لم تخف إسرائيل الرسمية انزعاجها من طريقة تعامل وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليس فقط مع المشروع النووي الإيراني بل أيضا مع التسوية السلمية مع الفلسطينيين
حلمي موسى
لم تخف إسرائيل الرسمية انزعاجها من طريقة تعامل وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليس فقط مع المشروع النووي الإيراني بل أيضا مع التسوية السلمية مع الفلسطينيين. وإذا كان انزعاج رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من اقتراب الدول العظمى من الاتفاق مع إيران، صارخا، فإن انزعاج حكومته من تصريحات كيري بشأن احتمالات تفجر انتفاضة فلسطينية ثالثة إذا انهارت المفاوضات، كان مستترا.
وفي كل الأحوال، قاد الحديث عن التوتر بين إسرائيل وإدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما بسبب هذين الأمرين إلى انتشار قصص كثيرة وحملات مستترة ومتبادلة في الصحافة الأميركية والصحافة الإسرائيلية، التي ذهب بعضها إلى حد وصف كيري بـ«جون كيشوت».
ولا ينكر كثيرون في إسرائيل وأميركا على حد سواء واقع أن انفجار غضب الجانبين احدهما على الآخر يظهر مقدار شفافية الغطاء الذي يكسو العلاقات السياسية المتوترة بين الحكومتين. فقبل أسبوعين تقريبا تحدث كيري محذراً نتنياهو من أن أميركا لا تخضع للتهديدات.
وأثارت تلك الأقوال ليس فقط القيادة الإسرائيلية بل أيضا زعامة اليهود في أميركا وأنصار إسرائيل في الكونغرس. ولكن الكثيرين رأوا في ردود الفعل الإسرائيلية ذاتها ما يثير أيضا غضب الأميركيين ممن لا يريدون رؤية إسرائيل وكأنها تقودهم وترغم قيادتهم على انتهاج سياسة لا تحقق المصلحة الأميركية.
وقد استذكر البعض كلام الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عن أحد لقاءاته الأولى مع نتنياهو كرئيس للحكومة الإسرائيلية حين قال: «من يظن نفسه أبدا؟ من هي القوة الأعظم بحق الجحيم؟». كما استذكر البعض موقف وزير الخارجية الأميركية في عهد جورج بوش الأب، جيمس بيكر الذي حظر على نتنياهو دخول وزارة الخارجية الأميركية بسبب غطرسته.
ومع ذلك، فإن أشد التوتر هو ما قيل عن لقاء نتنياهو مع كيري في مطار اللد بعد جولة للأخير في المنطقة وقبيل سفره إلى مدينة جنيف السويسرية للاجتماع إلى الإيرانيين. فقد خرج نتنياهو بهجوم علني ضد الموقف الأميركي من المشروع النووي الإيراني واندفع رجاله مطالبين زعامات اليهود وأنصار إسرائيل في أميركا بإنقاذ إسرائيل من خطر داهم.
ورد كيري على ذلك بمطالبته زعامات الكونغرس ويهود أميركا بعدم الإصغاء لكلام الإسرائيليين. وأثارت التسريبات حول طلب كيري من أعضاء الكونغرس عدم الإصغاء لمطالب إسرائيل لأنها تزيد الوضع تعقيداً مع إيران، غضب الإسرائيليين أكثر. واندفع وزير الاتصالات الإسرائيلي جلعاد أردان لانتقاد كيري بشدة، مدعيا أن كلام كيري لم يسمع في واشنطن منذ سنوات طويلة.
وقال «عندما يدور الحديث عن دولة تريد تدمير إسرائيل وبشروط تسمح لها بتنفيذ مرادها، فما الذي تتوقعونه من رئيس حكومة إسرائيل؟ أن لا يصرخ والسكين باليد، منتظرا وضع السكين على أعناقنا».
وشرعت صحف أميركية وكتاب أعمدة بشن حملات مع وضد نتنياهو وكيري. وردت الصحافة الإسرائيلية بحملات على كيري بينها نشر وثيقة تظهر تأييده لناشطين ممن كانوا ينوون تسيير أسطول للحرية تضامنا مع قطاع غزة ومن أجل فك الحصار عنه. وجرى اتهام كيري وإدارة أوباما عموما بالنية في خيانة إسرائيل، بل غرس خنجر في ظهرها وبيعها للمتطرفين الإسلاميين في المنطقة. وانطلقت هذه الصحف لوصف جون كيري بـ«جون كيشوت» الواهم الذي يبني نظريات تسوية تشبه محاربة طواحين الهواء.
ونقل المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل عن مسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية قولهم إن الأجواء وراء الكواليس في العلاقات بين أميركا وإسرائيل، أشد توتراً وعدائية مما تظهر في وسائل الإعلام.
وقال وزير رفيع المستوى إن كيري لم يعد بوسعه أن يؤدي دور الوسيط النزيه بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وقال هذا الوزير إن أفكار كيري لا تنسجم مع الواقع وهو «يقدم العظات لنا ويهددنا بانتفاضة ثالثة وعزلة دولية وإضفاء الشرعية على خطوات فلسطينية من طرف واحد في المؤسسات الدولية».
وإذا لم يكن هذا كافياً، فإن وزير الاقتصاد نفتالي بينت أعلن في زيارة إلى واشنطن، أمس، أن الإدارة الأميركية «تقامر» بأمن إسرائيل في سعيها للتوصل إلى اتفاق مع طهران حول الملف النووي الإيراني.
وبالعموم، فإن توتر العلاقات بين الإدارة الأميركية وإسرائيل دفع بالعديد من الجهات في الدولتين إلى التدخل لخفض منسوب التوتر. وبين أبرز من تدخلوا الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي يحتفظ بعلاقات حميمة مع إدارة أوباما. وقادت هذه التدخلات، أمس، إلى مكالمة هاتفية بين كيري ونتنياهو حول الشأن الإيراني والمواجهة العلنية بين الدولتين. وأعلن كيري بعد المحادثة مع نتنياهو في شبكة «إن بي سي» الأميركية أنه «يحترم تماما قلق رئيس الحكومة الإسرائيلية بشأن إيران». وأضاف أن هدف الدولتين مشترك وهو منع إيران من إنتاج سلاح نووي.
ومع ذلك شدد على وجود خلاف بين الدولتين بشأن فرض عقوبات جديدة، مطالبا الكونغرس بالتريث وعدم فرض عقوبات جديدة على إيران.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه