابة دعوة للإستهلاك المحلّي إذ أنّ المعارك الكثيرة في جنوب لبنان خلال 22 عاماً من الإحتلال و 33 يوماً من حرب 2006 تفسّر ذلك. وقد بدأت الحرب من دون أيّ شكّ بأن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع الدفاع عن المشروع الصهيوني إلّا إذا حصل على معدّات عسكرية أميركية ضخمة وتمويل غير محدود. فخلال حرب تشرين، قامت الحكومة الأميركية، من دون مساهمة البنتاغون أو الشعب، بتزويد الجيش الإسرائيلي بكمية هائلة من الأسلحة، بما في ذلك تسعة أنواع من القنابل العنقودية الأميركية التي تمّ أخذها من العتاد الموجود في خليج "سوبيك" في الفيليبين ما دفع القائد الأميركي المحلّي إلى الإستقالة معتبراً أن "إفراغ هذه المخازن وضع آلاف القوات الأميركية في فييتنام في خطر". إلا أن الرئيس نيكسون استسلم للضغوط التي مارستها رئيسة الوزراء غولدا مائير ومات آلاف الجنود في متوسّط عمرهم، فيما تمّ استخدام القنابل العنقودية مؤخّراً في حرب لبنان عام 2006.

وقد زوّدت إدارة نيكسون إسرائيل أيضاً بشيء أكثر أهمية وهو الإستخبارات، كالوثائق المتعلقة بطائرة الإستطلاع الأميركية (بلاك بيرد أس.آر-71) التي أظهرت أن الإسرائيليين يعرفون أماكن الإنتشار الكثيف للقوات العربية، كما وتمّ تزويدهم بهذه المعلومات مقابل تحليق هذه الطائرة فوق منطقة الحرب. ومع هذه المعلومات، عرف الإسرائيليون أين يوظّفون الحدّ الأقصى من قوّاتهم. ومهما بلغت أحلامهم بالإكتفاء الذاتي على صعيد تطوير الأسلحة وإنتاجها، كانوا يستمتعون بذلك قبل التخلّي عن الحرب. وقد علمت تل أبيب أنها تحتاج أسلحة استراتيجية وتمويل من واشنطن حتى تستطيع البقاء.

وبعد حرب أكتوبر، جعلت مقاطعة العرب تجارة النفط إسرائيل طرفاً منبوذاً، بعد أن كانوا قبل بضعة قرون على علاقة دبلوماسية مع الدولة اليهودية بدلاً من منظمة التحرير الفلسطينية، التي لم تزعم حتّى السعي إلى أي شيء غير تحرير فلسطين والحق الكامل بالعودة إليها. وقد قدّمت الجمعية العامة في الأمم المتحدة ترحيباً دائماً بياسر عرفات وبعد ذلك بقليل مرّرت الأمم المتحدة القرار الذي عرّف الصهيونية على أنها عنصرية. وكان عرض نتنياهو في الجمعية العامة الشهر الماضي محرجاً إذ قدّم نفسه على أنه عنصري في العدائية المناهضة للمجتمع نوعاً ما، وقيل إن أحد الموفدين الأوروبيين قال بعد خطابه إنه إذا تمّ تصويت مفاجئ على قرار الصهيونية عنصرية الصادر عام 1975 (والمعروف باسم GAR 3379) فسيمرّ مجدّداً، ولكن بهامش أكبر مما حصل عليه في 11 أوكتوبر 1975 وهو 72 صوتاً مقابل 35 آخرين.

وكان إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، قد زعم خلال اجتماعات تشبه اجتماعات اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (أيباك) أن "الدول الأكبر منا التي يفترض أن تكون أكثر قوّة قد انهارت خلال أسابيع بعد تعرّضها لهجمات مفاجئة، أما نحن فقد انتصرنا تماماً عام 1973".

وكانت مؤسسات الرأي والفكر، كمؤسسة دراسات الأمن الوطني في جامعة تلّ أبيب ومركز "بيغن والسادات" للدراسات الإستراتيجية في جامعة "بار-إيلان" قد أصبحت تشكّل عوامل أكثر جرأة في مناظرات الأمن الوطني وقد عرضت بدائل عن سياسات نتنياهو وليبرمان الحكومية. وقد كتب الجنرال إسحاق بن إسرائيل مؤخراً في الإصدار اليميني الصغير بعنوان "ها أمة"، وهو متخصص في الشؤون الإستراتيجية، قائلاً إنّ "إنجاز إسرائيل كان عظيماً لأنها أظهرت لأعدائها عجزهم عن قهر جيش الدفاع الإسرائيلي" حتى في أحسن الظروف.

وقد خدع الرجلان نفسيهما مؤخراً وفشلا في فهم المقاومة العالمية المتنامية ضدّ احتلالهم أرض فلسطين ورفضهم سلب القدس من خلال الإخطاء في ذكر ما حصل منذ أربعين عاماً. وكان البيان الأكثر واقعيّة هو الذي صرّح به وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان الأسبوع الماضي خلال لقاء مع كبار مسؤولي الدفاع إذ قال: "إنّ أحد أسباب فشلنا في بداية الصراع كانت من شعورنا بالتفوق الذي اكتسبناه بعد انتصار العام 1967. فقد كان لدى إسرائيل الكثير من الثقة والغرور وعدم اتّقاء الخطر".

وكلّما عاد تشرين، تصبح الحسرة العنصر الغالب على روح الشعب الإسرائيلي، وصدمةً وطنيةً مسيطرة. ويجب لوم بعض المزاعم، حول شكوك الصهاينة بمواجهتهم مستقبل مشروعهم في فلسطين. وبين الكثير من الإسرائيليين ثمّة شكوك حول حقّ الدولة العنصرية اليهودية بالوجود أصلاً. فإسرائيل تشعر مجدداً بأنها ضعيفة لمواجهة هجمة مفاجئة.

لقد خلّفت صدمة حرب أوكتوبر آثاراً عميقةً على الروح الوطنية وما زالت تؤثر على الإسرائيليين حتى يومنا هذا. وبحسب مركز "جافي" فإن أولها قلق مسيطر من كون القيادة عالقة في مفهوم استراتيجي مشترك يحدد نظرة القادة إلى العالم، وقد يكونوا يقرأون الواقع خطأً ويتجاهلون فرص السلام.

وفي تعليق على مزاعم التقرير بأن إسرائيل الآن أفضل على المستوى الإستراتيجي من أي وقت مضى، يقول المحلّل العسكري في صحيفة معاريف "أمير رابابورت" ممتعضاً: "كانت آخر المرات التي تباهينا فيها بأننا لم نكن أفضل من قبل في خريف العام 1973".

  موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه

فرنكلين لامب متطوّع في برنامج صبرا وشاتيلا للمنح الدراسية (sssp-lb.com) ويمكنكم التواصل معه على بريده الإلكتروني fplamb@gmail.com