ويؤكد مبتول أن الاقتصاديات الناشئة في جنوب شرق أسيا والهند يمكنها استقطاب أي فائض في إنتاج الخليج النفطي بما فيه الإنتاج العراقي
قال الخبير النفطي الجزائري عبد الرحمن مبتول إن التحولات الهيكلية التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الطاقة خلال العشرية الأخيرة، وتجاوز الإنتاج النفطي الأمريكي لنظيره السعودي للمرة الأولى في التاريخ، في أيلول/سبتمبر الماضي ينذر بانقلاب حاد في العلاقات بين الولايات المتحدة وشركائها العرب، والقائمة بشكل اساسي على تأمين امدادات النفط.
واوضح مبتول، في مقابلة مع مراسل وكالة الأناضول، أن التحولات التكنولوجية في استغلال مصادر الطاقات الأحفورية التي حققتها الولايات المتحدة منذ العام 2001، ومنها تقنية التكسير بالماء، سمحت لأمريكا في ظرف عقد واحدة بقلب المعادلة الطاقوية العالمية بفضل استغلال الغاز والزيت الصخري، وهو ما سمح بخفض وارداتها من الغاز والنفط بمعدل 15 و32 ‘ على التوالي.
وكشف مبتول، الذي عمل مستشارا بوزارة الطاقة والمناجم الجزائرية بين 1974 و 2006، أن ما شهدته صناعة الطاقة في الولايات المتحدة كان له انعكاس مباشر على مستوى الأسعار حيث انخفض سعر الغاز اليوم إلى 2.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو ما جعل الولايات المتحدة تدفع سعر الغاز داخلها 6 مرات اقل من المتوسط الأوروبي، حيث تواصل أوروبا دفع سعر الغاز على اساس ربطه بسعر النفط. وشجع تراجع اسعار الغاز الأمريكان على التحول نحو استهلاك المزيد منه مقارنة بالنفط حيث سجلت نسبة التراجع 9 ‘ عام 2007.
وأوضح مبتول أن الإستراتجية الطاقوية الأمريكية في طريقها للانقلاب تماما قبل حلول العام 2020، مضيفا أن 20′ من الاحتياجات الأمريكية من الطاقة عام 2012 كان مصدرها المكسيك وفنزويلا ودول الخليج ونيجريا والجزائر.
وتتوقع تقارير متخصصة أن يصل إنتاج الولايات المتحدة النفطي في عام 2014 إلى نحو 13.2 مليون برميل يومياً، بينما من المحتمل أن ينخفض استهلاكها من نحو 20 مليون برميل يومياً، في عام 2003 إلى نحو 18.7 مليون برميل يومياً في عام 2013، ما يعني تقليص الفجوة الأمريكية بين الإنتاج والاستهلاك، بحدود 5.5 ملايين برميل يوميا، وبالتالي فإن الولايات المتحدة لن تكون في حاجة ماسة لدول الخليج لتوفير الفجوة النفطية بين الإنتاج والاستهلاك لديها، وخاصة مع تصاغر تلك الفجوة مع الزمن.
وأشار مبتول إلى أن الولايات المتحدة سجلت شهر شباط/فبراير الماضي أعلى زيادة في إنتاج النفط في العالم خارج منظمة أوبك بزيادة بلغت 16′، مما يضع الولايات على طريق التحول نحو أول منتج للنفط في العالم بحسب الوكالة الدولية للطاقة متفوقة على جميع المنتجين داخل وخارج الأوبك بمن فيهم العربية السعودية، فيما ستتحول إلى دولة مصدرة للبترول بحلول العام 2025 بعد أن تحقق اكتفاء كامل من الطاقة بحلول العام 2020.
ويعتقد الخبير النفطي أن اكتفاء الولايات الأمريكية في مجال الطاقة سيكون له انعكاسات جيوسياسية كبيرة في العالم، وخاصة في علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها الحاليين في المنطقة العربية، مما سيؤثر بشكل مباشر على سياسة أمريكا في الشرق الأوسط وتقلص اهتمامها بها.
