27-11-2024 05:56 PM بتوقيت القدس المحتلة

إيران إلى سوق النفط والعين على الســعودية

إيران إلى سوق النفط والعين على الســعودية

عملت أميركا عقوداً طويلة على ضمان الإمدادات النفطية السعوديّة (رغم تحفظ تيارات كثيرة فيها على الارتهان للوهابية) فهل يؤدي الخلاف على سوريا فعلاً إلى تهديد الديناميات القائمة في سوق النفط؟

النفط الإيراني يتميز بأنه عالي الجودة باعتراف جميع الخبراءكتب الصحافي والمحلل الاقتصادي حسن شقراني، في جريدة الأخبار، في عددها الصادر صبيحة اليوم، مقالا في غاية الأهمية. يتنبأ فيه بعودة النفط الإيراني إلى السوق العالمية من بابها الأوسع. وفي هذه الحال يصبح النفط السعودي وانتاجيته "المفرطة" في أزمة حقيقية، إلى جانب ما يتوقع للولايات المتحدة الأميركية من تدفق عالي الانتاجة في النفط الخام.

وذكر الكاتب مقولة لمايك موريس، المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية في فيلم The Ides of March: «لا تدفنوا رؤوسكم في رمال السعودية والعراق، فلنطلق السيارات التي تعمل على الهيدروجين، ولنحقّق السلام العالمي».

ونقلا عن تقارير لخبراء، في الدوائر الضيقة، يؤكد الكاتب أنّ إيران، التي تُعدّ أحد المنتجين الخمسة الكبار للنفط، مستعدة لتأمين إنتاجها في السوق العالمية بأسعار منخفضة إذا جرى تخفيف العقوبات الغربية المفروضة عليها. وأن  المعلومات من طهران تُفيد بأنّ «المحادثات غير الرسمية مع البلدان المهتمة والتجار النفطيين تتطوّر إيجاباً على نحو سريع»، وبأن «الأجواء تُفيد بتفاؤل كبير»، وفقاً لما نقلته أخيراً الشركة البريطانية المختصة بقطاع النفط، Oil & Energy Insider، عن مصادرها الإيرانية.

عودة اللاعب البارز :
ويرى صاحب التحقيق أنه على وقع الأزمة السورية التي تتجه صوب تسوية قريبة تقوم على الأهداف المشتركة لإيران، روسيا والولايات المتّحدة، تمثّل مدخلاً لعودة أحد أبرز اللاعبين النفطيين إلى السوق العالمية. ويفسّر أصحاب هذه النظرية تحليلهم بالإشارة إلى أنّ البرنامج النووي الإيراني لطالما كان واجهةً يُعرض عليها الغسيل بعد معالجته في الغرف الخلفيّة، حيث تُعد السياسات الفعلية ويقاتل كل طرف حفاظاً على مواقع استراتيجية أو طلباً لأرباح جديدة.

ولكن يبقى بنظر أصحاب هذه النظرية أن العقدة الأساسية في معادلة العودة الرسمية الشرعية لإيران إلى سوق النفط مرتبطة بموقف الغريم الأول إقليمياً، السعودية. إذ يُمكن مقاربة هذا الموقف عند مستويين. الأوّل يُلحظ في منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) التي تقودها السعودية، لكونها المنتج الأكبر والأقوى فيها. فأيّ إنتاج نفطي شرعي لإيران يدخل السوق العالمية يجب أن يمر عبر هذه المنظمة لقياس الكوتا وضمان المعايير المحددة. ولكن أن تعود إيران إلى السوق يعني زيادة في المعروض، وبالتالي تراجعاً في السعر.

وعندما تصاعدت العقوبات المفروضة على إيران (حيث لم تعد طهران قادرة على تصريف إنتاجها إلا خلسة وبعيداً عن أعين المراقبين) كانت السعودية الطرف الذي اعتمدت عليه أميركا والغرب عموماً لتعويض النقص المسجّل في السوق.

تعاظم الشرخ :
ولكن بعد التحولات الأخيرة في المشهد الأميركي - السعودي، والتقارب الأميركي - الإيراني، بدأ يفرض تغيرات إقتصادية - نفطية- بالدرجة الأولى. فالشرخ يتعاظم ويهشّم علاقة قامت في الأساس على خلق توازن في سوق النفط، الذي بقيت الولايات المتّحدة المستهلك الأول له قبل أن تتخطاها الصين أخيراً، لكن هل الإدارة الأميركية غبية إلى هذه الدرجة؟. لقد عملت أميركا عقوداً طويلة على ضمان الإمدادات النفطية السعوديّة (رغم تحفظ تيارات كثيرة فيها على الارتهان للوهابية) فهل يؤدي الخلاف على سوريا فعلاً إلى تهديد الديناميات القائمة في سوق النفط، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بما لا يُمكن بلدان الغرب تحمّله؟.

العلاقات الأميركية السعودية في تدهوريجيب الكاتب أنه هناك معطيات كثيرة واضحة حالياً تُحدّد المواقف الأميركية في سوق النفط. فالخبر الأهمّ في هذا القطاع حالياً هو أنّ الولايات المتّحدة، معتمدةً على تقنيات الحفر الحديثة للوصول إلى النفط الصعب، هي على طريق العظمة النفطية الفعلية، إذ ستُصبح المنتج الأولى للنفط الخام بحلول العام 2020، متخطية السعودية. وتدريجاً ستبدأ بتلمّس خيرات الاستثمارات الفعالة في توفير الطاقة تحديداً في مجال المواصلات؛ هكذا ستُصبح مصدّراً صافياً للنفط بحلول العام 2030.

وتصف وكالة الطاقة الدولية هذا التغير في تقريرها الأخير كالتالي: «إنّ خارطة الطاقة الدولية تتغيّر على نحو قد يكون له تداعيات كبيرة على أسواق الطاقة وتجارتها». حالياً، تتوقع أنّه بعد تخطي إنتاج النفط الأميركي عتبة العشرة ملايين برميل يومياً خلال الفصلين الماضيين (وهو الأعلى خلال عقود) فإنّ «الولايات المتّحدة تتجه لتصبح المنتج الأول للسوائل النفطية خارج منظمة «أوبك» متخطية روسيا بحلول الفصل الثاني من عام 2014».

ويطرح شقراني السؤال التالي:  لكلّ هذه المعطيات انعكاسات على علاقة الولايات المتّحدة بالشرق الأوسط والحلفاء التقليديين فيه. السؤال هو: هل تتحوّل الولايات المتّحدة صوب الحلفاء غير التقليديين؟. ويجيب أنه لا شكّ أن إدارة الرئيس باراك أوباما أظهرت تحوّلاً نسبياً في كيفية مقاربة مصالحها الدولية: بدءاً من الضغط على زرّ «إعادة الضبط» (Reset) مع الإدارة الروسية بعد مرحلة عاصفة من التهديد والوعيد أيام جورج بوش الابن وصولاً إلى إبداء الاستعداد للحوار مع إيران.

اليوم، مضى أكثر من عامين ونصف عام على الأزمة في سوريا من دون سعي أي من الأطراف المتنازعة (تحديداً الطرف الغربي في الحلف الذي يحارب النظام السوري) لحسم نهائي، بل على العكس تماماً يبدو أنّ التقاء الأضداد عند مصالح مشتركة هو ما سيُحدّد مصير المنطقة في المدى المتوسط. ولم يعد خافياً على المستوى الاستراتيجي أن جانباً مهماً من الحرب الدائرة في سوريا يتعلق مباشرة بحسم من يسيطر على بلاد الشام، وبالتالي يتمتّع بالأفضلية في التنافس على مد أنابيب الغاز من الخليج العربي، وتحديداً من حقل جنوب فارس الذي تشترك فيه إيران وقطر، صوب شرق المتوسط ومن ثمّ إلى تركيا وأوروبا.

ويتابع الكاتب حسن شقراني أن الصورة تتعقّد لدى إدخال المعطيات اللبنانية والقبرصية والإسرائيلية في المعادلة، حيث تؤدّي إمكانات تصدير الكميات الوفيرة التي اكتُشفت في هذه البلدان الثلاثة خلال العقد الماضي إلى التشويش على مخططات أخرى؛ وربما ما نشهده في لبنان متعلّق بتلك الحسابات، فضلاً عن تأثيرات سياسات النظام الطائفي.

هناك توقع لعودة النفط الإيراني إلىا لسوق العالميالفكرة التي يُمكن التأمّل فيها اليوم، والتي يبدو أنها تتحقّق تدريجاً، هي أنّ عودة النفط الإيراني للتدفّق إلى السوق في إطار اتفاقية لتخفيف حدّة العقوبات المفروضة على طهران (وإن كانت ضمنية وليست علنية بمعنى أن البلدان التي تستورد هذا النفط لن «تُعاقب») هو مؤشّر أساسي على أنّ الحوار الأميركي الإيراني قد يُمهّد لمرحلة أكثر عمقاً من التفاهمات الشرق أوسطية انطلاقاً من معارك الطاقة، النفطية منها تحديداً.

عقود جذابة :
وفي السياق نفسه، ونقلا عن وكالة رويترز، أوردت صحيفة «فايننشال تايمز» أن إيران تعتزم طرح عقود أكثر جاذبية للشركات العالمية لجذب استثمارات لا تقل عن 100 مليار دولار لحقولها النفطية عل مدار السنوات الثلاث المقبلة.

ونقلت الصحيفة، أول من أمس، عن مستشار وزير النفط الإيراني، مهدي حسيني، قوله إن طهران ستلغي عقود شراء الإنتاج الحالية التي تمنع الشركات الأجنبية من تسجيل الاحتياطيات في دفاترها أو امتلاك حصص في المشاريع الإيرانية. واضاف إنه يجري إعداد عقود جديدة تعود بالربح على طرفيها ومن المتوقع الكشف عن تفاصيلها في لندن في آذار المقبل، مشيراً الى أن الشركات الكبرى، سواء كانت أميركية أو أوروبية ستستفيد.

وفي الأسبوع الماضي قالت إيران إنها على اتصال بعملاء سابقين وأبدت استعداداً لخفض الأسعار في حالة تخفيف العقوبات الغربية عليها، مما ينبئ بصراع في السوق لاقتناص الحصص في وقت يقل فيه الطلب عما كان عليه وقت فرضت العقوبات. الى ذلك، تستضيف طهران في 3 تشرين الثاني الاجتماع الخامس عشر لوزراء الدول الاعضاء في مجمع الدول المصدرة للغاز.