مزيد من التفاؤل بشأن إنتاج الولايات المتحدة، يطوي بين جنباته ضغوطا على الدول المنتجة، وخاصة الخليج، الذي يعتمد على النفط في تمويل ما يقرب من 90% من ميزانيته، كما هو الحال فى السعودية وغيرها.
تفوق الولايات المتحدة، اللاعب الأبرز بسوق النفط العالمي، على المملكة العربية السعودية، من حيث الإنتاج النفطي، لم يكن مفاجأة، خاصة في ظل تواتر التقارير الدولية التي تنبأت بذلك قبل بسنوات من خلال مؤشرات دقيقة. لكن مزيد من التفاؤل بشأن إنتاج الولايات المتحدة، يطوي بين جنباته ضغوطا على الدول المنتجة، وخاصة الخليج، الذي يعتمد على النفط في تمويل ما يقرب من 90% من ميزانيته، كما هو الحال فى السعودية وغيرها.
ثمة أراء تقول بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن النفط العربي بسهولة لأسباب أولها ارتفاع تكلفة إنتاج النفط الصخري، والتي تصل إلى 70 دولار للبرميل، مقابل تكلفة من 3 إلى 6 دولارات للبرميل في دول الخليج، إضافة إلى ما يتمتع به نفط’الخليج من كثافة لا تتوفر بالنفط الأمريكي. غير أن ارتفاع أسعار النفط مستقبلا أو حتى استقرارها عند مستوياتها الحالية ( متوسط 100 دولار’للبرميل)، مع مزيد من التقنيات الأمريكية، من شأنه أن يطيح بأراء المتفائلين رأسا على عقب. ‘
وارتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط في أيلول/سبتمبر الماضي إلى 12.2 مليون ب/ي، ليتفوق بذلك على السعودية التي تنتج نحو 10 ملايين ب/ي، إذ بقيت الولايات المتحدة على مدار العقود الثلاثة الماضية، المستهلك الأكبر للنفط، والمستفيد الدائم من زيادة إنتاج الخليج.
وتتوقع تقارير متخصصة، أن يصل إنتاج الولايات المتحدة النفطي في عام 2014 إلى نحو 13.2 مليون برميل يومياً، بينما من المحتمل أن ينخفض استهلاكها من 20 مليون ب/ي، في عام 2003 إلى 18.7 مليون ب/ي، في عام 2013، ما يعني تقليص الفجوة الأمريكية بين الإنتاج والاستهلاك، بحدود 5.5 ملايين برميل يوميا، وبالتالي فإن الولايات المتحدة لن تكون في حاجة ماسة لدول الخليج لتوفير الفجوة النفطية بين الإنتاج والاستهلاك لديها، وخاصة مع تصاعد تلك الفجوة مع الزمن.
ويقول عبدالله غراب، وزير البترول والثروة المعدنية المصري الأسبق، إن الولايات المتحدة ستظل مهيمنة علي تجارة النفط لسنوات رغم ارتفاع الطلب الصيني ودول شرق آسيا.
وأضاف، خلال اتصال هاتفي مع وكالة الأناضول، أن الولايات المتحدة تستهلك 19 مليون برميل من النفط وهو ما يفوق بمراحل المستهلكين التاليين مثل الصين واليابان وروسيا. وتابع غراب أن تقلص حجم الطلب الأمريكي سوف ينعكس سلبيا علي الدول المنتجة.. ‘لكن الطلب الأمريكي مازال قويا حتي الأن .. الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم بحجم واردات يتجاوز 12 مليون برميل يوميا.’
وقال خبير النفط وعضو مجلس الشورى السعودي، فهد بن جمعة، ‘لا شك أن ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي يمثل تحدياً لبعض دول الأوبك التي تنتج نفطاً مشابها للنفط الأمريكي مثل نيجيريا.. لذا استغنت الولايات المتحدة عن النفط النيجيري بالفعل’.
وتابع أنه ‘من المستحيل أن تستغنى أمريكا عن النفط الخليجي أو السعودي، نظرا لكثافته التي لا تتوفر بالنفط الأمريكي الخفيف’.
وأوضح بن جمعه، خلال اتصال هاتفي مع وكالة الأناضول، أن جدوى استخراج النفط الصخري تكمن في ارتفاع أسعار النفط عالميا، نظرا لارتفاع تكلفته، ‘ تراجع أسعار النفط إلى ما دون 80 دولارا للبرميل سيؤدي إلى خسارة مليارات الدولارات المستثمرة في النفط الصخري الأمريكي كون تكلفته تتراوح بين 70 إلى 96 دولار للبرميل’.
وقال بن جمعة إن السعودية تُصدر للولايات المتحدة نحو 850 الف إلى مليون برميل نفط يوميا، ولديها مصانع في تكساس تصدر لها 300 الف برميل نفط يوميا. وأشار إلى أن تقاريرا لوكالة الطاقة الدولية توقعت استغناء الولايات المتحدة عن النفط السعودي في العام 2017، ولكن ذلك بافتراض ارتفاع الأسعار وبقاءها عند مستوياتها الحالية، مع تراجع تكلفة استخراج النفط الصخري الأمريكي، لكن التكلفة حاليا سترتفع لأنها ستتجه للطبقات الدنيا من الأرض.
وأكد بن جمعة أن ذروة إنتاج الولايات المتحدة سيكون في 2017 بعدها سيتراجع بسبب ارتفاع التكلفة. ويقول رمضان ابوالعلا استاذ هندسة البترول بجامعة فاروس بالإسكندرية، ‘العلاقة بين دول الخليج المنتجين، والولايات المتحدة، المستهلك الأكبر، قوية ومبنية علي أسس المصالح المشتركة’.
وأضاف ابوالعلا، في اتصال هاتفي مع وكالة الأناضول، أنه رغم توجه دول الخليج وفي مقدمتها السعودية لأسواق أخرى لتصريف إنتاجها النفطي إلا أنها لا تزال ثاني أكبر مورد للولايات المتحدة بشحنات تناهز مليون برميل يوميا في المتوسط خلال النصف الثاني من العام الجاري. وجاءت السعودية، كثاني أكبر مورد نفط للولايات المتحدة، بصادرات سجلت نحو 1.4 مليون برميل يوميا، في الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي.
وقال ‘أي هزة قد تتعرض لها مصادر إمدادات النفط في الشرق الأوسط ستظل تؤثر علي الاقتصاد الأمريكي، رغم تراجع حجم الصادرات الأمريكية من السعودية’. ويقول خبراء أمريكيون في شؤون الطاقة إن دول الخليج الرئيسية مثل السعودية والكويت لا يرون في طفرة النفط في أمريكا الشمالية تهديدا.
ويرى إيهاب الدسوقي استاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات في مصر، أن تزايد الطلب الصيني علي النفط الخليجي سوف يساهم في تقليل حدة المخاوف من حدوث الانخفاض الحاد في الطلب الأمريكي علي نفط الخليج. وأضاف الدسوقي، في اتصال هاتفي مع وكالة الأناضول، ‘ بكين تسعي لزيادة حصتها من النفط العربي لتلبية احتياجاتها المتنامية من الطاقة لتحقيق معدلات النمو المستهدف’.
وحسب بيانات صادرة عن اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي في سبتمبر/ أيلول الماضي، فإن الصين استوردت في العام الماضي نحو 55′ من احتياجاتها النفطية من دول مجلس التعاون الخليجي، ويتوقع أن تصل إلي 65′ مع حلول العام 2015.
وتقدر البيانات أن احتياجات الصين من النفط تبلغ 1.8′ من الاحتياطي العالمي، في حين أن عدد سكان الصين يبلغ 22′ من إجمالي سكان العالم.
وكان وزير النفط السعودي علي النعيمي قد صرح بآنه لا ينبغي لأحد أن يخشي إمدادات النفط الجديدة في الوقت الذي يرتفع فيه الطلب العالمي، حيث أن النمو السكاني في آسيا سيكون المحرك للطلب المستقبلي علي النفط، حيث ستكون السعودية هي المصدر الرئيسي للطاقة الإنتاجية الفائضة في العالم وواحدة من دول قليلة قادرة علي إمداد الصين ودول أسيوية أخري.
وقال راشد أبانمي، رئيس مركز السياسات البترولية والتوقعات الاستراتيجية السعودي ‘لا شك أن الولايات المتحدة سوف تستغني عن النفط العربي والخليجي بعد زيادة إنتاجها من النفط والغاز′.
لكنه استطرد ‘إلا أن تلك التغيرات لن تؤثر كثيرا في السعودية ودول الخليج، فنسبة واردات أمريكا النفطية من السعودية لا تتجاوز 10 إلى 20′ من إجمالي صادراتها، وهي نسبة ليست كبيرة’. وأضاف أبانمي، خلال اتصال هاتفي مع وكالة الأناضول ‘الحصة الأكبر من الصادرات السعودية النفطية تتجه لآسيا وأوروبا’.