هي دعوة للنساء الراغبات في القيادة إلى كسر الحظر المعمول به في السعودية ليصبح الأمر متاحاً أمام الراغبات القادرات على تحمل عبء هذه المسؤولية، والتخلّص من الصورة السلبية التي سُخر لرسمها أبواق دينية واجتماع
«ملّيت من العمل سائقاً لإخواتي الست»، «دعوهن يَقدْن السيارة ودعونا نتفرغ لأعمالنا».
«قبل 22 سنة قمت بالقيادة في الرياض لأجل أبنائي.. لقد آن الأوان أن تفعل ابنتي ذلك»
«أرضاها لأختي»
مريم ترحيني / جريدة السفير
ربّما ستصل المرأة السعودية إلى القمر قبل أن ترخي بجسدها على المقعد الأمامي خلف مقود السيارة. أمرٌ صعب. محاولاتٌ متفرقة لغسل دماغ المجتمع السعودي، ليصبح الحقّ الذي يولد بشكل طبيعيٍّ مع الإنسان، تماماً كحقّه بالحياة والكلام، أمراً شاقّاً لا يجوز النقاش فيه. ولتتحوّل المرأة المطالبة بأبسط الحقوق إلى متمردة تسعى إلى إنزال السعوديات من مرتبة الأميرات إلى مرتبة عامة الشعب. إلى الآن، ما زال الحظر يرافق القضية، قيادة المرأة للسيارة في السعودية، أحد خطوط الدفاع للنظام الذكوري المسيطر على أرجاء المملكة، البلد الوحيد في العالم الذي تعدّ قيادة النساء فيه للسيارات أمراً محظوراً.
كلّ الحجج ظلّت جاهزة: محاولات تغريبٍ لبلاد الإسلام والمسلمين، جعلها شبيهة بالكفّار الذين يسمحون لنسائهم بالقيادة، الماكينة اغتصاب لعفّة المرأة السعودية، هلاكٌ أحمر لنسائنا، عادةٌ سريّة... كلّ ما يخطر ببالك أو لا يخطر يحشر في ساحة الدفاع عن الحظر الخطير: النساء اللواتي يقدن السيارة ملعونات يستحققن الجحيم، سيتعرضن لأنواع التحرّش كافة، وآخر الحجج كان أنّ في قيادة النساء للسيارات ما يعرّضهن لأذى في المبيض يطال قدرتهن على الإنجاب.
العام 2011 كانت إحدى المحاولات، قادتها امرأة تُدعى منال الشريف، رفضت أن تظلّ في المقعد الخلفي للسيارة. القضية التي تبدو أقل من أن يُطالب بها المرء صارت حلماً صعب المنال لشريحة واسعة من الفتيات والنساء السعوديات.
انطلقت الحملة تحت عنوان «سأقود سيارتي بنفسي»، وتفاعلت معها أوساط سعودية عدة. أوقفت الشريف من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إثر قيادتها للسيارة في شوارع مدينة الخبر، احتجزت، وتمّ إطلاق سراحها بكفالة وتعهّد بعدم قيادتها مرة أخرى.
في 26 تشرين الاول/أكتوبر 2013، ستكون المحاولة الرابعة بعنوان «القيادة خيار وليس إجبار». حملةٌ انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي، هدفها تمكين الراغبات في قيادة السيارة في أرجاء المملكة من القيام بهذا العمل دون التعرض للملاحقة من قبل الشرطة أو رجال الهيئة. الحملة التي انضمّ إلى صفحتها أكثر من 200 ألف عضو ما لبث أن تمّ حجبها من قبل هيئة مراقبة الإنترنت.
هي دعوة للنساء الراغبات في القيادة إلى كسر الحظر المعمول به في السعودية ليصبح الأمر متاحاً أمام الراغبات القادرات على تحمل عبء هذه المسؤولية، والتخلّص من الصورة السلبية التي سُخر لرسمها أبواق دينية واجتماعية عدة. حتى أن عدداً من نساء مجلس الشورى السعودي رفعن توصية إلى الملك طالبن فيها بالسماح للنساء بقيادة السيارة في السعودية بما يرتئيه الشرع وتضبطه الأنظمة المرورية. ثلاثة أعضاء من المجلس قدّمن دراسةً كاملة تضم الحجج والبراهين الشرعية والنظامية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية التّي تجعل من السماح بالقيادة أمراً ملحّاً لنساء عديدات في المملكة. غير أن مجلس الشورى رفض النظر في الالتماس واعتبره مخالفاً للأنظمة ومن غير المسموح مناقشته. وكانت السعودية قد رفعت الحظر في بدايات العام الحالي على قيادة المرأة للدراجات الهوائية والنارية (الدبّاب) بشرط تواجد محرم والتزام الحدائق العامة والمنتزهات دون التوّسع إلى الطرقات العامة.
يبدو الأمر حراكاً جدياً. نسوة عديدات قمن بقيادة السيارة في شوارع الرياض ورفعن فيديوهات قيادتهن على موقع اليوتيوب، صور عدة مؤيدة للحملة من رجالٍ مللن الاعتماد الكامل في التنقلات عليهم، ومن دول الخليج المجاورة للسعودية، حيث النساء يملكن حق قيادة السيارة وحقوق أخرى تفوق ما تطالب به المرأة السعودية.
ويبدو أيضاً أنّ الحكومة لن تسمح للأمر أن يمر ببساطة، غير أنّ السعوديات يراهنّ على الوقت القادر على تذويب الصدأ المقيم في بعض العقول، وهو الوقت الذي جعل من خروج المرأة للعمل في الأسواق العامة أمراً طبيعياً بعد أن كان محظوراً، الوقت الذي مكّن السعوديات من الدراسة في المدارس والجامعات، والابتعاث إلى بلاد الخارج، وأخذ الشهادات العليا، الوقت الذي جعل رؤية عاملة الصندوق في المحال أمراً مهنياً بحتاً لا يحمل أي دونية للنساء الراغبات في استغلال طاقتهن المهدورة بدلًا من الاعتماد على طاقةٍ أجنبية وافدة وهائلة.
لا شيء في قانون السير المعمول به في السعودية يذكر الحظر على الإناث، مجرد عادةٍ اجتماعية تشرّبها المجتمع، لتصبح نوعاً من المقدّس، تماماً كحجة منع الفتيات من التعليم في المدارس في بلاد طالبان، أو حجة تزويجهن وهنّ صغيرات في اليمن. لا قانون سن هذه العادات بل مجرد أعراف التصقت بها الأنظمة ورأت في مخالفتها عهراً ومفسدة لنسائها وفتياتها المحفوظات في المنزل.
المسألة ليست في السماح للنساء بقيادة السيارة... التي نالت كماً هائلاً من الفتاوى الدينية المناوئة لها في السعودية، بقدر ما هي في قبول المرأة كشريك أساسي في المجتمع، والسماح لها بأن تنخرط في الانتخابات البلدية تصويتاً وترشيحاً (ليس قصراً للمرأة على مستوى البلديات، ولكنها الانتخابات العامة الوحيدة التي تجري)، وأن تكون عضواً فاعلاً على الصعد والساحات كافة.
* كاتبة لبنانية مقيمة في السعودية