وكان عدد الشركات المصرية، قبل تنفيذ برنامج الخصخصة 27 شركة قابضة و314 شركة تابعة، وبعد تنفيذه وصلت إلي 9 شركات
وضعت أحكام قضائية متوالية ببطلان بيع شركات حكومية في مصر إلى مستثمرين محليين وأجانب الحكومة الحالية في مأزق تنفيذ هذه الأحكام، وسط توقعات بامتداد أثارها إلى خطط جذب الاستثمارات في الفترة المقبلة، فضلا عن تدبير موارد مالية لدفع تعويضات محتملة للمستثمر حال لجوئه للتحكيم الدولي.
وأصدرت المحاكم المصرية منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 أكثر من 11 حكما، بينها أحكام نهائية، طالبت الدولة باسترداد شركات تم بيعها في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فيما قال الذين رفعوا هذه الدعاوى إنه تم بيع هذه الشركات بثمن بخس، كما أن عملية البيع تشوبها عمليات فساد.
وأصدرت المحكمة الإدارية العليا يوم الاثنين الماضي حكما نهائيا ببطلان وفسخ عقد بيع 90′ من أسهم الشركة العربية للتجارة الخارجية التي تم خصخصتها في تسعينيات القرن الماضي، وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد، واسترداد الدولة لجميع أصول وفروع الشركة، وكافة ممتلكاتها مطهرة من كل الرهون التي سبق أن أجراها المشترى، مع تحمل المشترى وحده كامل الديون والالتزامات التي رتبها خلال فترة نفاذ العقد.
كما صدر حكما نهائيا في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي ببطلان عقد خصخصة شركة النيل لحليج الأقطان عامي 1997 و1998، الذي تضمن بيع ما يزيد على 50′ من أسهم الشركة في البورصة وعودة ملكيتها إلى الدولة. وقال محمد ذكي السويدي، رئيس اتحاد الصناعات المصرية، إن استرداد الدولة لشركات تم خصخصتها قبل عشرات السنوات، سيكون لها تأثيرات سلبية علي المستثمرين وسيزعزع ثقتهم في الدولة ومصداقيتها، الأمر الذى قد يؤدى لعزوف المستثمرين الذين تحتاج البلاد لهم بشدة ويزيد من تعقد مناخ الأعمال الصعب بالفعل.
وأضاف السويدي في اتصال هاتفي لوكالة الأناضول ‘هذه الأحكام تعطي صورة للمستثمرين بعدم قدرة الحكومة علي إبرام اتفاقات تطابق القوانين بالبلاد، كما إنه يشكك في مصداقيتها حينما تدعو للاستثمار في مصر، في ظل وجود تشريعات تسمح بفسخ العقود مع المستثمر’.
وباعت حكومات حسنى مبارك المتعاقبة عددا من الشركات المملوكة للدولة بين 1991و2008، وكان عدد الشركات المصرية، قبل تنفيذ برنامج الخصخصة 27 شركة قابضة و314 شركة تابعة، وبعد تنفيذه وصلت إلي 9 شركات قابضة و146 شركة تابعة، وفقا لإحصائيات رسمية صدرت في شهر يونيو/ حزيران2012.ويقول محامون إن المحاكم المصرية ستنظر خلال الشهور المقبلة عدة قضايا تطالب ببطلان خصخصة بعض الشركات والبنوك الأخرى، منها دعوى بطلان خصخصة شركة صناعة البلاستيك والكهرباء المصرية، والمصرية للنشا والجلوكوز، وبيع أسهم شركة أسمنت بني سويف، وشركة الاسكندرية لأسمنت بورتلاند وبنك الاسكندرية.
وبحسب رئيس اتحاد الصناعات المصرية ‘هناك أحكام يصعب تنفيذها علي أرض الواقع، فبعض الشركات تم تفكيكها، وبيع أراضيها، وبعضها تم طرحه في البورصة’. وحذر السويدى ‘من لجوء المستثمرين إلي التحكيم، والحكم بتعويضات لهم تفوق قيمة ما دفعه المستثمر ثمنا للشركة وأرباحه من خلالها أيضا’.
وقال المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية،’وهو مؤسسة قانونية غير حكومية، في تقرير له يوم الأربعاء الماضي إن أكثر من 10 مستثمرين أجانب رفعوا دعاوى تحكيم دولي ضد مصر منذ قيام ثورة يناير، أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ‘اكسيد’ فقط في العاصمة الأمريكية واشنطن. وأضاف المركز ‘الرقم الأصلي يفوق هذه القضايا المعروفة، لأن العديد منها تظل سرية، طبقا لقواعد المحاكم الدولية المختلفة المتخصصة في الفض في قضايا الاستثمار’. ووقعت مصر منذ عشرات السنين على اتفاقية الاعتراف بحكم المحكمين دوليا، وهو ما يمنح المدعي أمام الحكومة المصرية الحق في الحجز على أرصدتها وأصولها بالخارج، حال صدور أحكام لصالحه.
وطالب رئيس اتحاد الصناعات المصرية الحكومة بحل تشريعي يتيح الحفاظ علي حقوق الدولة في الشركات التي تم بيعها بأقل من ثمنها الحقيقي، وفي نفس الوقت يحافظ علي المراكز القانونية التي نتجت عن عقد البيع، وحقوق المستثمرين الذين وثقوا في الحكومة المصرية وأبرموا معها العقود. وتتجه الحكومة المصرية في التعامل مع أزمة احكام الخصخصة إلي عمل حل تشريعي يحافظ علي حقوق الدولة والمستثمرين.
وقال حازم الببلاوي رئيس الوزراء ، خلال حوار مع فضائية ‘سي بي سي’ الخاصة المصرية، يوم 20 تشرين الأول الماضي، إنه طلب من وزير العدل إعداد تشريع لا يغطي على المخالفات والاختلاسات والتهرب وغيره، ولكن في نفس الوقت يضمن حماية الظاهر الذي ترتب عليه معاملات حسنة النية بعد ذلك’.
وأضاف الببلاوي ‘أن استقرار المستثمر أهم شيء لجذب الاستثمارات، وأن هناك لجنة لفض المنازعات وحل مثل هذه العقبات بمجلس الوزراء’. وكانت حكومة هشام قنديل السابقة قد أعلنت في مايو/أيار الماضي عن إعداد مشروع لتعديل بعض أحكام قانون ضمانات وحوافز الاستثمار، تسمح بالتصالح في عقود بيع الشركات القابضة والتابعة. وقال جمال بيومي، أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، إن أحكام الخصخصة التى اصدتضع الحكومة أمام اختبار حقيقي، لإثبات جديتها في جذب المستثمرين العرب والأجانب’.
وأضاف بيومي في اتصال هاتفي مع وكالة الأناضول ‘الحكومة مطالبة بأفعال واتخاذ إجراءات ، وليس ترديد تصريحات فقط، لأن هذه الأحكام بمثابة عقاب للمستثمر فقط، ولا تعاقب المسؤولين الحكوميين الذين أبرموا هذه التعاقدات’. وقال ‘يجب إجراء حل تشريعي يحافظ علي حقوق الدولة، ولا يتستر علي فساد، وفي نفس الوقت يحافظ علي حقوق المستثمر، والمراكز القانونية التي نتجت عن عقود الخصخصة، لعدم التأثير سلبا علي مناخ الاستثمار’.
كان منير فخرى عبد النور، وزير الصناعة المصري، قال في تصريحات نهاية أيلول الماضي إن الحكومة تنوي اتخاذ إجراءات لتحفيز المستثمرين العرب والأجانب للعودة إلى مصر مرة أخرى مع وضع ضمانات كافية لتلك الاستثمارات. وأضاف عبد النور، أن مصر تلقت ردود أفعال سلبية من الخارج بشأن أحكام بطلان خصخصة بعض الشركات. وقال الدكتور سلامة فارس، الخبير الاقتصادي، إن أحكام بطلان عقود الخصخصة غير قابل للتنفيذ، وكل ما تفعله الحكومة هو استهلاك للوقت، بدليل عدم تنفيذ أي حكم حتى الأن. وحتى الآن لم يطبق غير حكم واحد يتعلق ببطلان خصخصة سلسلة عمر أفندي أحد أقدم المتاجر المصرية.
وأضاف فارس في اتصال هاتفي لوكالة الأناضول ‘لا يستطيع أحد تحديد تكلفة استرداد هذه الشركات حاليا، ولا حتي تكلفة التحكيم في حالة لجوء المستثمر إليه .. في كل الأحوال سيكون الثمن مرتفعا، وسيضر الاقتصاد المصري بشدة’. لكن الدكتور محمد عبد العزيز حجازي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية في القاهرة، قال إن الأحكام القضائية بإعادة الشركات التي تم خصخصتها للدولة فيها ايجابيات أيضا، لأنها تعالج القصور في التقييم، وأسلوب الطرح، الذي شاب خصخصة الشركات.
وأضاف حجازي في اتصال هاتفي ‘بغض النظر عما شاب عمليات بيع الشركات الصادر بشأنها أحكام ببطلان البيع، لابد من إجراء تسويات عادلة مع المستثمرين، للحفاظ علي سمعة مصر’.