عندما دخل جيش الاحتلال الأميركي إلى العراق في العام 2003 تحت عناوين وحجج واهية اعتقد "منظرو السياسة" في البيت الأبيض أنّ القضاء على نظام صدام حسين قد يعطيهم "صك براءة" ويغطي على جرائمهم وانتهاكاته
عندما دخل جيش الاحتلال الأميركي إلى العراق في العام 2003 تحت عناوين وحجج واهية اعتقد "منظرو السياسة" في البيت الأبيض أنّ القضاء على نظام صدام حسين قد يعطيهم "صك براءة" ويغطي على جرائمهم وانتهاكاتهم للقانون الدولي ولحقوق الانسان وعلى رأسها جريمة احتلال العراق.
ومع مرور الوقت بان زيف الادعاءات الأميركية أن الهدف من القضاء على النظام العراقي السابق ليس امتلاك هذا النظام البائد لاسلحة الدمار الشامل ولا حتى طلبا لحقوق الانسان العراقي ولا غيرها من الشعارات المبتذلة التي سيقت أبّان بدء الغزو، بل توضّح للعالم كله أنّ الأميركيين احتلوا العراق للاستيلاء على ثرواته والانطلاق منه لتنفيذ ما يريدونه من مخططاتهم في المنطقة.
المقاومة العراقية انطلقت منذ الايام الاولى للاحتلال ولا زالت مستمرة وتتناغم اليوم مع الثورات العربية
ووجود الاحتلال في العراق أوجد بشكل طبيعي حالة مقاومة مسلّحة انطلقت منذ الأيام الاولى للاحتلال واضعة نصب عينيها تحرير بلاد الرافدين من دنس الاحتلال، كما لم يستطع الاحتلال القضاء على المقاومة رغم المناورات الاميركية المختلفة في تمييع الملف الامني في العراق وضرب الاستقرار فيه وصولا لمحاولته شرعنة الاحتلال من خلال فرض "الاتفاقية الامنية العراقية الاميركية" التي بدأ تطبيقها مطلع العام 2011.
واليوم وبعد ثماني سنوات على بدء الاحتلال الاميركي للعراق لم تنطفئ جذوة المقاومة من نفوس العراقيين الذين عاهدوا وطنهم أن لا يستريح المحتل على أرض العراق حتى تحرير كامل ترابه.
ولكن في العام 2011 ومع الطّفرة العربية في الثورة على الأنظمة التابعة للاستكبار الأميركي، تناغمت وبشكل بديهي وسريع حالة المقاومة الوطنية في العالم العربي ومنها بالطبع المقاومة العراقية مع الشعوب الثائرة لان كليهما - أي المقاومة والشعوب الثائرة- هدفه القضاء على الظلم والشر الذي يشكل الاستكبار العالمي مصدره ومنبعه.
القانون الدولي يشرّع حركات المقاومة ضد الاحتلال
ومع العلم أنّ القانون الدولي اعترف بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال واتباع كل الاساليب المتاحة (وعلى رأسها المقاومة العسكرية) لتحرير بلادها وأوطانها المحتلة، وهذا الاعتراف من القانون الدولي يرتبط ارتباطا وثيقا لما يقرره هذا القانون وتؤكده كل المواثيق والاعراف الدولية من حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومن هنا يتشكل الاساس القانوني والانساني الذي يبرر نشاط المقاومة بشكل عام وخصوصا المقاومة العراقية في ملاحقة الاحتلال دون حصول أي خرق لأية إلتزامات ومبادئ دولية.
هذا ويقرر القانون الدولي للمواطنين من سكان الاراضي المحتلة حمل السلاح ومقاتلة المحتلين سواء أكان ذلك بأمر من حكومتهم أم بدافع من وطنيتهم أو واجبهم سواء وافقت السلطات المحلية أم لا، ناهيك عن ان ميثاق الامم المتحدة يشرّع حركات المقاومة والتحرر ضد الاحتلال والاستعمار.
وقد برز في الفترة الاخيرة إزدياد العمليات العسكرية ضد جنود الاحتلال الاميركي ما ادى الى ارتفاع اعداد القتلى في صفوف الاحتلال، مما أثار العديد من التساؤلات، عن مدى تأثر المقاومة العراقية بما يجري من ثورات عربية وهل تأثرت اصلا هذه المقاومة بما يجري في الوطن العربي؟ ام ان مقاومة الاحتلال الاجنبي المتمثل بالجيش الاميركي امر منفصل تماما عن مقارعة الانظمة العربية البالية التابعة للاميركي والاسرائيلي؟ وما اثر المقاومة العراقية على مستقبل العراق والاحتلال الموجود على ارضه؟
الموسوي: المقاومة العراقية الحقيقية تستهدف الاحتلال ولا تعمل وفق اجندات سياسية
للإجابة على هذه التساؤلات استصرحنا الخبير في الشؤون العراقية الاستاذ عباس الموسوي الذي قال إن "العمليات العسكرية التي تحصل في العراق منذ بدء الاحتلال نوعان اولهما يستهدف الاجهزة الامنية العراقية والمقار الحكومية او حتى المدنيين العراقيين وثانيهما يستهدف قوات الاحتلال الاميركي"، واضاف ان "النوع الاول من العمليات يخضع لاجندة سياسية لها اهدافها الداخلية لتحقيق بعض المكاسب او المصالح السياسية او حتى مصالح الاحتلال في ضرب الاستقرار في العراق"، واشار الى ان "النوع الثاني الذي يستهدف الاحتلال هو ما يعبر عن المقاومة الحقيقية ضد المحتل والتي لا تعمل وفق أجندات سياسية لتحقيق اغراض او اهداف معينة سوى طرد الاحتلال".
الموسوي: المقاومة العراقية استمدت زخما من المقاومة في لبنان وفلسطين وتشكل دعما للثورات العربية
واكد الموسوي لموقع "المنار" الالكتروني ان "المقاومة العراقية ولدت من رحم الشعب العراقي وهي اليوم تشكل دعما معنويا كبيرا للثورات العربية الموجودة ضد الظلم"، وشدد على ان "هذه المقاومة استمدت زخما كبيرا وروحا عالية من حركات المقاومة في لبنان وفلسطين لا سيما بعد انتصار المقاومة الاسلامية في لبنان في حرب تموز 2006 ومن ثم انتصار المقاومة الفلسطينية في حرب غزة 2008"، واشار الى ان "رسالة المقاومة العراقية كانت وستبقى تحرير ارض العراق ووحدة المسلمين فيه وفي كل اسقاع الارض بالاضافة الى انها تشكل دائما رسالة دعم للعرب وفلسطين المحتلة من قبل العدو الصهيوني".
الموسوي: اي فريق سياسي عراقي سيطرح موضوع تجديد الاتفاقية الامنية سيخاطر بمستقبله ورصيده السياسي
وحول مستقبل الاتفاقية الامنية الاميركية العراقية، لفت الموسوي الى انه "من غير المتصور ان يقدم الاميركيون على تمديد الاتفاقية دون موافقة كل القوى السياسية العراقية"، واعتبر انه "إذا رفضت القوى العراقية الاتفاقية فإنها ستتحول الى نقطة لمواجهة بين القوى العراقية كافة والاحتلال الاميركي"، واوضح ان "اي فريق سياسي عراقي سيطرح موضوع تجديد هذه الاتفاقية الامنية مع الاحتلال فإنه بذلك يكون يخاطر بمستقبله ورصيده السياسي في العراق (وإن كان هناك بعض الجهات السياسية القليلة تتداول فرضية إمكان تجديد هذه الاتفاقية ضمن اطرها الداخلية الضيّقة)".
واشار الموسوي الى انه "في ظل انتهاء هذه الاتفاقية وعدم تجديدها ستصبح قوات الاحتلال مكشوفة امنيا وستتحول الى قوة للخدمة اللوجستية"، ورأى ان "الاميركيين قد لا يسعون لتجديد الاتفاقية الامنية انطلاقا من ان هناك انتخابات اميركية وبالاصل عندما جاء الرئيس باراك اوباما الى البيت الابيض كان من ضمن برنامجه الانتخابي الخروج من العراق"، متوقعا ان "يسعى الاحتلال الاميركي الى تفعيل اتفاقيات التعاون الاستراتيجية مع العراق لتطوير الزراعة او العلوم وغيرها من المجالات بدل سعيه الى تجديد الاتفاقية الامنية بصورتها الحالية".
وايا تكن غايات الاحتلال ونواياه المستقبلية في العراق وايا كانت محاولات "شرعنة" وجوده في بلاد الرافدين والعمل على إطالة هذا الاحتلال فإن شعبا قاوم الظلم مئات السنين لن تكسر ارادته مخططات اميركية واحقاد صهيونية وسيبقى يناضل وصولا لدحر الاحتلال عن ارضه مهما طال زمن الاحتلال ... وإنَّ غدا لناظره قريب.