وأضاف مبتول أن الولايات المتحدة، التي كانت تتعمد إشعال المزيد من الحروب في إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية من اجل السيطرة على منابع النفط، لن تستمر في هذا الطريق بمجرد أن تنتهي من تحقيق أمن طاقوي من مصادر داخلية، وخاصة بالنظر مع التنامي البارز للاعبين جدد على مسرح الأحداث العالمي – وعلى رأسهم الصين التي تتجه لتتحول إلى أول مستورد للنفط في العالم بداية من العام 2015 على ابعد تقدير بحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة. ويعتقد مبتول أن هذه التحولات الجيو- إستراتيجية تتجه إلى إعادة ترتيب موازين القوة في العالم على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
من جهة ثانية يرى الخبير الجزائري أن تطوير إنتاج الغاز الصخري في أمريكا الشمالية وضعها خارج دائرة الحاجة للغاز الجزائري أو الخليجي منذ 2009. لذا فأنه من مصلحة الدول العربية المنتجة للنفط الاستثمار وبسرعة في تنامي القوة الصينية وخاصة في الجانب الاقتصادي الذي زاد من شراهة الصين للمزيد من نفط الشرق الأوسط.
ويؤكد مبتول أن الاقتصاديات الناشئة في جنوب شرق أسيا والهند يمكنها استقطاب أي فائض في إنتاج الخليج النفطي بما فيه الإنتاج العراقي. وقال إن جنوب آسيا يسجل حاليا أعلى نسب النمو الاقتصادي في العالم بالإضافة إلى الهند، وهو ما يستدعي المزيد من الاهتمام العربي بهذه الأسواق، بالإضافة إلى أسواق ناشئة أخرى.
ويعتقد مبتول ان أسعار النفط في العالم ستحافظ على مستويات تجارية مقبولة مع تسجيل اتجاه نحو التراجع نتيجة ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة وكندا من الغاز والنفط الصخري في غضون السنوات الخمسة القادمة. وبالنسبة للجزائر أشار مبتول إلى التراجع الحاد لصادرات الجزائر النفطية نحو الولايات المتحدة منذ 2010 بعد أن شهدت زيادة بوتيرة عالية بين 2001 و2009. فقد قفزت صادرات النفط الجزائري نحو أمريكا من 50 ألف طن عام 2000 إلى 500 ألف طن عام 2001 ثم1.5 مليون طن عام 2002 لتصل إلى 22 مليون طن عام 2007، ولكنها عادت للتراجع إلى 17 مليون عام 2010، قبل أن تستقر عام 2012 عند 7 مليون طن.
كما يشهد الغاز الجزائري أيضا منافسة شرسة من الغاز القطري والغاز الروسي في الأسواق الأوروبية، من خلال خط السيل الجنوبي (ساوث ستريم) الموجه لتزويد أوروبا الغربية بحوالي 63 مليار م3 من الغاز عن طريق ايطاليا ومنها نحو الشبكة الأوروبية، وهو ما يضع مشروع غالسي لربط الجزائر بخط جديد نحو ايطاليا بطاقة 8 مليار م3 عبر جزيرة سردينيا على المحك.
وبحسب تصريحات أدلى بها عبد الحميد زرقين، الرئيس المدير العام لمجموعة سوناطراك النفطية المملوكة للحكومة يوم 24 فبراير الماضي، تقدر احتياطات الجزائر من الغاز بما يعادل 2000 مليار م3، اي ما يعادل 1.3′ من الاحتياطات العالمية القابلة للاستغلال، فيما يقدر الاستهلاك الداخلي بـ30 مليار م3 عام 2012 بحسب أرقام وزارة الطاقة والمناجم التي تتوقع بلوغ الاستهلاك الداخلي إلى 50 مليار م3 عام عام 2017.
وفي حال لم تغير الحكومة الجزائرية سياسة الأسعار الداخلية والدعم القوي لأسعار الطاقة فان الاستهلاك سيقفز إلى 70 مليار م3 عام 2020 و100 مليار عام 2030.
وأوضح مبتول أن ارتفاع الاستهلاك الداخلي سيكون بداية من العام 2015 على حساب الكميات التي تصدرها الجزائر والتي نزلت العام الماضي الى 55 مليار م3، وبالتالي فإن الجزائر مطالبة للانتقال بسرعة لاستغلال الغاز الصخري حيث تتوفر الجزائر على احتياطات في حدود 19.8 ألف مليار م3 مقابل 200 مليار برميل من الزيت الصخري مع إمكانية استرجاع 10′ من هذه الكمية التي تعادل مرتين الاحتياطات الحالية المقدرة بحوالي 12 مليار برميل.
جريدة القدس العربي