ثمّة شيء ما تغيّر في النظام الدولي، فتغيّر النائب وليد جنبلاط. لم يرجع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي حليفاً للنظام السوري، لكنّه حتماً فقد الأمل برحيل الرئيس بشار الأسد. جنبلاط لا يحبّ الرتابة في المو
فراس الشوفي
ثمّة شيء ما تغيّر في النظام الدولي، فتغيّر النائب وليد جنبلاط. لم يرجع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي حليفاً للنظام السوري، لكنّه حتماً فقد الأمل برحيل الرئيس بشار الأسد. جنبلاط لا يحبّ الرتابة في المواقف.
لم يعد النائب وليد جنبلاط هو نفسه قائد «ثورة الأرز» عام 2005، أو حتى ذاك المتحمّس لسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد مع موجة سقوط الأنظمة من شمال أفريقيا إلى اليمن. عاد جنبلاط اليوم إلى واقعيته، أو ما يسميه أكثر عارفيه الرئيس نبيه بري، العودة إلى «الخطّ الوطني»، إذ لا ينفكّ رئيس المجلس النيابي يكرّر دائماً بأن «جنبلاط وقت الجدّ لا يحيد عن الخطّ، وهلّق وقت الجد».
والواقعية لا تعني الملف السوري فحسب، بل تظهر أيضاً في ما بات يعبّر عنه جنبلاط في الآونة الأخيرة في العلن وفي مجالسه من انتقادات لاذعة لفريق 14 آذار، عن الرهانات الخاسرة على انعكاسات الضربة الأميركية «الموعودة» على سوريا، والمطالب غير المنطقية في عزل مكوّن أساسي في البلد هو حزب الله، واشتراط انسحاب الحزب من سوريا لتسهيل تأليف حكومة وحدة وطنية، في الوقت الذي يعيش فيه لبنان ظروفاً أمنية مظلمة، وتشتعل طرابلس، ثاني مدينة رئيسية فيه بالقذائف والرصاص.
مع اشتداد الحرب في سوريا، ذهب جنبلاط بعيداً في المعركة الإعلامية ضد النظام السوري، وحاول جاهداً تأليب دروز سوريا على الأسد، وإقناع الجنود بضرورة الانشقاق عن الجيش السوري والالتحاق بالمعارضة المسلحة، فضلاً عن إيواء عدد من المعارضين السوريين والضباط الفارين من الجيش في الشوف وعاليه، وعائلات بعض المسؤولين في «المجلس الوطني السوري» المعارض. حتى إن البعض من «معشر الأمنيين» في قوى 8 آذار والأجهزة الأمنية السورية، يؤكّد أن «جنبلاط عبر مقربين منه حاول أداء دور أمني في الداخل السوري، وخصوصاً في منطقة السويداء وريف دمشق، وصولاً إلى الرقة». باءت محاولات جنبلاط بالفشل، ولا بدّ أن الرجل اقتنع من سياق الأحداث على مدى العامين الماضيين، بأن مسألة تأليب دروز سوريا على النظام مضيعة للوقت.
وبالتدرّج، تحوّل الخطاب الجنبلاطي من ضرورة إسقاط الأسد والنظام السوري ومناشدة الدول المعادية لسوريا دعم المعارضة المسلّحة، والقول بدعم «جبهة النصرة» وتحليل دم الدروز الموالين للنظام، إلى ضرورة التحاور مع النظام ومشاركة المعارضة في مؤتمر جنيف 2 والرضوخ للحلّ السياسي لتجنيب سوريا الدمار والحرب.
كل هذا لا يهمّ. أن تسأل خصوم جنبلاط في لبنان قبل حلفائه عن سبب رفعه سقف الهجوم الكلامي على النظام السوري وعلى الأسد شخصياً في المرحلة الماضية، يعني أن تسمع تبريراً «سياسياً» له. يقول هؤلاء إنه «يقود أقلية تشعر دائماً بالقلق في وسط أكثريات، ولا بدّ له أن يحمي رأسه وطائفته في حال تصارع الدول، والرجل ظنّ أن الأسد سيسقط، وعليه أن يقف مع المحور المنتصر». ويرى هؤلاء أنه «يدرك أن تدخله الكلامي في الشأن السوري لا يقدّم ولا يؤخّر، وبالتالي يمكن رفعه السقف ضد الأسد أن يعوّض عدم قيامه بالمطلوب منه أميركياً وسعودياً في الداخل اللبناني، وهو المساهمة في عزل حزب الله والحرب عليه». ويضيف هؤلاء، إن «سير جنبلاط بحكومة على ذوق حزب الله مع بداية الأزمة السورية، وعزل الرئيس سعد الحريري، كانا كافيين ليقيم التوازن الذي يريده محور المقاومة في لبنان، وعدم تحويل السلطة اللبنانية إلى سلطة معادية لسوريا تزيد من عزلتها، وبدل ذلك، أسهم في بقاء الدولة اللبنانية على الحياد النسبي، مع هامش تحرك واسع في السلطة لحلفاء سوريا في لبنان».
عملياً، لم يقم رئيس الاشتراكي منذ بداية الأزمة السورية على إيذاء النظام السوري بنفس القدر الذي أداه مع بداية «ثورة الأرز» عام 2005، ومساهمته في خروج الجيش السوري من لبنان. وربما على العكس، أسهم جنبلاط في تأمين غطاء سياسي لظهر حزب الله والحؤول دون اضطرار الحزب للجوء إلى الشارع أو قوّة السلاح، حين عزم السعوديون والأميركيون وقوى 14 آذار على عزل الحزب في أكثر من مرّة.
المسألة الآن أبعد من ذلك بكثير. المناخ الدولي الذي بدا مؤاتياً لأعداء الأسد وإيران وحزب الله قبل عامين، تلاشى، بل أصبح ورقة قوّة في يد الأسد وحلفائه. من يسمع كمّ المديح الذي يغدقه مسؤولو الإدارة الأميركية على القيادة الإيرانية الجديدة والرئيس الجديد حسن روحاني، يدرك حجم التبدل الحاصل في العالم والمنطقة، بدءاً من قبول الأميركيين (مرغمين) دوراً روسياً، والانكفاء التركي ـــ السعودي لمصلحة الدور الإيراني. وطبعاً، لا يمكن لجنبلاط بعد هذه التبدلات، وهو «ملك البراغماتية»، أن يسير عكس التيار الجديد، وأن يتصرّف الآن على النسق ذاته الذي تسير عليه قوى 14 آذار، على غير هدى.
على مدى الأشهر الماضية، بدا رئيس جبهة النضال الوطني صلباً في رفض مشاريع 14 آذار تأليف حكومة أمر واقع، أو أي شكل من الحكومة يمكن أن يعزل حزب الله، وكان في كلّ مرة يسوّق فيها «الآذاريون» مشروعاً حكومياً لا يتناسب مع مبدأ الشراكة اللبنانية التقليدية، كان يدفنه جنبلاط في مهده.
وأخيراً، أحبط رئيس الاشتراكي محاولة قوى 14 آذار الضغط على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لدفعه إلى التخلي عن مسؤولية تصريف الأعمال بحجة عدم استعداده لتولي مسؤولية البلاد في حال فراغ رئاسة الجمهورية، إذ حاولت 14 آذار الإيحاء لميقاتي، بأن تخليه عن مسؤوليته في قيادة الحكومة المشلولة، سيدفع حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر إلى تعويم حكومته من جديد. بينما الهدف الحقيقي من الضغوط على ميقاتي هو دفع رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تأليف الحكومة تمام سلام إلى إصدار مرسوم تألبف حكومة جديدة، بغضّ النظر عن حصولها على ثقة المجلس النيابي، فالمطلوب عزل حزب الله بأي شكل من الأشكال. فيما، أُبلغ المعنيون في 14 آذار، أنه في حال القيام بهذه الخطوة، فإن حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر لن يسلّموا وزاراتهم للوزراء الجدد، وستكون البلاد أمام مشهد مماثل لما حصل عشية نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل عام 1988، وانقسام السلطة بين حكومة الرئيس سليم الحص وقائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون.
ليس صعباً على الرجل الذي أعلن «انعطافته» الشهيرة في 2 آب 2009 إلى جانب سوريا وحزب الله بعد سنوات من العداء، أن يخرج إلى العلن بـ«انعطافة» جديدة قاسية كتلك، بعد سنتين من العداء للنظام السوري. ورغم أن الأسد بات يستعمل فكرة مشاهدة جنبلاط في دمشق على سبيل المزاح، ورغم أن زعيم المختارة لا يخفي الحقد الذي يكنّه للقيادة السورية منذ زمن طويل، يردّد مسؤولون أمنيون بارزون في دمشق أنه «على الرغم من جراح دمشق النازفة، إلّا أنها قد تقبل عودته بمعزل عن الشكل والتوقيت».
الموضوعات المدرجة تعرض أبرز ما جاء في الصحف، وموقع المنار لا يتبنى مضمونها