28-11-2024 12:41 PM بتوقيت القدس المحتلة

هل يفتح الرئيس التشيكي الباب أمام صهينة الأقصى؟

هل يفتح الرئيس التشيكي الباب أمام صهينة الأقصى؟

بعد أن ينتخب التشيكيون اليوم ممثليهم إلى مجلس النواب الجديد، تتهيأ حكومة بنيامين نتنياهو للاحتفال بأهم إنجاز لها على صعيد السياسة الخارجية خلال المرحلة الراهنة



رغيد الصلح\صحيفة الخليج "الاماراتية"

بعد أن ينتخب التشيكيون اليوم ممثليهم إلى مجلس النواب الجديد، تتهيأ حكومة بنيامين نتنياهو للاحتفال بأهم إنجاز لها على صعيد السياسة الخارجية خلال المرحلة الراهنة، ألا وهو نقل سفارة دولة التشيك من “تل أبيب” إلى القدس . هذا ما وعد به زيمان، الرئيس التشيكي قبيل زيارته إلى “إسرائيل” في مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي .

إن هذا الحدث يتساوى من حيث أهميته، من وجهة نظر “إسرائيلية”، مع اعتراف العراق خلال السبعينات بدولة ألمانيا الشرقية . فهذا الاعتراف اخترق مبدأ هالشتاين الذين وضعته ألمانيا الغربية الذي تضمن مقاطعة أي بلد يعترف بألمانيا الشرقية ويقيم معها علاقات دبلوماسية . وحتى السبعينات نجحت ألمانيا الغربية في حصر الاعتراف بألمانيا الشرقية بعدد محدود من الدول، كان أكثره ضمن المعسكر الاشتراكي . ولكن بعد الاعتراف العراقي بألمانيا الشرقية، كرت مسبحة الاعترافات بدءاً بالدول العربية ومروراً بدول عدم الانحياز، بحيث فاق عدد المعترفين بمرات عدد غير المعترفين . عندئذ، اضطرت ألمانيا الغربية إلى القبول بالواقع المر وسحب مبدأ هالشتاين من التداول، والتعايش مع واقع الاعتراف بالألمانيتين .

هل يتكرر هذا المشهد ولكن معكوساً هذه المرة؟ هل تنقل براغ سفارتها في “إسرائيل” إلى القدس المحتلة فتكر مسبحة الانتقالات، خاصة في العالم الأطلسي، بدءاً من الولايات المتحدة مروراً ببعض الدول التي تقف اليوم على شفير الاعتراف بالقدس؟ وهل تؤدي هذه التداعيات إلى تدعيم موقف الجماعات الصهيونية التي تريد وضع يدها على الأقصى تمهيداً لتبديل هويته وصلته بالكيان العبري؟

السفير التشيكي في القاهرة سارع إلى التخفيف من وقع تصريحات زيمان . وأعلن أن الإعلام لم يحسن نقل هذه التصريحات، بحيث أخرجت من مضمونها . وللتأكيد، أعلن السفير أن الحكومة التشيكية لم تتخذ أية إجراءات عملية لنقل سفارة بلاده من مكانها الحالي . إضافة إلى هذه التصريحات، سارعت العديد من القيادات والهيئات العربية المعنية إلى التحذير من مغبة تنفيذ قرار من هذا النوع . لقد هدد نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية بمقاطعة الجمهورية التشيكية إذا نفذت الاقتراح، وانتقد صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، وإحسان أوغلو، الأمين العالم لمنظمة المؤتمر الإسلامي، تصريحات زيمان ووصفاها بأنها تعرقل المفاوضات بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، ودعت الأمانة العامة لاتحاد المحامين العرب إلى التصدي له . هل تستطيع هذه الأطراف ترجمة مواقفها إلى تدابير فعلية إذا نفذ زيمان تعهداته إلى “الإسرائيليين”؟

في رد فعله على تصريحات زيمان استند الأمين العام للجامعة إلى مقررات قمة عمان عام 1980 التي هددت بمقاطعة أي بلد يعترف ب”إسرائيل”، أو ينقل سفارته إلى القدس، فهل يكون مصير هذا القرار شبيهاً بمصير مبدأ هالشتاين عندما أطلقت عليه رصاصة الرحمة؟

إن الأوضاع العربية اليوم تختلف اختلافاً جذرياً عن أوضاع الثمانينات، فهل يعتقد د .العربي أن الدول العربية هي في وارد اتخاذ خطوة جماعية بحق براغ إذا نقلت سفارتها إلى القدس؟ إن الانقسام الشديد الذي يسود الدول العربية يعرقل اتخاذ أي تحرك فعال ومباشر من أجل الرد على حكومة براغ إذا قررت الالتزام الذي قطعه زيمان على بلده . ولكن مع ذلك فإن المرء يأمل أن تحول المعطيات الإقليمية والدولية دون تنفيذ هذه الخطوة . خلافاً لهذا الحال، فإن نقل السفارات الغربية إلى القدس سوف يضاعف من العداء للغرب في المنطقة، وسوف ينقل هذا العداء على نحو أشد إلى الدول الإسلامية في تركيا وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى . هذا الاحتمال سوف يحد من قدرة الولايات المتحدة على الانسحاب من أفغانستان خلال العام المقبل، ويجبرها على إبقاء عدد أكبر من القوات فيها .

إن تكريس القدس كعاصمة ل”إسرائيل” وما يجر هذا الواقع من احتمالات على حال الأقصى سوف يلهب مشاعر المسلمين، ويدفع بالعديد منهم إلى الانضمام إلى المنظمات الدينية المتطرفة، وهذا ما تخشاه واشنطن . استطراداً، يتوقع بعض المراقبين أن تعمد القيادة الأمريكية إلى الضغط على الرئيس التشيكي للتخلي عن مشروعه . ولما كانت براغ حريصة على إرضاء واشنطن فإنه من المحتمل أن تطوى مسألة نقل السفارة التشيكية إلى القدس . ولكن هل يكفي أن يعتمد المرء على تدخل واشنطن من أجل حماية القدس من الصهينة؟

المفروض أن يقوم العرب واعتماداً على إمكاناتهم الذاتية بالدفاع عن حقوقهم وعن مصالحهم . إن هذه الواقعة جديرة بأن تنبه الزعامات العربية إلى تداعيات الأوضاع الدولية الخطرة على العرب، وأن تستحثهم على الوصول إلى حد مقبول من التفاهم في ما بينهم من أجل النظر بصورة مشتركة إلى هذه الأوضاع . إن استمرار الأوضاع العربية على حالها يزيد من حجم خطر صهينة القدس . إن هذا الواقع لا يصطدم بالموقف العربي تجاه الصهيونية فحسب، ولكنه يصطدم أيضاً بموقف دولي تجاه القدس . فوجهة النظر العربية هي في الأساس الحفاظ على الطابع التعددي للمدينة، بالمقارنة مع وجهة النظر “الإسرائيلية” الأحادية .

من هذه الناحية، فإن الموقف العربي أقرب إلى التجاوب مع موقف العديد من المراجع السياسية والدينية في العالم (مثل الفاتيكان والكنائس الإنجيلية) التي ترغب في الحفاظ على طابع المدينة التعددي . هذا التقارب يشكل أساساً مناسباً لحملة تقوم بها المراجع السياسية والثقافية والدينية في المنطقة العربية ضد المشاريع الصهيونية في القدس، واستطراداً في كل بلدة فلسطينية يظللها الطابع الثقافي والحضاري المميز لهذه المنطقة العريقة عبر التاريخ .

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه