بعد الظهور الاخير للرئيس السوري بشار الاسد على قناة الميادين في حوار له, كثرت القراءات بطريقة غير مسبوقة لهذا الحديث تحديدا الذي شغل حتى الآن المحللين والمتابعين
موقع المنار - سوريا
قراءات كثيرة شغلت العالم، المتابعون بالملايين ليس فقط ضمن الحدود، بل على مدار الكرة الارضية، الغرف السياسية اكتظت بكوادرها، وتبادلت الأوراق التحليلية لما يقال حينها، جمل كثيرة وصفت الكلام، ومجمل ما جاء أن الحديث هذه المرة مختلف، والنيران التي فتحت كانت واضحة وعلنية أيضا فأحرقت ما أشعلته أيد من بدأ الحرب.
بعد الظهور الاخير للرئيس السوري بشار الاسد على قناة الميادين في حوار له، كثرت القراءات بطريقة غير مسبوقة لهذا الحديث تحديدا الذي شغل حتى الآن المحللين والمتابعين، وعلى وقع الحديث استضاف موقع المنار الدكتور أسامة دنورة الباحث والمحلل الاستراتيجي، ليدلي بقراءته عن حديث الرئيس الأسد.
بداية لخص الدكتور دنورة رؤيته حول مقابلة الأسد على الميادين بقوله "استثنائية بالمعلومات التي وردت فيها، استثنائية بعيار المصارحة الموجودة فيها، استثنائية بوضوحها، ما يدل إلى ان نظرة الرئيس الاسد للأزمة دخلت مرحلة المراجعة والمراحل التاريخية منها، وهذه من علائم الشعور بأنه نصر استراتيجي، برغم أن الرئيس كان متحفظا على النصر، تكلم بطريقة واقعية ولم يحب أن يتكلم بطريقة مطلقة حماسية، حيث أن النصر في منظور الاسد كان مختلفا ، وكل يقرؤه بطريقة مختلقة" .
يرى دنورة من حديث الرئيس السوري، أنه ظهر براحة أكبر حول بعض الامور التي كانت طي الكتمان أو ضمن إطار السرية بشكل أو بآخر، تجلى ذلك في ذكر الدور القطري خلال الأزمة، دور حماس أيضا كما الدور السعودي الذي لم يسبق لأي مسؤول سوري أن تحدث عنه بهذه الطريقة، كما تجلى ايضا برأي دنورة بالحديث لأول مرة عن دور كولن باول خلال زيارته سورية إبان احتلال العراق.
هناك ميزات للخطاب ذكرها وفصلها الدكتور أسامة دنورة وهي كما يلي:
الواقعية السياسية: الابتعاد عن الشعارات، والحديث عن السلوك السياسي السوري، البحث أيضا عن مصلحة سورية، بما في ذلك إمكانية عودة العلاقات انطلاقا من فكرة المصلحة، وهذا يعد مدرسة راقية في ممارسة السياسية ، ما يدل على ترسخ تلك الواقعية، كما أضاف دنورة في هذا السياق " الرئيس الأسد في
جميع خطاباته ينطلق من الواقعية السياسية، ولا ينطلق من الأدلجة الزائدة في التعابير والمطرقات التي يستخدمها، ولا ينطلق أيضا من مبدأ الخطاب الديماغوجي الموجه لتهييج الجماهير، فهو دائما يحترم الجمهور الوطني السوري، يخاطب العقل ولا يخاطب المشاعر، المشاعر بالحد الوطني الأدنى، يخاطب العقل بطريقة الإقناع والوجهة السليمة. ".
النقطة الثانية مما ذكره المحلل في تصنيف الميزات كانت الثقة والوضوح، فبرأيه تجلت في الحديث عن أمور لم تكن واضحة قبل الآن، وتوضيح المواقف بما لا يقبل التأويل، عدة مواقف منها الاستمرار في خيار المقاومة، ايضا تعريف الازمة بأنها استهداف للدور السوري على أساس خياراته التحالفية مع محور الممانعة، وأيضا توصيف العلاقة بالأطراف الاخرى وكل طرف بما يوضح الموقف السوري معه، كتوصيف الدور القطري والسعودي وعلاقته بالغرب، مرجعيته وحدود دوره، كما ذكر الدور التركي تجاه الازمة السورية، والممثل بحكومة أردوغان..
انتقل الى ميزة ثالثة استخلصها الدكتور دنورة من حديث الاسد على الميادين، والميزة هي الوطنية، فيقول "الرئيس الاسد يطور خطابا وطنيا جامعا، يندر وجوده على مستوى السياسيين العرب، ففي حديثه يتكلم عن مصلحة سورية بشكل عام، مبتعدا عن أي مصلحة حزبية معينة، وعن أي اتجاه سياسي ما، يتحدث عن المصلحة السورية من منطلق مصالح بلد يريد استعادة حقوقه وأراضيه المحتلة، كما يبحث الاسد عن التحالفات التي تضمن المصلحة الوطنية.."
لذلك فحسب رأي الدكتور دنورة ، فإن الرئيس الاسد "صاحب مشروع تحول ديمقراطي في سورية، فحول الرئيس بشار الاسد ما يسمى بالشرعية الثورية إلى شرعية شعبية، وبدأ ذلك في إلغاء المادة الثامنة من الدستور، بالتالي رفع ميزة الدور الاستثنائي لحزب البعث العربي الاشتراكي، وفتح الباب أمام الأحزاب الأخرى الجديدة ، لتأخذ دورا وتكون منافسة للبعث في مجال العمل السياسي، فاكتساب أي حزب للشرعية يكون بحجم وجوده على الارض" .
الدكتور دنورة اطلع على كثير من التحليلات لخطاب الرئيس الأسد، وقال " بتقييم المراقب الخارجي، الخطاب هذه المرة ينم عن نصر استراتيجي، فتح النار بهذه الطريقة على دول ساهمت في الازمة السورية بشكل غير مسبوق يدل على أن الرئيس الأسد يقرأ بحرفية التطورات السياسية، وإطلاقه للأحكام بعد الوثوق التام من صحتها."
ويقول: "قرأت الحديث على أنه كلام من يدرك جيدا عوامل التقدم والانتصار في الموقف الاستراتيجي السوري، يعني أصبحت هذه العوامل مقروءة لصناع السياسة السورية، والطريقة التي عبَّر بها الرئيس السوري في ظل وجود خسائر كبيرة في سورية، إن كانت بشرية او في البنى التحتية، لم تجعله يذهب إلى إعلان النصر الكامل، ترك الباب مفتوحا لانتصار لم يكتمل حتى الآن، ويُختلف في تقييمه أما حجم تلك الخسائر، لكن هناك خسائر قابلة للترميم وإلى أن تعود أقوى مما كانت عليه".
من أهم ما ذكره الدكتور المحلل السياسي، لغة الجسد التي استخدمها الاسد، بالتركيز على استخدام الإصبع والتأشير إلى وراء الظهر مع ذكر اسم "أردوغان" رئيس الحكومة التركية مجردا من أي لقب، فكانت بقراءة دنورة "تدل على خيبة أمل كبيرة بأخ طعن أخاه بالظهر، الإشارة للخلف تعني أنه لم يكن متوقعا هذا السلوك ممن كان سلمه ظهره.".
الأرضية التي استند إليها هذه المرة الرئيس بشار الأسد خلال كلامه كانت قوية سياسيا وعسكريا، وهي انتماؤه لمحور المقاومة، إضافة لدعم دول "البريكس" لمحوره المنتمي له، وهذا ما نقله دنورة عن واقع أصبح اليوم جليا للجميع..
دراسات كثيرة اعتمد الباحث الاستراتيجي قراءتها ، وكلها صادرة عن عدو ليس كأي عدو برأيه، أغلبها من أعداء سوريا الدعمين لتأجيج أزمتها بعد صناعتها، ومنها دراسة ذكرها تفيد بأن " عددا من اليهود الحلبيين ينتسبون للوحدة 3200 في جيش العدو الصهيوني" يتوقع هو أنهم موجودون اليوم داخل حلب ليفعلوا ما يفعلونه في تأزيم الأوضاع فيها.
أما الخطاب فهو مقنع جدا وأكثر مما سبقه من خطابات، مقنع حتى للخصوم، والأعداء.
الرئيس الأسد لم يعلن النصر، الرئيس الأسد أجّل إعلانه إلى حين استكماله، لغة الجسد لعبت دورا في تبيان الثقة المطلقة بالانتصار وهو انتصار استراتيجي، فيكفي مبدئيا إفشال المخطط، ضرب المخططين والمنفذين سياسيا، ومن ثم بدء الترميم والتعديل، الانطلاق لن يكون صعبا بعد المراحل التي خاضتها سورية وخرجت منها، فسورية ستخرج منتصرة.