ايا كانت سيئات الاتفاق الوشيك بين الدول الست العظمى وايران حول طموحات الاخيرة النووية، فان حسنته الوحيدة، اي احداث توتر في العلاقة الامريكية الاسرائيلية
عبد الباري عطوان - رأي اليوم
ايا كانت سيئات الاتفاق الوشيك بين الدول الست العظمى وايران حول طموحات الاخيرة النووية، فان حسنته الوحيدة، اي احداث توتر في العلاقة الامريكية الاسرائيلية، تعتبر انجازا كبيرا بالنسبة الينا نحن الذين نضع استعادة المقدسات على قمة اولوياتنا، في وقت نسي فيه معظم ابناء جلدتنا الاحتلال الاسرائيلي، ورفع بعض عربنا اسرائيل من قائمة الاعداء.
التقارير الاعلامية الواردة من تل ابيب تفيد بأن بنيامين نتنياهو طاووس اسرائيل المتغطرس، في حال غضب شديد بسبب امكانية رفع الحظر الاقتصادي الخانق المفروض على ايران مقابل اتفاق مبدئي بتجميد عمليات تخصيب اليورانيوم بنسب عالية (عشرين في المئة)، وتراجع احتمالات الخيار العسكري ضدها في نهاية المطاف ان لم يكن الغاؤه.
وتذهب هذه التقارير الى درجة الكشف بأن نتنياهو رفض مصافحة جون كيري وزير الخارجية الامريكي اثناء اللقاء المتوتر الذي جرى بينهما في المطار قبل ان يطير الوزير الامريكي الى جنيف في ظل تصاعد الآمال بتوقيع الاتفاق المؤقت مع ايران.
انها قمة الوقاحة، وقلة الادب، ان يتطاول نتنياهو على وزير خارجية دولة تتحمل المسؤولية الاكبر في بقاء دولته على قيد الحياة طوال السنوات الستين عاما الماضية والتستر على جرائمها بمثل هذه الطريقة الخارجة عن الاعراف، فمن المفروض ان يقبل يد كيري، وكل مسؤول امريكي يقابله اعترافا بالجميل، ولكن متى كان نتنياهو وامثاله يقدرون جميل الآخرين ويعترفون به، وهم الذين يريدون ان يتجند العالم باسره لخدمتهم، واطماعهم التوسعية ومجازرهم التي يرتكبونها في حق من هو تحت احتلالهم او في دول الجوار العربي.
نستغرب ان يبلع كيري مثل هذه الاهانة، ويواصل لقاءه مع نتنياهو لمدة ساعتين، وكان الاحرى به، وهو الذي يمثل الدولة الاعظم في التاريخ، ان ينسحب منه، ويغادر تل ابيب الى جنيف احتجاجا، فور ان يطلب منه نتنياهو الانتظار، ريثما يعود من لقائه مع الصحافيين، ثم يجلس معه اي نتنياهو دون ان يصافحه، والغضب والازدراء مرسومان على وجهه.
ما لا يدركه نتنياهو، وغيره من الاسرائيليين، ان الولايات المتحدة تتغير، كما ان العالم بأسره يتغير ايضا، وما كان جائزا قبل عشر او عشرين سنة، لم يعد كذلك الآن، في ظل تغير موازين القوى، وظهور قوى عالمية جديدة تكسر احتكار زعامة امريكا وهيمنتها العسكرية والاقتصادية.
امريكا عندما كانت قوية جدا، وكان الآخرون ضعفاء، وترضخ لهيمنة اللوبي اليهودي كليا، لم تتردد في خوض حروب اسرائيل في العراق وافغانستان وليبيا (هينري ليفي المفكر الفرنسي الذي كان المحرض الاكبر لساركوزي للتدخل في ليبيا قال انه يفعل ذلك انطلاقا من يهوديته ولخدمة اسرائيل) لتحصينها من اي خطر عربي او اسلامي، الآن لم تعد قادرة على اداء الدور نفسه، بسبب الاخطار التي يمكن ان تترتب على ذلك فاعداء اسرائيل الجدد (العرب المعتدلون والمتطرفون ليسوا بينهم للاسف) مستعدون للدفاع عن انفسهم والتصدي لاي عدوان يستهدفهم وارضهم وعرضهم، ويملكون الاسلحة وقبلها الارادة القوية.
