يحط السيد الاخضر الابراهيمي المبعوث الدولي (لم يعد مبعوثا عربيا) الرحال في العاصمة السورية الاثنين في اطار جولاته المكثفة لتهيئة الارضية لانعقاد مؤتمر جنيف الثاني
عبدالباري عطوان - رأي اليوم
يحط السيد الاخضر الابراهيمي المبعوث الدولي (لم يعد مبعوثا عربيا) الرحال في العاصمة السورية الاثنين في اطار جولاته المكثفة لتهيئة الارضية لانعقاد مؤتمر جنيف الثاني، ولكن من غير المضمون ان يلتقي الرئيس السوري في زيارته هذه التي تأتي بعد قطيعة استمرت ستة اشهر تقريبا.
السيد الابراهيمي ارتكب خطيئة كبرى في نظر النظام السوري، ما كان يجب عليه ان يقدم عليها وهو الدبلوماسي الخبير، تمثلت في مطالبته الرئيس السوري بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية منتصف العام المقبل، فاذا كان ابن جلدته الرئيس الجزائري الثمانيني عبد العزيز بوتفليقة المريض المنهك يستعد لخوض انتخابات الرئاسة في بلاده في نيسان (ابريل) المقبل لولاية رابعة، فهل يعتقد ان الرئيس الاسد الذي يعتقد انه بات على وشك الانتصار على خصومه، بعد تغير الموازين والمعادلات الدولية، وعلى جبهات القتال خاصة، وتراجع بعض دول الجوار مثل تركيا عن اندفاعتها للاطاحة بنظامه، يمكن ان يأخذ اسرته واطفاله، وستين شخصا من المقربين منه، ويرحل الى موسكو، او يقبل دعوة المنصف المرزوقي رئيس تونس (لا نعرف اذا كانت ما زالت قائمة) باللجوء الى بلاده والاقامة فيها، بعد صمود استمر عامين ونصف العام توقع خلالها الكثيرون سقوطه بعد اشهر؟
الرئيس الاسد قال في مقابلته الشهيرة مع قناة “الميادين” انه لا يوجد اي مانع يحول دون ترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة اذا تحدد موعدها (من المؤكد انها ستؤجل هي الاخرى) مثلما لمح الى انه يمكن ان “يغفر” للسيد الابراهيمي خطيئته التي ترتقي الى “ام الكبائر” شريطة ان يلتزم الحياد، اي ان يكف عن تبني مطالب المعارضة، واصدقاء الشعب السوري بضرورة تنحيه، رغم ان هؤلاء الاصدقاء تراجعوا عن هذا المطلب في اجتماع لندن الاخير.
المبعوث الدولي ادرك جيدا ان مفتاح ابواب دمشق موجودة في طهران، ولهذا طار اليها، ووجه لها دعوة غير مشروعة لحضور مؤتمر جنيف، وكان لهذه الزيارة مفعول السحر، وحققت له تلبية شرط الحياد السوري.
الاهتمام الامريكي بالملف السوري يتآكل بسرعة، وادارة اوباما باتت اقرب الى الرئيس الاسد من المعارضة والدول العربية الداعمة لها، فاهتماماتها باتت منصبة على جنوب شرق اسيا وافريقيا، واعتمادها على نفط الخليج يتراجع بسرعة بفضل اجراءات توفير استهلاك الطاقة اولا والنفط والغاز الحجريين ثانيا، مضافا لذلك انها لا تريد حروبا تلبية لطلبات حلفائها المذعوريين من ايران وحزب الله، ويريدونها ان تكون مثل كلاب الحراسة.
وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني قالها لنظرائه العرب الى جانب نظيره التركي احمد داوود اوغلو بان الحل العسكري مستبعد كليا، ولا بديل عن الحل السياسي، وذلك اثناء اجتماع لندن لاصدقاء سورية “المعتدلين”، وطالب المعارضة بتقديم تنازلات والقبول بالحل الوسط، اي التعايش تحت مظلة النظام الذي يريدون تنحيته.
ممثلو المعارضة السورية قالوا انهم لن يجلسوا مع الاسد على مائدة الحوار في جنيف او غيرها، ولن يشاركوا في مؤتمر تحضره طهران، ولن نستغرب اذا ما قال لهم كيري في المستقبل القريب جدا، افعلوا ما شئتم، او بلطوا البحر، سنجد البديل عنكم ومثلما استبدلنا الائتلاف الوطني بالمجلس الوطني سنجد من يستمع الينا وما اكثرهم.
الاسد بدوره قال انه لن يجلس مع الارهابيين، ولا يعترف بالمعارضة الخارجية، واذا اضطر للتفاوض فسيتفاوض مع اسيادها في مقابلة الميادين نفسها، وهذا حكم آخر باعدام مؤتمر جنيف، فاذا كان هذا هو حال السلطة والمعارضة تجاهه فمن سيحضره اذن؟
هناك ثلاث قوى رئيسية على الارض، النظام والجماعات الجهادية والجيش السوري الحر، والثلاث لا تعترف او معظمها بالائتلاف الوطني، بل ان اعضاء في قيادة الائتلاف انشقت عنه، وبالامس اعلنت 19 جماعة اسلامية مقاتلة اخرى بقيادة صقور الشام عدم اعترافها بالائتلاف، وتلى ممثلها السيد احمد عيسى الشيخ بيانا اعتبر المشاركة في مؤتمر جنيف 2 خيانة عظمى يستحق من يقدم عليها المثول امام المحاكم الشرعية بهذه التهمة التي عقوبتها الاعدام.
الجماعات الجهادية تمثل الاكثرية على الارض، وينضوي تحت لوائها حوالي 70 الف مقاتل، بينما يعاني الجيش السوري الحر من الانقسامات بين جناحي اللواء سليم ادريس والعقيد رياض الاسعد المؤسس لهذا الجيش، وهناك انباء عن انضمام المئات من هذا الجيش للجماعات الجهادية، وهذه الجماعات هي التي سترسم خريطة سورية المستقبل سلبا او ايجابا.
اصابع امريكا وارجلها احترقت في افغانستان فقد تحالفت مع بعض هذه الجماعات وسهلت عمليات تسليحها وتدريبها لاخراج القوات السوفيتية من افغانستان، الهدف تحقق فعلا لكن هذه الجماعات انقلبت عليها البلدان الخليجية التي مولتها، وباتت الخطر الاكبر على الغرب وما زالت وافسدت مشاريعه في المنطقة، الآن هناك في امريكا من لا يريد تكرار هذه الخطة، فماذا سيحدث في السعودية والاردن ولبنان بل وفي اسرائيل اذا عادت هذه الجماعات بخبرة عسكرية قتالية متطورة الى بلدانها؟
المملكة العربية السعودية تجد نفسها هذه الايام تخوض حربا بالانابة ضد ايران في سورية، ربما تطول لسنوات او لعقود دون مساعدة الحليف الامريكي الذي خذلها بالحوار مع خصمها الايراني، واعطى الشرعية لنظام الاسد التي تريد اطاحته بأي طريقة ممكنة، الخذلان الامريكي بدأ يطل برأسه عندما طلبت السلطات السعودية من حليفها الامريكي ان يزيد عدد السفن الحربية في الخليج في ذروة اقتراب الضربة العسكرية الامريكية للاسد بسبب استخدامه اسلحة كيماوية ضد شعبه فجاء الرد الامريكي باردا: لا نملك سفن كافية لمواجهة اي انتقام ايراني ضدكم.
احتمالات عقد جنيف مطلع هذه العام مثلما قال السيد الابراهيمي شبه معدومة، ولعبة التأجيل ستظل مستمرة والشيء الوحيد شبه المؤكد ان نظام الاسد باق وبدعم من امريكا واوروبا تطبيقا للمثل الغربي الذي يقول “اذا لم تستطع هزيمتهم انضم اليهم”.
الحالة الوحيدة التي سيعقد فيها مؤتمر جنيف هو ظهور تحالف بين النظام والجيش الحر، او ما تبقى منه، لمواجهة الجماعات الجهادية، ويبدو ان هناك جهودا مبذولة لقيام هذا التحالف بعد وصول انباء مؤكدة عن لقاءات سرية بين ممثلين عن النظام وآخرين عن بعض اجنحة الجيش الحر تحت مظلة الامم المتحدة في بيروت.
ويقال ان الدكتور هيثم مناع رئيس هئية التنسيق السورية في الخارج شارك فيها، واتصلت به شخصيا للتأكد من هذه المشاركة لكن هاتفه كان مغلقا.
السيد معاذ الخطيب الرئيس الاول للائتلاف السوري الذي طار الى قمة الدوحة العربية على متن طائرة خاصة اقلته من القاهرة (اين هو الآن وما هو دوره) تعرض لهجمات شرسة عندما تقدم بمبادرة جريئة ومفاجئة طالب فيها النظام بالافراج عن 160 الف معتقل وتجديد جوازات السوريين الذين تقطعت بهم السبل في البلدان العربية والاجنبية لتسهيل امورهم المعيشية، الغرب يدفع حاليا بالحوار على اسس كهذه بين النظام والمعارضة ودون اي كلمة عن تنحي الاسد او التنازل عن صلاحياته السيادية.
الحل العسكري مستبق من وجهة نظر اصدقاء سورية والحل السياسي غير ممكن لتباعد المواقف بين النظام والمعارضة والجماعات الاسلامية الجهادية تستعد لاعلان الحرب على الطرفين والعكس صحيح، وسيستمر الصراع، وسقوط الضحايا، وسيتقاعد السيد الابراهيمي، وسنستمر نحن وغيرنا في كتابة المقالات التحليلية، ونبحث عن زوايا جديدة، وسيذهب الجربا مثلما ذهب معاذ الخطيب ومن قبلهما برهان غليون والباقي لفهكم!
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه