واشنطن لأولوية الإفراج عن طُل الملوحي.. ودمشق ترفض المبدأ
لينا فخر الدين
ما إن فتحت أبواب التفاوض بين الخاطفين قادة «لواء عاصفة الشمال» والسلطات اللبنانية عن طريق الأتراك وبمعرفة القطريين وسعد الحريري، بناء على طلب الأتراك، حتى برزت سلسلة معطيات على الأرض، أبرزها الغارة الاسرائيلية على مواقع عسكرية قرب دمشق، واقدام مجموعة شيشانية مسلحة على خطف متروبوليت حلب والاسكندرون وتوابعهما للروم الارثوذكس المطران بولس اليازجي ومتروبوليت حلب لطائفة السريان الأرثوذكس المطران يوحنا إبراهيم قرب مدينة حلب في الثاني والعشرين من نيسان 2012، بالاضافة الى زيارة السيناتور الأميركي جون ماكين لشمال سوريا واجتماعه بمجموعات من المعارضة المسلحة بينها مجموعة خاطفي لبنانيي أعزاز.
طلب مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم العائد من تركيا، اجتماعا عاجلا بلجنة أهالي المخطوفين، أطلعهم خلاله على مجريات التطورات التفاوضية، وتم التوصل إلى تفاهم ابقي طي الكتمان وتضمن النقاط الآتية:
ـــ وقف التظاهر أمام مقر الوحدة التركية العاملة ضمن «اليونيفيل» في الجنوب نظرا للانعكاسات السلبية لهذا التحرك على عمل الأتراك وكل «القبعات الزرق».
ــــ عدم التوجه بأية عبارة غير لائقة بحق الرموز السياسية التركية بما فيها سفير تركيا في لبنان.
ــــ عدم التعرض للمصالح التركية في لبنان من جهة وحفظ حق الأهالي بالتظاهر السلمي من جهة ثانية.
في موازاة ذلك، تفاعلت زيارة ماكين لبنانيا، ونقل مخبرون معلومات إلى أجهزة أمنية عدة حول نية أهالي المخطوفين الاقدام على «عمل ما» ضد المصالح الأميركية في بيروت، وذلك ردا على لقاء السيناتور جون ماكين بخاطفي اللبنانيين التسعة. تم تحليل تلك المعلومات وجرت مقاطعتها مع معطيات ميدانية، وتبين أنها غير جدية، وبرغم ذلك، تم إيصال رسائل تحذير الى السفارة الأميركية في بيروت.
جرت مشاورات بين السلطات الأميركية واللبنانية في نهاية أيار 2013، تمحورت حول ما أسميت «التداعيات السلبية التي خلفتها زيارة ماكين على قضية مخطوفي أعزاز وملف التبادل»، خاصة بعد أن نشر صحافيون لبنانيون صورا للسيناتور الأميركي مع كل من محمد نور(المسؤول الاعلامي في لواء عاصفة الشمال) و«ابو يوسف»(أحد قادة اللواء المذكور).
بعثت السلطات اللبنانية برسالة إلى الأميركيين مفادها أن رؤية السيناتور ماكين مجتمعا بالخاطفين ولّد قناعة لدى أهالي المخطوفين، بأن الادارة الأميركية «توفر غطاء للخاطفين لا بل توفر مظلة حماية لمجرمين ارهابيين وفق القانون الدولي».
وتزامن ذلك مع «لا» كبيرة تبلّغها الأميركيون، عبر قنوات عدة، حول رفض السلطات السورية أصل البحث في موضوع الموقوفة السورية طل الملوحي التي دأب الأميركيون على مطالبة السلطات السورية باطلاق سراحها.
يذكر أن الملوحي (من مواليد مدينة حمص) محكومة بعد توقيفها في السابع والعشرين من كانون الأول 2009 «بجرم التجسس لمصلحة وكالة المخابرات المركزية الأميركية والتخطيط لاعتداء على ديبلوماسي سوري في القاهرة في العام 2009»، حسب نص الحكم الصادر بحقها، بينما تقول المعارضة أن الملوحي اعتقلت على خلفية نشر مقالة ضد النظام في مدونتها.
وكان لافتا للانتباه أن زيارة ماكين جاءت مخالفة للاشارة الأولى التي أعطتها دمشق في موضوع الصحافيين الأميركيين المخطوفين في سوريا (اوستن نايس وجايمس فولي)، وذلك على لسان الرئيس بشار الأسد في مقابلته مع صحافي أرجنتيني.
لا للإفراج عن طل الملوحي
التداعيات السلبية المحتملة لزيارة ماكين على ملف مخطوفي أعزاز وما يتوافر من معلومات لدى السلطات الرسمية اللبنانية حول قضية المطرانين ابراهيم واليازجي، كانت في صلب المشاورات العاجلة التي أجرتها السفيرة الأميركية مورا كونيلي في بيروت قبيل مغادرتها النهائية في بداية الصيف المنصرم، وهي استفسرت من أكثر من جهة سياسية وأمنية عما يتردد عن نية أهالي مخطوفي أعزاز القيام بتحركات احتجاجية باتجاه السفارة الأميركية في عوكر، وطلبت المساعدة في اتخاذ اجراءات أمنية اضافية لتعزيز أمن السفارة.
وفي وقت لاحق، تبلغت لجنة أهالي مخطوفي أعزاز من السفارة الأميركية أن الصور التي التقطت لماكين «كانت عرضية وغير مقصودة»، وأنه «لا ضرورة لتكبير المسألة».
أدت التوضيحات المتبادلة بين الأميركيين والسلطات اللبنانية الى تجاوز «مطب ماكين»، وصارت قضية المطرانين ضاغطة أكثر فأكثر على الجميع، خاصة في ضوء تضارب المعلومات حول مصيرهما وهوية المجموعة الخاطفة وإن تقاطعت المعلومات عند أرجحية فرضية خطفهم على أيدي مجموعة شيشانية متطرفة قرب مدينة حلب في سوريا.
«واحة انسانية» تركية!
تكثفت المشاورات بين بيروت وأنقرة، وتبلغ الجانب اللبناني أن الوساطة التركية أثمرت محاولة «لخلق واحة انسانية» من خلال اجتماع أمني لبناني تركي قطري بحضور ممثلين للخاطفين، على أن يبقى سعد الحريري «في الجو» بصورة دائمة!
توجه وزير الداخلية مروان شربل برفقة اللواء عباس إبراهيم إلى تركيا وعقدا اجتماعا بتاريخ الحادي والثلاثين من أيار 2013 مع نائب مدير المخابرات التركية السفير عبد الرحمن بيلجيك في مقر الاستخبارات التركية في أنقرة.
تميز هذا الاجتماع باللغة الديبلوماسية و«الوجدانية» التي استخدمها مروان شربل مع المسؤولين الأتراك. شكرهم على دورهم وحسن ضيافتهم وتحدث عن العادات والتقاليد المشتركة وعن المطبخ اللبناني والتعابير والأمثلة الشعبية والمصطلحات اللبنانية اليومية المأخوذة من حقبة الاستعمار العثماني وكذلك عن الأبنية التي شيّدها العثمانيون في بيروت ومنها مقر وزارة الداخلية في الصنائع وتمنى على بيلجيك أن يلبي دعوته لزيارة لبنان، وأخذ على الأوروبيين أنهم «لا يقدرون عظمة تركيا»، متمنيا قبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي!
كان من المقرر أن يلتقي شربل وابراهيم مدير المخابرات التركية، لكن ظروفا طارئة جعلت الأخير لا يكون موجودا في أنقرة، ولكن على مسافة أمتار قليلة من مكتب حقان فيدان، كان ضباط أتراك ومندوبون من سفارة قطر، قد جلسوا في أحد المكاتب ومعهم قائد «لواء عاصفة الشمال» الجديد سمير العموري وأحد رجال الدين(صلاح الدين حسون) بصفتهم يمثلون الجهة الخاطفة.
كانت رحلة العموري وحسون من أعزاز الى أنقرة قد بدأت فجر يوم الجمعة، وبرغم كل الترتيبات التي أجريت للقاء شربل وابراهيم بالخاطفين، فان التفاصيل المتعلقة بالشكل والمضمون كادت تطيح بالاجتماع، وهذا ما بينته مجريات اللقاء الذي استمر حتى موعد صلاة الجمعة.
انتقل الوفد اللبناني برفقة بيلجيك الى قاعة الاجتماعات التي اتخذت شكلا مربع الأضلاع. تجدد مسلسل الانتظار على مدى أكثر من ثلاثين دقيقة، كانت فرصة اضافية لكي يُخرج وزير الداخلية نفحات عاطفية اضافية جعلت وجه بيلجيك يصاب بالاحمرار أكثر من مرة.
الخاطفون.. والدولة اللبنانية معا!