اسرائيل تشكل عبئا امنيا واخلاقيا على حلفائها في الغرب، ومصدر خطر على مصالحهم بممارساتها الاستفزازية، واذلالها للضعفاء الراضخين تحت احتلالها وعندما تذهب الدول العظمى الست الى جنيف وتتفاوض مع ايران انما تنطلق من مصالحها وليس من مصالح اسرائيل، واعترافا باخطائها في العراق وليبيا وافغانستان والعمل على اصلاحها بعدم الوقوع في امثالها حاضرا ومستقبلا، فلم تجن من مغامراتها العسكرية واحتلالاتها غير دول فاشلة ممزقة طائفيا او عرقيا او جغرافيا تشكل ارضية خصبة للفوضى، وتناسل الجماعات الجهادية المغرقة في العداء لها، والمتأهبة لزعزعة امنها واستقرارها.
نتنياهو لم يتعلم من هزيمة بلاده العسكرية مرتين في لبنان بسبب ضربات المقاومة وصمودها وآخريين في غزة، ولم يستوعب درس هزيمته السياسية المهنية عندما تدخل في الانتخابات الرئاسية الامريكية بفجاجة لصالح المرشح الجمهوري جون ماكين ضد منافسه باراك حسين اوباما، وها هو يرتكب حماقة جديدة عندما يغضب حليفه الامريكي لانه رفض ان يكون كلب حراسة له، ويهاجم ايران عسكريا، او يشدد حصاره الخانق عليها حتى يفني معظم الشعب الايراني.
شعور غريب ينتابنا ونحن نرى “عرب الاعتدال” الذين وقفوا دائما في الخندق الامريكي دون شروط ورضخوا للاملاءات الامريكية دون نقاش، يريدون القفز منه الآن الى المعسكر الاسرائيلي بطريقة مباشرة، او غير مباشرة، بحيث ينطبق عليهم المثل الذي يقول: يستجير من الرمضاء بالنار، فعندما نريدهم ان يعارضوا امريكا يؤيدونها وعندما نريدهم ان يؤيدوها عندما تختلف مع اسرائيل يعارضوها!
امريكا تخاف من ضرب ايران لان الكلفة، يمكن ان تكون عالية جدا، ولهذا وجدت في التفاوض معها للتوصل الى اتفاق يشكل الذريعة والغطاء لها للتراجع عن سياساتها التصعيدية السابقة، والتعاطي مع ايران كدولة حليفة يمكن الوثوق بها وتجنب اخطارها وحلفاءها في المنطقة، ثم لماذا تهاجم؟ هل احتلت ارضا امريكية؟
باراك اوباما لم يمنح جائزة نوبل لخوض حروب جديدة وانما لاطفاء ما هو قائم منها، وان كنا نعترض بشدة على حربه الدموية التي يخوضها بطائرات “الدرونز″ في اليمن وباكستان وافغانستان، كما انه لم ينتخب لاراضاء اسرائيل وتهشيم اعداؤها، وانما لانقاذ الاقتصاد الامريكي من عثراته وفتح اسواق جديدة، واقامة تحالفات بديلة تقوم على المصالح بعيدا عن الشرق الاوسط، وخلافاته المعقدة، وغطرسة الحليف الاسرائيلي المبتز وحروبه.
عالم اليوم يحترم الاقوياء ويحتقر الضعفاء الذين يبحثون عن الشفقة والحماية من الآخرين، ولهذا تلوّح واشنطن بالراية البيضاء لايران، بعد ان وفرها الرئيس الجديد حسن روحاني عجلة الانقاذ الشكلية، وادركت انها اضعف من ان تلجأ للخيار العسكري للتعاطي مع الملف النووي.
هل يفسد نتنياهو على اوباما ووزير خارجيته مخططاته الجديدة هذه، ويمنع اتفاق مع ايران عبر بوابة الكونغرس؟ لا شيء مستبعدا، ولكن اوباما هذا الافريقي المهاجر هزم الكونغرس في مواجهة الميزانية الاتحادية وسقف الديون، والشعب الامريكي لم يكن، او اغلبيته، راغبا في اي حرب ضد ايران او غيرها.
فليغضب نتنياهو مثلما شاء، وليجرؤ وهو الجبان الذي لم يخض اي حرب حتى على قطاع غزة المحاصر، على مهاجمة ايران لوحده، ولنر من الذي سيندم دما في نهاية المطاف.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه