28-11-2024 12:47 PM بتوقيت القدس المحتلة

تركيا: ترهّل قوّة وصورة

تركيا: ترهّل قوّة وصورة

سلّطت عملية تبادل اللبنانيين التسعة الذين خطفوا في منطقة أعزاز السورية في 22 مايو/ أيار 2012 مع طيارين تركيين كانا خطفا في مطلع أغسطس/ آب الفائت في بيروت الضوء على موقع تركيا وصورتها في الشارع العربي



محمد نور الدين\الخليج "الاماراتية"

سلّطت عملية تبادل اللبنانيين التسعة الذين خطفوا في منطقة أعزاز السورية في 22 مايو/ أيار 2012 مع طيارين تركيين كانا خطفا في مطلع أغسطس/ آب الفائت في بيروت الضوء على موقع تركيا وصورتها في الشارع العربي .

فتركيا التي كانت صور رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان ترفع في شوارع بعض المدن العربية بات مواطنوها لا يستطيعون التجوال بحرية في هذه الشوارع بل هدف للخطف .  وجاءت الدراسة السنوية السابقة التي يجريها مركز البحوث السياسية والاقتصادية لتركيا لتعكس تراجع صورة تركيا لدى المواطن العربي . وبالتأكيد سوف يزداد هذا التراجع في الدراسة المقبلة التي ستأتي بعد التطورات الأخيرة في مصر التي خلعت الإخوان المسلمين عن السلطة . وكانت ردة فعل تركيا حيالها عنيفة للغاية أفقدتها ما كان يمكن أن يكون قد بقي لها من حضور في الساحة المصرية ومعها العديد من الساحات العربية .

وفي موازاة ذلك تأتي التقارير الصادرة عن الاتحاد الأوروبي لتلقي أيضاً الضوء على جوانب أخرى من صورة تركيا التي تفقد حضورها في معظم الدول الشرقية منها والغربية .

ولعل سوء إدارة بعض الملفات وتغليب الأهواء الإيديولوجية على ما عداها من جانب حزب العدالة والتنمية في تركيا من أهم أسباب تراجع هذه الصورة .

ومن أبرز هذه المفارقات أن تركيا التي اشتهرت سابقاً بأدوارها الوسيطة بين الدول أو القوى لحل أزماتها باتت تحتاج إلى وسطاء يحلون لها مشكلاتها . وهذا بدا علناً في عملية تبادل المخطوفين اللبنانيين والأتراك حيث لم تنجح تركيا في أن تتقدم الصورة فاحتلها أطراف آخرون، في قلب للأدوار وافتقاد أنقرة للمبادرة .

اكثر من ذلك فقدت تركيا هيبة يفترض أن تمتلكها الدول الطامحة إلى لعب أدوار كبيرة في محيطها فإذا بها تتحول إلى قوة ترضخ للضغوط ولا تفهم سوى لغة القوة .

والمسؤولية هنا تقع على عاتقها مباشرة وذلك عبر مثالين . الأول ما يتصل بالمسألة الكردية، حيث التزم مقاتلو حزب العمال الكردستاني أولاً بوقف للنار مع القوات التركية، وثانياً بانسحاب عدد كبير منهم من جنوب تركيا إلى شمال العراق، ومع ذلك عندما طرح أردوغان رزمة إصلاحاته اكتشف خواؤها من أي تقديمات تسهم في حل المشكلة الكردية . وهو ما يدفع قادة حزب العمال لإعادة تحريك مسألة العودة إلى المقاومة المسلحة لتحصيل الحقوق الكردية .

والمثال الثاني هو خطف اللبنانيين التسعة في أعزاز قبل أكثر من عام ونصف العام من قبل جماعات مسلحة تتلقى دعماً من تركيا وتوفر لها المأوى . ورغم حساسية القضية وتأثيراتها السلبية في صورة تركيا ارتضت تركيا المكابرة وعدم التعاون لإطلاق المخطوفين حتى وصل الدور عليها عندما اختطف طياران مدنيان تركيان في بيروت الصيف الماضي . وتزامن ذلك مع تحركات لأهالي المخطوفين اللبنانيين ضد المصالح التركية في لبنان الاقتصادية والسياحية . وعندها فقط تحركت الماكينة التركية في اتجاه الحل . فكانت صفقة التبادل بعد ثلاثة أشهر على خطف الطيارين التركيين .

لقد تراجعت هيبة تركيا إلى الحضيض . بفضل السياسات الفئوية التي اتبعتها تجاه معظم القضايا الشرق أوسطية . فخسرت كل جيرانها المباشرين ولم تساعد على التخفيف من حدة المسألة الكردية وخسرت أصدقاء أبعد ولا سيما في الخليج العربي . وكانت الخسارة الأكبر في خروجها المذل من مصر بعدما تعاطت مع ثورة 30 يونيو كما لو أنها ثورة ضد سلطة حزب العدالة والتنمية في تركيا .

وليس واضحاً بعد ما إذا كانت تركيا في صدد إجراء مراجعة لسياستها الخارجية، ذلك أن وزير الخارجية أحمد داود أوغلو لايزال يرى أن تركيا ناجحة في سياستها الخارجية والدليل على ذلك أن وزراء الخارجية لعدد كبير من الدول كان ينتظر بالدور خارج غرفة داود أوغلو في الأمم المتحدة ليلتقوا به، على حد قوله .

ما يميز الولايات المتحدة الأمريكية أنها قادرة على التأقلم مع المتغيرات التي تحدث رغماً عنها في العالم هنا وهناك . وهو الفارق بين الدول ذات الاستراتيجيات الكبيرة بسلوك واقعي مثل أمريكا، والدول ذات الطموحات البعيدة لكن برهانات خاطئة وعنيدة مثل تركيا .

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه