25-11-2024 04:39 AM بتوقيت القدس المحتلة

فرنسا على هامش بلاد الشام بسبب هفوات فرانسوا هولاند

فرنسا على هامش بلاد الشام بسبب هفوات فرانسوا هولاند

نصَّب السيد هولاند نفسه كزعيم للحرب الغربية للمرة الثانية في سنة واحدة، إرضاءً للوبي الصهيوني الأمريكي وللمحافظين الجدد في الكونغرس

 

فرانكلين لامب 
ترجمة: ميساء هزيمة    
بيروت

أحسنت فرنسا صنعاً دبلوماسياً في الاونة الاخيرة عندما وقفت ضد التدخل العسكري المتهور في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى. وقد كان الموقف الفرنسي في السياسة الدولية ذا شأن عندما كانت الحكومة الفرنسية حذرة بشأن تدخلها العسكري، وكانت بمثابة الصوت الحكيم في العالم الأوروبي العريق الذي يُسدي المشورة لتهور أصحاب المعالي الجدد في العالم الجديد. عندما قال شارل ديغول لكينيدي، ومن ثم لجونسون في السابق أن يبقيا بعيدين عن الفيتنام، إرتفعت مكانته الدولية كثيراً. وعندما أسدى جاك شيراك نصيحة لجورج لبوش بعدم التوجه الى العراق، تكرَّر الشيء نفسه في التاريخ. التهديد بإستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي من قبل شيراك أنذاك، وشكوك فرنسا حول الأدلة الأمريكية المتعلقة بإستخدام أسلحة الدمار الشامل من قبل( نظام صدام حسين)، وضعت الأميركيين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما السعي للتوصل الى "تحالف الراغبين" خارج الأمم المتحدة أو مواجهة الفيتو الفرنسي.

بالتأكيد، لم يكن هذا واقع الحال مع سوريا عندما قرَّر رئيس فرنسا قليل الخبرة وبشكل متسرع مشاركة "صديقه الأقدم". فلعبت فرنسا بذلك دور القائد الذي قاد أوروبا "لمعاقبة" نظام الأسد. وكان فرانسوا هولاند قد تعهد القيام بذلك مراراً وتكراراً متجاهلاً ما حصل سابقاً في التاريخ.

لاقى الرئيس الفرنسي إستحساناً يستحقه يتعلق بغزو فرنسا العسكري لمالي في كانون الثاني/ يناير عام 2013، ولكن هنا كانت حكومة جمهورية مالي قد طلبت من فرنسا إخماد نيران إنتفاضة إسلامية، وحصل هولاند آنذاك على دعم من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومن الإتحاد الأوروبي، وكذلك من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وقد كافىء الجمهور الفرنسي هولاند، الذي إعتُبر ضعيفا في إدارة الأمور المتعلقة بالسياسة الخارجية، بشكل سريع ولكن عابر، في التقيمات المتعلقة بالموافقة عليه التي عادة ما يكون لها نتائج مزرية. ويرجع ذلك أساساً إلى حالات اليأس الإقتصادي الفرنسي وقيادته المحلية التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها قيادة مترددة.

وعندما نصَّب السيد هولاند نفسه كزعيم للحرب الغربية للمرة الثانية في سنة واحدة، إرضاءً للوبي الصهيوني الأمريكي وللمحافظين الجدد في الكونغرس، وصفت وزيرة خارجية أمريكا فرنسا بأنها "أقدم حليف" لأمريكا، بعد أن رفض البرلمان البريطاني ضربة عسكرية ضد سوريا. ولكن قدرته على إبراز القوة العسكرية الفرنسية فيما يتعلق بسوريا ، توقفت على نتائج التصويت في الكونغرس الأميركي. وعلى الرغم من كلماته الجريئة، وجد الرئيس هولاند نفسه مُقيدا ومربكا، وإختلف مستشاروه ، وإنقسمت بلاده سياسياً حول ما ينبغي القيام به كخطوة قادمة.

وعندما قال جون كيري لفرانسوا هولاند بأن فرنسا كانت "الصديق الأقدم" لأميركا، كان يشير بذلك ايضا إلى الفترة التي تعود الى الجمهورية الأميركية القديمة. فقد ساندت فرنسا أمريكا في عام 1776 وإتحدتا معاً ضد الإستعمار البريطاني . لكن فرنسا تمادت عسكرياً وإقتصادياً، وأشعلت الثورة الفرنسية عام 1789 التي أنهت حكمها الملكي. وكما كتب غوستاف فلوبير، إذ يُقال أنه كان الروائي الفرنسي الرائد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر: "السخرية لا تحجب الشفقة". لذا، يجب على الرئيس هولاند في عهده اليوم إيلاء المزيد من الإهتمام للتاريخ. 

قدَّمت سوريا تحدياً أكثر تعقيداً وأكثر صعوبةً بكثير من مالي. وأصبح الناس على دراية كاملة بأن سوريا ليست مالي. وفجأةً تتالت الأسئلة الصعبة جداً في النقاشات، ومن ضمنها هل يمكننا أن نقوم بذلك؟ هل يحق لنا شرعياً فعل ذلك؟ هل ذلك سيحقق أي نتيجة؟"

كان الرأي العام الفرنسي يقف بقوة ضد الرئيس الفرنسي؛ فقد أظهر إستطلاع للرأي نشر مؤخراً في الصحيفة المحافظة "لو فيجارو" (Le Figaro) التي تصدر يومياً أنَّ حوالى ثلثي الفرنسيين يعارضون أي عمل عسكري ضد سوريا، وكذلك ضد إيران. وكان هناك مطالب متزايدة الشهر الماضي تدعوه للتصويت على هذه المسألة في البرلمان، وسط تكهنات كبيرة بأنه كان ليخسر الكثير في حال صوت. ولكنه في النهاية لم يفعل.

ومما زاد الأمور تعقيداً أكثر بالنسبة للرئيس الفرنسي، كانت تلك التسريبات التي كشفت مؤخراً بأن إدارته الإشتراكية صرفت مئات الملايين من الدولارات في صفقات خاصة بمجلس التعاون الخليجي (GCC) تعفيه من دفع الضرائب التي تتعلق بأراضي وعقارات تملكها العائلة المالكة جرَّاء إستثمارات عقارية تاريخية باهظة؛ (تتملك العائلات المالكة في الخليج الآن بمعدلات الصفقات مساحة الأراضي التاريخية قبالة برج إيفل) الى جانب مشاريع تجارية، بينما يعيش أكثر من 10٪ من المواطنين الفرنسيين في مساكن دون المستوى العادي). فالإنحراف عن المسار الصحيح ، رغم زعم رئيس الحزب الإشتراكي بأنه سوف يساعد فرنسا في الحصول على صفقات جيدة من النفط والغاز، بالإضافة إلى المكافئة الكبيرة التي تحصل عندما يتم إستبدال حكومة الأسد بفريق موالي للغرب، كلها أمور زادت من حجم الضغوطات على هولاند "للعودة الى الوطن فرنسا" والتركيز على المشاكل المحلية المُلحة.

وقد كان لفرنسا موقف محرج آخر متعلق بسوريا، ولكن هذه المرة موقف عسكري متعلق بالإقتراح الروسي لتشجيع الرئيس الأسد للتخلي عن الأسلحة الكيميائية التي تمتلكها بلاده. وكان وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تجاهلا نظيرهما الفرنسي بشكل كبير في المشاورات التي جرت بينهما، مما وضع موقف باريس الصعب من تغيير النظام والغزو العسكري ضد تيار اللعبة الدبلوماسية. وكرد فعل فوري، حاول هولاند - بعد أقل من 24 ساعة على الإقتراح الروسي - إستعادة زمام المبادرة من خلال تقديم إقتراح قرار الى مجلس الأمن الدولي. إلا أن المشروع الفرنسي رُفض على الفور من قبل موسكو، إذ تبين أن الوثيقة إقترحت الموافقة على إستخدام القوة - بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة – في حال عدم الإمتثال للقرار ورفض الأسد بنقل الأسلحة الكيميائية، إلا أن لافروف سخر من هذا الشرط "غير المقبول". وفي نهاية المطاف، لم يكن لفرنسا أي دور موضوعي في حلِّ لغز تفكيك الترسانة الكيميائية السورية. وقد تحقق ذلك فقط من خلال المحادثات الأميركية الروسية مع جهود جانبية من قبل طهران.

وقد كان هولاند نفسه عُرضة للإنتقادات بسبب فشله في تخطي إختبار رئيس متعلق بالسياسة الفرنسية، وتمثل في عجزه عن حماية عنفوان بلاده. لذلك، يفترض على فرنسا الآن بعد أن وافقف بشكل متسرع على المشاركة في العمل العسكري أن تبقى على هامش بلاد الشام ، بينما تأخذ روسيا وأمريكا وإيران زمام المبادرة الدبلوماسية، متبرئين من موقف فرنسا. فهو، أي السيد هولاند، أصبح شبيه بالخادم المطيع، برأي منتقديه.

فرنسا تعد إسرائيل أن تتعامل "بقساوة" مع إيران

يعتبر البعض من أولئك الذين يتابعون هولاند عن كثب أنَّ الرئيس الفرنسي قرَّر التهرب من التداعيات السياسية المحلية والدولية ، فهو بحسب الكثيرين في فرنسا عديم الجدوى سياسياً فيما يختص بسوريا، إذ ربط نفسه برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو. عدد لا بأس به من أعضاء مجلس النواب ال 200 بينهم الأعضاء الذين ينتمون الى حزب هولاند الإشتراكي، يعلقون على هذا أيضاً مشيرين إلى الإذلال الذي أصاب بلادهم جرَّاء تصرفات الولايات المتحدة وروسيا المتمثلة في عدم إحترام وتجاهل الجهود التي بذلتها حكومة هولاند، الذي سعى لكي يكون "لاعب" في ملعب الأزمة السورية.

كان الرئيس فرنسوا هولاند قد طمأن بنيامين نتنياهو يوم 10/11/13، بعد أن حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي باريس من "الخضوع لسحر طهران"، بأن فرنسا ستتعامل "بقساوة" مع إيران بشأن برنامجها النووي المثير للجدل. وقد حث نتنياهو في مقابلة له مع القناة التلفزيونية "فرانس 24" (France24) في 10/10/13، حثَّ فرنسا على أن تتعامل بقساوة مع إيران بغض النظر ما إذا كان روحاني مستبشر أو لم يكن كذلك. وجاءت تصريحاته بعد المصافحة الرئاسية الفرنسية الإيرانية التاريخية التي حصلت على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي والتي تم إنتقادها من قبل الموظفين الإسرائيلين الذين كانوا يرافقون رئيس الوزراء، ، فهم يعتقدون أن المصافحة كانت بمثابة تشجيع للجمهورية الإسلامية. "إذا كانت إيران تريد حقاً تفكيك برنامج أسلحتها النووية، لكانت أفصحت عن ذلك"، قال نتنياهو لقناة "فرانس 24".

ووفقاً لصحيفة "لوموند" (Le Monde)  الفرنسية، قال هولاند لنتنياهو أنه كان مندهش من تردد أوباما بقصف سوريا، وعلق قائلاً: " إذا كان أوباما لن يضرب إيران، كيف يمكن أن نصدق بأنه سيساعد إسرائيل في حالة العدوان الإيراني عليها؟"

وفي إشارة الى ترسانات إسرائيل من الأسلحة النووية والكيماوية، وجهت قناة فرانس 24 سؤالاً الأسبوع الماضي الى نتنياهو تقول فيه لماذا "لم تفصح" إسرائيل عن ذلك أيضاً؟ إلا أن نتنياهو تجاهل السؤال. وبالمثل، فقد غض الرئيس هولاند الطرف كذلك عن السؤال عينه.        

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه

يعمل فرانكلن لامب كمتطوع مع برنامج المنح الدراسية الخاص بصبرا وشاتيلا (sssp-lb.com ) ويمكن التواصل معه عن طريق بريده الإلكتروني fplamb@gmail.com