فجأة يدخل الى القاعة مندوبو تركيا وقطر، ثم سمير العموري والشيخ حسون وشخص ثالث من المجموعة الخاطفة.. لم يلق الثلاثة الأخيرون التحية على الحاضرين. اختار العموري مكانا لجلوسه، غير المكان الذي حدده له الأتراك، بينما كانت تمر لحظات من التوتر الشديد، حتى أن الوزير مروان شربل لم يصدق كيف تعمد الخاطفون اهانة مضيفيهم الأتراك علنا.
افتتح نائب مدير المخابرات التركية الاجتماع، ولخص ما سبقه من مشاورات وأعطى الكلام لوزير الداخلية اللبناني الذي كابر على مشاعره وتوجه الى العموري قائلا له «اتصالان حصلا بيني وبينك حتى الآن.. وبمجرد سماعي صوتك تملكني شعور بأن قضية المخطوفين ستجد حلا، لا بل أنا على يقين أنك لو كنت أنت قائد المجموعة عندما حصلت واقعة الاختطاف، لما بقي اللبنانيون قيد الاحتجاز طوال هذه الفترة»، وقال له إن آل العموري موجودون في مدينة جبيل وبلدة عمشيت مسقط رأس الرئيس اللبناني ميشال سليمان.
ثاني المتحدثين كان العموري، واختار أن يبدأ مداخلته «من الأول»، على حد تعبيره، وبلغة حادة وتعابير متجهمة، فتوجه الى المندوب التركي بيلجيك سائلا:«انت تقول انه بعد اخلاء اللبنانيين سيزهر الربيع العربي مجددا.. لكنك لم تتطرق الى موضوع تدخل «حزب الله» في سوريا.. ويهمني أن استفسر هل هذا التدخل من ضمن المساعدات الانسانية للحزب الذي غاص حتى أذنيه في بحر الدم السوري وارتكب ما ارتكب»!
أضاف العموري أن المخطوفين التسعة «على علاقة شخصية بحسن نصرالله»، وقال «هؤلاء ليسوا مدنيين بل عسكريين، ولو أردنا المعاملة بالمثل، كنا تصرفنا معهم بطريقة مختلفة كما يتصرف «حزب الله وبالتالي ما كانوا على قيد الحياة»!
هنا قاطعه الوزير شربل وسأله «اذا افترضنا أن ما تقوله عن الشيعة و«حزب الله» صحيحا، هل يمكنك أن تشرح لي سبب خطف المطرانين»؟
أجابه العموري:«نحن لم نخطفهما، وعلى الأرجح أنهما بيد مجموعة معارضة لكي تحميهما من بطش النظام كما فعلت مع ابن المفتي الشيخ أحمد حسون والشيخ محمد سعيد البوطي»!
«تركيا تمثلنا»
وتابع العموري موجها كلامه الى الوسطاء الأتراك: «كنا أرسلنا اللوائح المطلوبة بالنساء المعتقلات وبالتالي لا أرى سببا لدعوتي الى هذا الاجتماع (بعصبية بالغة)، وأنا أعتبر أن قطر وتركيا وهيئة علماء المسلمين يمثلون لواء عاصفة الشمال».
قاطعه ابراهيم متمنيا على الأتراك والقطريين توضيح هذه النقطة التي اثارها العموري حول تفويضه «الوسطاء» بأن ينوبوا عنه بالكامل في المفاوضات.
غير أن الجانبين التركي والقطري تبادلا النظرات المستغربة تعبيرا عن انزعاجهما من عبارة العموري المفاجئة.
هنا، طلب مروان شربل الكلام قائلا «عندما خطف اللبنانيون الـ11 في ايار 2012 لم يكن «حزب الله» قد تدخل في سوريا، ولم يكن عدد النازحين السوريين قد لامس عتبة المليون وربع المليون نسمة. اللبنانيون المخطوفون كانوا في رحلة دينية برفقة زوجاتهم وليس في مهام عسكرية وأمنية».
قاطعه العموري:«هدف مرافقة النساء هو التمويه فقط لا غير».
تدخل المندوب التركي وطلب من العموري والآخرين التزام الهدوء، مبديا ثقته بالنوايا الحسنة لجميع الحاضرين، وجدد التأكيد على البعد الانساني للقضية، «لأننا لسنا على طاولة تهدف الى حل الأزمة السورية بل معالجة قضية محددة. الحل السياسي يقع على عاتق أطراف دولية واقليمية».
وقال بيلجيك:«اليوم هو يوم جمعة والأخ العموري وعدد من الحاضرين يريدون تأدية صلاة الجمعة، لذلك نأمل أن نستفيد من الوقت لطي هذه الصفحة قبل حلول موعد الصلاة».
طلب العموري من مرافقه الشيخ حسون أن يدلي بدلوه، فقال الأخير:«النظام قتل 211 من النساء اللواتي وردت أسماؤهن في اللائحة الأولى تفاديا للافراج عنهن. صرنا نخشى تقديم اسماء جديدة مخافة تصفية أصحابهن، ولذلك قررنا وقف المفاوضات اذا استمر عدم تجاوب الجانبين اللبناني والسوري»!
جرى نقاش تقني حول اللائحة التي تضمنت أسماء مكررة وأخرى خاطئة أو أفرج عنها سابقا أو لم تدخل السجون نهائيا، قبل أن يتوجه حسون بسؤال لابراهيم عن حقيقة ما يقال عن توقيف 150 مـــــعارضا سوريا في لبنان على يـــــد الأمن العام؟
التزم ابراهيم الصمت، وتولى وزير الداخلية الرد على حسون بالنفي، داعيا الى حصر النقاش بملف المخطوفين.
«اكراما للمخابرات التركية»!
وكان لافتا للانتباه في سياق المناقشات تكرار الشيخ حسون أن الخاطفين أطلقوا سراح حسين عمر وعوض ابراهيم «اكراما لجهاز الاستخبارات التركية ومن دون أي مقابل».
وطلب العموري من ابراهيم أن يسلمه نسخة من لائحة الأسماء التي سلمها له النظام السوري، فرد عليه بأنه لن يسلمها له مباشرة بل عبر الوسيط التركي. بعد ذلك، اشار كل من العموري وحسون أنه سيصار الى رفع عدد الأسماء الى 1500.
وكان لافتا للانتباه أن المندوب القطري لم يرفع رأسه طوال الجلسة مكتفيا فقط بتدوين كل شاردة وواردة في الاجتماع.
كما لوحظ أن ممثلي الخاطفين تفادوا شرب المياه والقهوة وتناول الحلوى حتى انفضاض الاجتماع الذي توج بوضع ملخص للنقاشات أعقبه بتمن من العموري وحسون بابقاء اللقاء «طي الكتمان» وذلــــك تحت طائلة أن «أي تظهير في الاعلام سيرتد سلبا على عملية التبادل».
بعد عودة شربل وابراهيم الى بيروت، بدأت عملية التدقيق في اللوائح بين بيروت ودمشق وأنقرة، فيما كانت المعارك في محيط مدينة القصير السورية تحتدم على مدى 18 يوما، وتوجت باعلان «حزب الله» سيطرته والجيش السوري بصورة كاملة على المدينة في الأسبوع الأول من حزيران 2013.
مضت ايام قليلة عـــــلى سقوط القصير، وتــــلقى مدير عام الأمن العام اللبناني دعوة من نظــيره التركي حقان فيــــدان لزيارة أنقرة مجددا.
كان اللقاء الأخير قد عقد بين فيدان ومروان شربل وعباس ابراهيم في نهاية شتاء العام 2013 وتخلله «عرض مؤثر» من وزير الداخلية اللبناني اذ طلب من مدير المخابرات التركية أن يسلمه الى الخاطفين حتى يبادروا الى احتجازه مقابل اطلاق ســـــراح اللبنانيين التســــعة، وهي المـبادرة التي تــــركت أثرا كبيرا في نفــــس فيدان.
في الحادي عشر من حزيران، عقد اجتماع في أنقرة بين مديري الأمن العام اللبناني والمخابرات التركية ضم فريق العمل اللبناني ـ التركي المعني بملف مخطوفي أعزاز.
ماذا جرى في هذا الاجتماع الذي جاء استكمالا لما أسميت «الفرصة الايجابية» التي كرسها اجتماع شربل وابراهيم بالخاطفين للمرة الأولى وفي أي سياق تمت عملية خطف القبطان التركي في شركة الطيران التركية مراد أكبينار ومساعده مراد آغا على طريق مطار بيروت الدولي في التاسع من آب 2013؟
صفقة أعزاز من ألفها الى يائها -1-
الحريري «يتبرع» لبري ونصر الله.. وقطر ترد «الأمر لي»!
صفقة أعزاز من ألفها الى يائها -2-
«ألو.. سمير العموري.. معك عباس ابراهيم»!
صفقة أعزاز من ألفها إلى يائها ــ 4 ــ
الأتراك يسحبون أيديهم.. والطياران يقعان في «المصيدة»!
صفقة أعزاز من ألفها إلى يائها ــ 5 ــ
«داعش» في أعزاز.. الزوار في «باب السلام»!
صفقة أعزاز من ألفها إلى يائها -6- (الأخيرة)
أمير قطر يخاطب «حزب الله»: الزوار اللبنانيون تحرروا
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه