وما يميز صراع الديناصورات أنّه متشابك، ولا تعرف فيه على وجه الدقة: مَن مع مَن ضدّ مَن ولماذا؟ مثلاً لا نعرف ما الذي دعا الفنانة غادة عبد الرازق إلى الدخول على الخطّ، وكيل الشتائم ضدّ باسم يوسف؟ مع
لماذا لا ننحّي الأخلاق جانباً عندما نتحدّث عن أزمة مظهرها السياسة وجوهرها الاقتصاد؟. بمجرّد أن أذاعت قناة «سي بي سي» قرارها بعدم عرض حلقة «البرنامج؟»، تحوّلت صفحات «فايسبوك» إلى مظاهرات إلكترونية عنيفة، مؤيّدة للقرار أو معارضة له، مادحة للبرنامج الساخر ومقدّمه، أو مادحة للقناة ومرحبة بالمنع.
مؤمن المحمدي/ جريدة السفير
كل هذا لا يهم في سياقنا هذا، إنه فقط دليل على نجاح باسم يوسف. فمن يقدم برنامجاً يقيم دولة كبيرة مثل مصر ولا يقعدها، هو بكلّ تأكيد شخص ذكيّ يعرف ماذا يفعل، وهو ناجح على نحو غير مسبوق لأيّ نجم في تاريخ مصر. ما يهمّ هنا هو الحيثيات والمبرّرات التي يسوقها كلّ فريق في معرض الهجوم على النجم التلفزيوني أو الدفاع عنه أو حتى حراسة مرماه.. فالكلّ يتحدّث عن «الأخلاق» التي جعلته يتبنّى هذا الموقف، أو عكسه، والكلّ يرى معارضي موقفه هم مجموعة من السفلة والأفاقين والأفاكين الذين يهدرون المثل العليا والمبادئ و«الثورة».
معارضو باسم يوسف يتحدّثون عن إهانة مسؤولي الدولة، عن السخرية من «الرموز»، عن اتخاذ الجماهير مادة للسخرية، عن الألفاظ البذيئة والابتذال، عن الإيحاءات الجنسية، عن ... رغم أن هؤلاء أنفسهم هم من كانوا يصفقون للشخص نفسه على الأفعال ذاتها قبل أشهر قليلة.
كثر من معارضي باسم يوسف بعد حلقة «جماهير» هم مَن دافعوا بكل بسالة عن توفيق عكاشة، رغم أن برنامج الأخير يحتوي على أضعاف ما يقدّمه باسم من ألفاظ خارجة وألفاظ داخلة، وكثير من ألفاظه ليست إيحاء ولا تلميحاً، بل تصريح بألفاظ يخجلون من ذكرها حتى في السجون. مؤيّدو باسم يوسف يتحدّثون عن حرية الفكر وحرية الرأي والإبداع والتعبير، وعن حقوق الإنسان، وعن مبادئ الديموقراطية، وغيرها من التعابير التي يمكنك سماعها في أروقة المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني.
هؤلاء أنفسهم هم الذي يصمتون على أية انتهاكات تجري حولهم بحقّ أي أحد. فلم نسمع صوتاً عندما ألقي القبض على شريف جابر بتهمة تدشين صفحة على موقع «فايسبوك» (تدعو إلى الإلحاد). ولم يقولوا حرفاً بمواجهة مجموعة من الإقصاءات بسبب الرأي بداية من إقصاء حمدين صباحي لعبد الحليم قنديل من رئاسة تحرير جريدة «الكرامة» العام 2007، وليس انتهاء بفصل عدد من الصحافيين بواحدة من المؤسسات الصحافية الكبرى قبل أسابيع. بل إن هؤلاء أنفسهم هم الذين يصمتون على الانتهاكات فيما يتعلّق بحقوق الإنسان في أعمالهم مباشرة، سواء كان ذلك في قنوات أو جرائد أو حتى شركات خاصة.
لماذا لا ننحّي إذاً الدوافع الأخلاقية الثورية، ونتحدث في صلب ما حدث؟
ما حدث، بتقديرنا، أنّ باسم يوسف أصبح من الديناصورات، بعدما أضحى يمتلك دجاجة تبيض ذهباً (امتلكها بعرقه وجهده وذكائه، فهو يستحقها). ولأنّه ديناصور فقد دخل ملاعب الديناصورات، والديناصورات ليست فقط أمنيّة، بل هناك ديناصورات سياسيّة واقتصاديّة وإعلاميّة وإعلانيّة.
وما يميز صراع الديناصورات أنّه متشابك، ولا تعرف فيه على وجه الدقة: مَن مع مَن ضدّ مَن ولماذا؟ مثلاً لا نعرف ما الذي دعا الفنانة غادة عبد الرازق إلى الدخول على الخطّ، وكيل الشتائم ضدّ باسم يوسف؟ مع أنّنا نعلم جيداً حجم نفوذ الفنانة في محطة «سي بي سي»، فهي صاحبة أنجح مسلسل رمضاني تبثّه القناة لسنوات عدة، وبالتالي فإنّها هي الأخرى تمتلك دجاجة أخرى من تلك التي تبيض ذهباً.
نحن لا نعلم على وجــــه الدقّة حجم الخلافات على الإعلانات، وهي إعلانــــات بأرقــــام فلكيّة، والخلاف وصل إلى أرقام ذات ثمانية أصـــــفار... ليـــــس هــــناك مزاح في الأمر، إنها ثروات. كما أننا لا نستطيع فـــــكّ شيفرات البـــــيانات التي تلقيــــها الأطراف المعنــــيّة حول تلـــك الأمـــوال؛ إنّهــــم يتحدثون فيما بينهم بالسيم يا عـــزيزي.
صراع باسم يوسف مع محمد الأمين، والمؤسسات المحيطة بكل منهما، ودوائر النفوذ التي تتماس بكل منهما، هو صراع ضخم، تزداد ضخامته مع غياب الشفافية والقانون والمرجعيّة... وهذا الصراع فيه أجزاء سياسيّة أمنيّة مخابراتيّة ماليّة غير واضحة، فلماذا نترك كل هذا ونستخدم قناع «الأخلاق» رغم أنها الوحــــيدة التي لا وجود لها على أرض الملعب؟ لماذا؟.