احتفلت «اليونيفيل»، أمس، بيوم مرجعيتها الأساس، الأمم المتحدة. لكن التطورات الأخيرة كشفت أن لقواتها، كلاً على حدة، مرجعيته الإضافية. «اليونيفيل» لم تدخل في جو السياسة المحلية والإقليمية فحسب
آمال خليل
احتفلت «اليونيفيل»، أمس، بيوم مرجعيتها الأساس، الأمم المتحدة. لكن التطورات الأخيرة كشفت أن لقواتها، كلاً على حدة، مرجعيته الإضافية. «اليونيفيل» لم تدخل في جو السياسة المحلية والإقليمية فحسب، بل «تلبننت» أيضاً، حتى طاولتها عدوى التمديد، إذ مددت ولاية قائدها الجنرال باولو سييرا ستة أشهر إضافية.
الأشغال التي لا تهدأ حول المقر العام لقيادة «اليونيفيل»، في الناقورة، توحي كأن قوات اليونيفيل قد وصلت أمس ولم يمض على تعزيز وجودها ثماني سنوات. التجديد والإجراءات المستحدثة لا توحي بمواكبة التطور التكنولوجي واللوجيستي فحسب، بل أيضاً بأن هذا المقر في عين العاصفة التي يتحصن فيها جيداً لكي لا تقتلعه. أكثر ما يطاوله التجديد، بين الحين والآخر، حواجز التفتيش الإلكتروني والكلاب التي تنتشر على كل المداخل، وتبعد المسافة الجغرافية والمعنوية بين حفظة السلام المتحصنين داخل المقر وجيرانهم أصحاب الأرض.
قبالة الأمواج الزرقاء التي تحرس «بلوكات» النفط اللبنانية، استقبلنا قائد اليونيفيل الجنرال الإيطالي باولو سييرا في مكتبه الزجاجي المطل على خليج الناقورة، حتى مشارف فلسطين المحتلة. مجاورته لـ «البلوكات» تدفع الى السؤال عن النفط اللبناني. تنتظر «اليونيفيل»، بحسب سييرا، «توصل اللبنانيين إلى حل سياسي لكي تسهم في تأمين الأمن في البحر من خلال السفن التسع التابعة لقوتها البحرية وتقديم الإمكانات اللوجستية لاستخراج النفط من الحقول في المياه اللبنانية»، ولكنها، حتى الآن، لم تتلق طلباً من الحكومة اللبنانية بشأن النفط «ما يجعل كل شيء معلقاً حتى الوصول الى الحل السياسي».
التمديد لقائد القوة الدولية، لا يزال عرضاً اقترحه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على سييرا قبل نحو شهر، خلال زيارة الأخير مقر مجلس الأمن في نيويورك. العرض سلك الأطر الإدارية اللازمة. أحيل على قيادة الجيش الإيطالي لتوافق عليه قبل أن توافق الحكومة الإيطالية، لكنه أصبح في حكم المقرر لأن الأمم المتحدة تحدد اسم خلف قائد «اليونيفيل» قبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولايته، وتسبقها جولات طويلة من اختيار الدولة التي ستؤول إليها القيادة، ثم ترشيح الأسماء المناسبة من قبل قيادة جيشها. تلك الآلية لم تحصل، بحسب مصادر مواكبة أكدت أن لبنان والأمم المتحدة «توافقا على التمديد لسييرا بسبب الأوضاع الدقيقة التي يشهدها لبنان والمنطقة، لا سيما الأزمة السورية». وتفضل الأطراف المعنية بقاء سييرا، الذي «بات على تنسيق كامل مع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية والفعاليات الجنوبية، وامتلك الخبرة والدراية اللازمتين بالتعقيدات اللبنانية الداخلية، وبمزاج الجنوبيين، وبات يحسن التعاطي معهم واتخاذ قراراته بعد أخذهم جميعاً في الحسبان»، إذ تخشى الأطراف تعيين قائد جديد «قد يمتلك توجهاً سياسياً غربياً عدائياً تجاه الجنوبيين، أو يحتاج الى وقت طويل لكي يستوعب الخصوصيات اللبنانية». علماً بأن «اليونيفيل»، من خلال سييرا، قدمت دعماً لوجيستياً إلى مهمة «الإندوف» في الجولان بعد تأثرها بالأزمة السورية. وأصبح الجنرال الإيطالي على اطلاع على طبيعة مهمة الجولان التي أرسل إليها الكتيبة النيبالية لتعزيز عديدها.
تأثراً، ربما، بالمسؤولين اللبنانيين الذين يزورهم، أعرب سييرا عن سعادته بتمديد ولايته. وينتظر أن يحصد خلال الوقت الإضافي الذي منح إياه، نتائج ما أنجزه طوال عامين. يؤكد أنه يلمس هدوءاً على جبهة الجنوب في مقابل الجبهات المشتعلة في المنطقة، وأنه عاين أول جيل من الأطفال الجنوبيين ينشأون بسلام ومن دون حرب. مع ذلك، يقر بتأثر «اليونيفيل» بالأزمة السورية من خلال تدفق آلاف اللاجئين إلى منطقة عملها. ورغم أن دعم اللاجئين لا يندرج ضمن مهماتها، إلا أن قوات «اليونيفيل»، كلاً على حدة، إلى جانب مكتب التعاون المدني والعسكري، تقدم إليهم مساعدات طبية وتوجههم إلى الهيئات المتخصصة ومفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة.
عين «داعش» على «اليونيفيل»
لكن سوريا لم تلاحق «يونيفيل سييرا» إنسانياً فحسب، بل أمنياً أيضاً. مصادر مطلعة كشفت لـ «الأخبار» أن تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) يضع نصب أعينه الجيوش الغربية في الجنوب الممثلة بـ «اليونيفيل». المعلومات الميدانية التي جمعتها أجهزة الدول المشاركة في القوات الدولية ونقلتها إلى حكوماتها تؤكد تعاظم خطر المجموعات الإرهابية في سوريا. وما عزز من المخاوف، أن أكثر من ألف شخص من أصول فرنسية وألمانية وإيطالية يقاتلون في سوريا مع تلك المجموعات، وقد يستخدمون لتنفيذ هجمات ضد مواطنيهم الذين يخدمون في «اليونيفيل». وقبيل تفجير الرويس، تلقت مديرية الاستخبارات في الجيش في 12 و14 آب الماضي، مراسلَتين سريتين موجهتين من قيادة «اليونيفيل» حول مخططات لاستهداف وحداتها التي تتنقل بين الجنوب وبيروت، بسيارات مفخخة أعدتها جماعات متطرفة وأرسلتها من سوريا. تعليقاً على ذلك، يقول سييرا: «نتلقى دائماً تهديدات، والناس من حولنا يعلمون أن الوضع دقيق، لكننا لا نملك معلومات دقيقة عن هذه التهديدات».
وتعليقاً على انسحاب الكتيبة التركية خشية التعرض لها على خلفية خطف اللبنانيين التسعة في أعزاز. أكّد سييرا أن لا علاقة للخطوة بخطف اللبنانيين أو الطياريين التركيين. وأصرَّ على أن لا أجندات خاصة للقوات التي «تعمل تحت إمرتي وعلم الأمم المتحدة وبموجب أجندة 1701». وحول إجلاء رعايا عائلات موظفي «اليونيفيل»، أوضح أنه مع ازدياد الحديث عن حرب أميركية على سوريا «بدأنا بالاستعدادات ووضع الخطط لمواجهة الحرب المحتملة، ومنها الاهتمام بعائلات الموظفين المدنيين، أي النساء والأطفال الذين يذهب الكثير منهم إلى المدارس». وأكد أن القرار الذي لم يتخذ وبقي معلقاً بقرار الحرب «لم يشمل إجلاء الموظفين أو الجنود الذين يحق لهم أن يؤدوا خدمتهم المطلوبة وهم غير قلقين على مصير عائلاتهم».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه