المعضلة هي في تركيبة اجتماعية جامدة تسود فيها أعراف القبيلة في نظرة الفرد للآخر. بنية متحجرة تتعدّى السعوديّة، لتطال مجتمعات عربية أخرى
انتشر الفيديو الفضيحة (1:53 د) خلال الأيام الماضية على صفحات الإعلام الجديد وفي نشرات الأخبار. بواسطة هاتف محمول، حيث شخص مجهول الهويّة يصوّر عمليّة تعذيب تعرّض لها عامل نظافة من جنسيّة آسيويّة، ذهب ضحيّة الضرب المبرّح من رجل سعودي، اتهمّه بمعاكسة زوجته.
حسن نصور / جريدة السفير
في الحقيقة، لا يتيح الفيديو فهم سبب الجلد والركل الذي يتلّقاه العامل الآسيوي، بشكل واضح ومفهوم. لكنّ السبب يصبح تفصيلاً، أمام قسوة الصورة. أوّل ما نراه في الشريط، وجه العامل الآسيوي، بعينه اليمنى المتورّمة من جرّاء الضرب، راكعاً على الأرض، ويتوسّل صاحب البيت أن يغفر له. ثمّ تتوالى اللكمات التي يوثّقها حامل الهاتف المحمول، الواقف بجانب صاحب البيت، قبل أن يبدأ بجلده وضربه ضرباً مبرّحاً.
للعامل هوية، اختلفت المصادر في تحديدها، منهم من قال إندونيسياً، ومنهم من قال بنغالياً، ومنهم من قال هندياً. لكننا لا نعرف حتى الآن ما إذا كان ذلك الفيديو، سيثير أزمة بين بلد الضحيّة، وبلد الجلاد. ولا ندري كيف وصل عامل النظافة إلى منزل الجاني. ولا نعرف الهدف من تصوير تلك الجريمة. فهل أراد الجاني ومَن معه مثلاً مشاهدتها فيما بعد، والتلذّذ بها؟ أم أنّه وجد لنفسه الحقّ في ارتكاب ما ارتكبه، من دون وعي؟ أم أنّه على الأرجح يدرك تماماً ما اقترفته يداه، لكنّه يركن إلى نظام اجتماعي بقوانين وأعراف راسخة، لا يمكن فيه لأمثال ذلك العامل المسكين، أن يقاضوا مواطني الدرجة الأولى؟ السؤال في الأصل: ما المسوّغ الذي يدفع إنساناً من لحم ودم، إلى التباهي بساديّته ووحشيّته أمام الكاميرا؟ هل كان الهدف من التصوير توثيق رجولة الجاني، ودفاعه المستميت عن «شرفه»؟
في هذا الحيز لا مكان للخوض في أسباب وتبريرات عن ذنب مفترض للضحيّة. في المشهد الذي تفشّى على صفحات الإعلان الجديد، لا تفسير واضحاً لذلك الذنب. فالمسألة تتعدى كونها حادثاً فردياً، أو شريطاً توثيقياً لجريمة عابرة.. بل تتجاوز ذلك لتطال السؤال الجذري عن العنصرية التي تتحكم في البنية الثقافية السائدة. كأنّ تلك الصورة المشوّشة لجلد عامل آسيوي، خلف جدران غرفة مغلقة، خلاصة دقيقة عن ثقافة تضع العمال الوافدين من بلاد بعيدة لتحصيل لقمة عيشهم، في مرتبة بشريّة أدنى. ثقافة تبيح لأرباب العمل ممارسة شتّى أنواع الاضطهاد والتعذيب، بحجج واهية.
المعضلة هي في تركيبة اجتماعية جامدة تسود فيها أعراف القبيلة في نظرة الفرد للآخر. بنية متحجرة تتعدّى السعوديّة، لتطال مجتمعات عربية أخرى. مجتمعات كنا لوهلة نظن أنها قد حققت مكتسبات مدنية معقولة تتيح لها اقتلاع أو تجاوز الاستعباد الحديث..
ربما لا يكون ذلك مستغرباً، في بلد ما زالت المرأة تكافح فيه لنيل حقّ بديهي في قيادة سيارة. الفيديو الذي انتشر على صفحات الإنترنت، تحوّل إلى حديث صفحات «تويتر»، تحت وسم بعنوان «سعودي يضرب عاملاً». وكتب أحد المغرّدين: «ما فعله جريمة بحق الإنسانيّة، هل نعيش في غابة؟» وسأل آخر: «بالله عليك، أهذا من أخلاق مسلمين؟ لو هذه رجولة أنا لا أتشرف أن أكون رجلاً». ورأى بعض المغرّدين من السعوديّة أنّ ما قام به الجاني صحيح، لكنّهم عاتبوه لأنّه قام بتصويره. في حين علّق أحدهم: «ابصم لكم بالعشرة لو اللي مغازل زوجته رجل سعودي، ما كان ليفعل ربع ما فعله بالعامل».