خلال الأيام القليلة الفائتة، رددت أوساط سياسية عراقية عدة، معلومات استخبارية مفادها أن تنظيم “داعش” بصدد سحب 25 ألفاً من مقاتليه العاملين في سوريا إلى العراق
عريب الرنتاوي
خلال الأيام القليلة الفائتة، رددت أوساط سياسية عراقية عدة، معلومات استخبارية مفادها أن تنظيم “داعش” بصدد سحب 25 ألفاً من مقاتليه العاملين في سوريا إلى العراق، للانتشار تحديداً في محافظتي نينوى والأنبار، وأن قرار “داعش” يأتي من ضمن استراتيجية مدعومة إقليمياً لتصعيد المواجهة مع حكومة المالكي (ومن يقف وراءها من روافض فرس أو عرب، لا فرق)، وأن القرار بسحب القوات، يأتي في ظل الضغوط المتزايدة على “داعش” في سوريا، إن من قبل الجيش النظامي السوري أو من قبل وحدات الحماية الشعبية الكردية.
تزامن ذلك مع معلومات مؤكدة، تداولتها مواقع جهادية عدة، تحدثت عن نجاح “داعش” في الوصول إلى محافظة درعا جنوبي سوريا، ولقد جاء نشر الخبر بصيغة احتفالية تُبشّر بمقدم ساعة الاقتراب من الأرض المقدسة لقتال اليهود “أولاد القردة والخنازير”، ولقد أظهرت الاعتقالات الأخيرة في صفوف جهاديين أردنيين أنهم كانوا في طريقهم للالتحاق بـ “داعش” في المحافظات السورية الجنوبية، والأرجح من ضمن توجيه مركزي للقاعدة.
لسنا هنا بصدد استقراء أثر هذه التطورات على مجريات الأزمتين السورية والعراقية ... سنقارب المسألة هذه المرة، من منظور الأمن الوطني الأردني، وهنا نقول إن “الثعلب بات يقترب من كرمنا” وأن شرارات المتطايرة من بغداد ودمشق، بدأت تقترب من حدودنا الشمالية والشرقية، وأن المرحلة المقبلة ستكون حبلى بالتحديات والأخطار الجسام، التي تستوجب أعلى درجات اليقظة والتحسب، فدماؤنا التي تسلقت أسقف وجدران الفنادق الثلاثة، ما زالت “دافقة”، لم يصبها الجفاف بعد.
في سياقات الأزمة السورية، ثمة من “بشّرنا” عن جهلٍ، وغالباً عن سوء نيّة، أن إيران باتت على حدودنا الشمالية، وأن صواريخ حزب الله باتت مصوّبة على القرى والبلدات الأردنية، وبنى بعضُنا أو كثيرون منّا، مواقف وسياسات بناء على هذه الفرضية الخرقاء، وتحرك باحثون وصحفيون ودبلوماسيون غربيون للاستفسار عن جدية هذا التحدي الماثل لأمننا الوطني.
يومها، كان لنا جواب واحد لكل من تحدث معنا: التهديد الأكبر للأمن الوطني الأردني من الشمال، إنما يأتي من “داعش” ومشتقاتها، من القاعدة وتفريخاتها وتفريعاتها ... يومها سخرنا من “أسطرة” حزب الله، وتصويره كقوة إقليمية عظمى لا رادّ لها ... يومها استبعدنا بشدة أن يقدم النظام في دمشق على أية حماقة ضد الأمن الوطني الأردني، أقله لانشغاله بحروبه وحروب لآخرين عليه ... ولن نكل أو نمل من التنبيه إلى هذا الخطر، ومن احتمالات عودة القاعدة إلى حضنها الذي كان دافئاً في الأنبار ذات يوم، قبل أن “تصحو” قبائلها على حجم الكارثة المحدقة بها، فإذا بنا اليوم ، نجد أنفسنا من جديد، ووجهاً لوجه، أمام عودة هذه الأخطار والتهديدات من الشمال والشرق، دع عنك تهديدات الداخل وبيئته المنتجة والحاضنة لألف “مجاهد” أردني يقاتلون في سوريا.
وحين كنا نسأل عن حكاية “التورط” الأردني في دواخل الأزمة السورية، كنا نجيب بخلاف ما يذهب إليه الناطقون باسم الحكومة: للأردن ملء الحق في حماية حدوده الشمالية، وعدم السماح بتحوّلها إلى “أنبار 2”، ولطالما ميّزنا بين “أنبار 1” وأنبار 2”، باعتبار الأخيرة أقرب إلى عاصمتنا، ولا يفصلها عن 80 بالمائة من سكان المملكة سوى شريط بعرض 90 كيلومتراً، بخلاف الأنبار الأولى التي تُباعدنا عنها البوادي والصحاري وقرابة الألف كيلومتر من المساحات المترامية.
قلنا ونقول، إن الدفاع عن الأمن الوطني، قد يستوجب أحياناً التفكير خارج الصندوق، وعدم انتظار التهديد/العدو حتى يصل إلى غرف نوم أطفالنا، بل ملاقاته في أماكن تواجده وتموضعه ... فعلنا ذلك في شرق العراق بدعم الصحوات، ولا أستبعد أن نكون فعلنا في جنوب سوريا، إن بالتعاون مع النظام عبر القنوات المعتادة، أو من خلال التنسيق مع قوى اجتماعية وجماعات معارضة مناهضة للأصولية الجهادية المنفلتة من عقالها، فقد كنا نرى رأي العين، أن الخطر قادم لا محالة، إن لم يكن فوراً ففي المدى المرئي والمنظور، ليس إلا.
وأحسب أن سنوات قد تمر، قبل أن تضع “الحرب الواحدة” الموزّعة على قطرين أو ثلاثة أقطار، سوريا والعراق (ولبنان) أوزارها، فثمة من له مصلحة في إدامتها وإذكاء أوكارها، وثمة من يريد أن يجعل الدم السوري والعراق، وقوداً في حروب المذاهب والطوائف وصراعات الأدوار والنفوذ والسيطرة ... وإن كان الأردن قد نجح حتى الآن، في الخروج من هذا الجحيم بأقل قدر من الأضرار والحروق، فإنه قادر على النجاح في إدامة هذا النجاح وتعظيمه، شريطة التنبه إلى ما يحيط بنا، وما يدور في دواخلنا، من تطورات سياسية واجتماعية، من اختناقات واحتباسات، من تحوّلات في أحجام وأوزان القوى، بما فيها حواضن “داعش” وشقيقاتها، وعدم الركون إلى المعالجات ذات البعد الواحد، فالأمن على أهميته، لا يمكن أن يكون علاجاً لمشكلة سياسية – اقتصادية – اجتماعية – ثقافية مركبة بامتياز، كمشكلة صعود التطرف وانتشار الغلو وتفشي التكفير بدل التفكير.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه