28-11-2024 02:43 AM بتوقيت القدس المحتلة

وداعاً خليفة: البحرين على سكة التسوية الاقليمية

وداعاً خليفة: البحرين على سكة التسوية الاقليمية

"سنُدرج في خطاب الرئيس قضية البحرين".. هذا ما سمعه مسؤولو مكتب رئيس الجمهورية الاسلامية الإيرانية الشيخ حسن روحاني من نظراء لهم في البيت الأبيض

"سنُدرج في خطاب الرئيس قضية البحرين".. هذا ما سمعه مسؤولو مكتب رئيس الجمهورية الاسلامية الإيرانية الشيخ حسن روحاني من نظراء لهم في البيت الأبيض، في اتصال استبق خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي. ولم تكن العبارة عابرة، فالمطلوب بالمقابل: لقاء يجمع بين الرئيسين، لم يحصل. ثم كانت مكالمة "كسر الجليد" المشهورة، فسمع روحاني من نظيره الأميركي كلاما ذكر فيه البحرين مجدداً قائلاُ: إذا نجحنا في الملف النووي، فإن حوارنا معكم سيشمل ملفي سورية والبحرين أيضاً.

إشارات أميركية أتت لتعبر عن رغبة في حل الأزمة البحرينية ، وعن قناعة بأن طهران باتت معنية بشكل مباشر بما تشهده المنامة، إن لم تكن جزءاً من الحل... والقناعة نفسها تسود في دوائر القرار العليا في المملكة الخليجية  التي تسعى إلى فتح قنوات مباشرة مع الايرانيين، وسط تكتم إعلامي شديد، وفق رأي الكاتب والباحث الإيراني د. محمد صادق الحسيني في حديث لموقع قناة المنار.

وكلام الحسيني تعززه معلومات عديدة، خاصة بعد استضافة مشهد قبل أيام وفداً من شركة طيران الخليج "الناقلة الوطنية لمملكة البحرين"، كرَّر الوفد البحريني في زيارته طلبه بالسماح للشركة البحرينية باستئناف رحلاتها إلى الجمهورية الاسلامية، بعد عامين من التوقف، إثر توتر العلاقات بين البلدين على خلفية الحراك الشعبي الذي انطلق في البحرين في 14 شباط/ فبراير الماضي.

أثمرت زيارة الوفد، وأعلنت الشركة البحرينية استئناف رحلاتها إنطلاقاً من 17 كانون الأول/ ديسمبر المقبل. وافقت إيران على الطلب البحريني بعد تجاهله مرات عدة سابقاً، ليشي ذلك بأن انفراجاً في العلاقات بين البلدين باتت تتضح معالمه.

وقبل ذلك، أتت تسريبات نُشرت عما دار في لقاء صريح جمع بين وزيري خارجية ايران محمد جواد ظريف والبحرين خالد بن أحمد آل خليفة، بعد رسالة عاجلة أرسلها الأخير إلى نظيره الايراني.

بكل وضوح وصراحة تحدث وزير خارجية البحرين عن رغبة بلاده بعلاقات مباشرة مع إيران عبر ارسال سفير إيراني إلى المنامة، ووصف ما تشهده سورية بأن إرهاب عصابات مسلحة ليس له علاقة بثورة أو تغيير. وأهم ما قاله أحمد بن خليفة لظريف:" هناك ثلاث محاولات وساطة بيننا وبين المعارضة (قطرية – كويتية- الاتحاد الاوروبي)، وحكومتنا تعتقد أنها لن تنجح. رأيننا انكم أفضل من يقود أي واسطة بيننا وبين المعارضة، لذلك نريد وساطتكم "، تابع بن أحمد دون أن يسمع رداً شافياً من ظريف، فذكّر الأخير نظيره أن طلب حكومته وساطة ايرانية ليس بجديد، رغم تكذيبه من قبل المنامة. وطلب وزير الخارجية الايراني فرصة لدرس الموقف مشترطاً: "إذا كان طلبكم جدياً هذه المرة، عليكم الا تكذبوه في حال إعلاننا عنه".

السيناريو الايراني: حل على الطريقة السورية

لإيران مصلحة في استقرار البحرين الواقعة على حدودها، وهي معنية بالفعل بما تشهده الجزيرة الخليجية، وقد نجحت إيران في نسج علاقة طيبة مع الشعب البحريني الذي فيه نسبة لا يُستهان بها من ذوي الأصول "العجمية" الذين قدم غالبيتهم من المدن الايرانية بوشهر ، فارس، لار، ولامريد. ويعد "عجم البحرين" مكوناً رئيسياً من المجتمع البحريني ، وتترواح نسبتهم ما بين 20 إلى 30% من مجموع سكان البحرين.

ويوضح الباحث الايراني محمد صادق الحسيني، في حديث مع موقع المنار، أن في جعبة الجمهورية الاسلامية طرحا يشكل حلاً للأزمة البحرينية، مشابه لما طُرح في سورية، ويتمثل بالتوقف عن قمع الشعب والاستقواء بالخارج واخضاعه للاحتلال من قبل القوات السعودية، على أن يلي ذلك حوار جاد بين النظام والمعارضة، يؤكد الطرفان فيه على رفض التدخل الخارجي واعمال العنف، وبناءً على نتائجه يكون البحرين قد طوى صفحة الأزمة.

السيناريو الأميركي: "تنحَّ يا خليفة"

وللأميركيين سيناريو آخر يطرحونه كحل لأزمة البحرين. ففي رسالة تلقتها المعارضة البحرينية ، عرض الأميركيون على الجمعيات حلاً يقضي بالتالي: حصول المعارضة على 22 نائباً من أصل 40 ينتخبهم الشعب (المجلس السابق حصدت فيه المعارضة 18 نائباً)، إضافة إلى تشكيل حكومة منتخبة بعد تنحى رئيسها خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي يشغل المنصب منذ عهد الانتداب البريطاني ، أي ما يزيد عن أربعين سنة، على أن يُستبدل بولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة. ورغم ما حمله الاقتراح الأميركي من ايجابيات ، إلا أنه واقعاً لم يرقَ إلى الطموحات الشعبية التي بلورتها المعارضة في وثيقة المنامة.

خليفة بن سلمان آل خليفةولم تطرح الولايات المتحدة عرض الاطاحة برئيس الحكومة عبثاً، اذ يقتنع الأميركيون أن مطلب استبدال  رئيس الحكومة يقع على سلم مطالب المعارضة، ودونها لا مجال للحديث عن تغيير. ولعل البرقيات الواردة تؤكد أنَّ نقمة الشعب على سياسات رئيس الوزراء لا تعادلها نقمة. وما يريده الأميركي يتمثل بتكرار التجربة القطرية، وقد تلقت الحكومة البحرينية رسائل أميركية فُهم من مضمونها أنَّ الأخيرة باتت مقتنعة بأن عدم الاستقرار في البحرين مرده إلى سياسات الحكومة الفاشلة التي تدفع إلى مزيد من التأزيم.

وقد وجَّه عضو الكونغرس الأميركي جيمس ماكجفرن دعوة إلى حكومة بلاده مطالباً بتحويل مقر الأسطول الخامس الأميركي من البحرين إلى موقع آخر، وذلك بعد دراسة الوضع السياسي في المملكة، بحسب قوله. وأضاف أنه تقع ضرورة ملحة لتغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه البحرين، مؤكداً ان وزارة الخارجية الأميركية باتت مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بأن الحفاظ على استقرار العلاقات الأميركية البحرينية لن تكون عملية سهلة في ظل استمرار انتهاكات حقوق الإنسان.

بالمقابل، تصف شريحة واسعة من المعارضة شخصية ولي العهد البحريني بالاعتدال، وهو مقرب من الأميركيين وعلى تواصل مع المعارضة. وتنقل أوساط أن لقاءات جمعت بين سلمان بن حمد وأقطاب معارضة، من بينها أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، وهي معلومات سبق أن نفتها الوفاق سابقاً، فيما لم يصدر أي تعليق رسمي عليها! معلومات أخرى تؤكد أن قيادات وفاقية وتحديداً نائب الأمين عام خليل المرزوق التقى بولي العهد ثلاث مرات، قبل أسابيع من اعتقاله.

وقد سمع هؤلاء من ولي العهد وعوداً اصلاحية منها برلمان وحكومة منتخبة، وتغييرات سيخضع لها مجلس الشورى المعيّن ملكياً، لتسير الأمور تدريجياً نحو تحقيق إصلاح يُنشده الشعب. تقول المصادر إن ما سمعته المعارضة من وعود تعاملت معه على أنه يبقى كلاماً ما لم يتحول إلى إصلاحات فعلية يثبتها البحرينيون بعد اتفاقهم على جملة أمور في مقدمتها: اطلاق المعتقلين، واعادة المفصولين، وتسوية ملف التجنيس السياسي، وغيره من الأمور.

هواجس الملك

ويدرك البحرينيون أنَّ التغيير قادم لا محال في الأشهر المقبلة. في العام 2011 كانت مطالب التغيير تطرق أبواب قصور أهل الحكم في الجزيرة، لم يكن أحد حينها يرتجف كما رئيس الحكومة، بعد أكثر من عامين لا يسيطر الخوف على خليفة بن سلمان وحده، بل على ملك البلاد أيضاً. ولعل ما يقلق الملك هو عواقب الرغبة الأميركية في الاطاحة "بالعم" الموصوف بالتشدد، والذي يحظى بتأييد "جناح الخوالد" المحسوب على المملكة العربية السعودية. كما أن أكثر ما يُرهبه تكنهات تجيب عن سؤال مفاده: كيف سيتلقى جناح رئيس الوزراء الحالي خبر تنحي شيخهم الأكبر؟

وللجناح المرتبط بالمملكة العربية السعودية سياسات ينظر إليها الأميركيون بعين الريبة، إذ يقدم هذا الجناح دعم إلى مجموعات تتلاقى أطروحاتها مع "تنظيم القاعدة"، وقد عمد الجناح إلى تسليح ميليشيات مدنية يستخدمها في صراعه مع المعارضة. وتتضح المخاوف الأميركية في كلام للبروفسير أمين نخلة ذكره في جلسة استضافها الكونغرس الأميركي يوم الجمعة ، وقال فيه:"جناح الخوالد من الأسرة الحاكمة هو الذي يمتلك خطوط القوة، وهو الجناح الذي يقوم حالياً برسم خطة للتحالف مع البريطانيين ضد الأميركيين، وهي خطة ساذجة ولن تفيد إلا في تهديد دبلوماسيينا هناك، وأعتقد أن على حكومتنا أن تأخذ هذا الموضوع بشكل جاد".

إضافة إلى خوفه من العم، يخشى الملك ارتباط نجله الوثيق بالأميركيين، ويعيش قلقاً إزاء فرض الأميركيين للتغيير. ويرى حمد بن عيسى آل خليفة أن الاجواء الايجابية على خط المنامة- طهران من شانها أن تبطئ عجلة التغيير الأميركية، وقد يكسر صورة دولية عززتها السياسات البحرينية بأن القرار السياسي البحريني يُتخذ في الرياض، بحسب تقدير د. الحسيني.

إلا أن مساعي لانفتاح على إيران،  يرافقها تصعيد في استهداف الشارع، يراه الباحث الايراني أنه يأتي للتغطية على ضعف النظام، فـ"التنازل امام ايران يوازنه النظام البحريني بتصعيد ضد المعارضة، كي لا تشعر الأخيرة بأنها في موقع القوة، وتستغل ذلك للاصرار على تحقيق كامل مطالبها.. يريد النظام أن يقول لمعارضيه: "لا تظنوا أننا نلهث وراء التسوية"، ولذلك فإن النظام لا يمكنه تخطي الخطوط الحمر المرسومة له، ذهب في التصعيد فاعتقل خليل المرزوق ومن ثم أفرج عنه، واستدعى أمين الوفاق للتحقيق لست ساعات متكاملة دون أن يجرؤ على التمادي أكثر من ذلك.

حل البحرين مرهون بسورية

ويتابع محمد صادق الحسيني حديثه مؤكداً أنه على الرغم من إصرار المعارضة البحرينية على أن مشروعها وطني وداخلي بامتياز، إلا أن الملف البحريني أُلحق بملفات المنطقة، ولا يمكن أن يُحل بسهولة دون أن تحسم ملفات اقليمية عدة أبرزها سورية.

ولعل النظام الرسمي كان أول من أخرجه من إطاره الداخلي عندما هرب من مواجهة تورط مسؤوليه في قضايا الفساد والاضطهاد والتمييز والقتل والقمع باتهام إيران بالوقوف وراء الاحتجاجات الشعبية، وهو ما نفته طهران والمعارضة أكثر من مرة. هذا وذهبت أجنحة في النظام البحريني لتربط مصيرها في الحكم بمصير مشروع اقليمي، وأُسند الملف البحريني منذ بداية الأزمة إلى ولي العهد السعودي آنذاك نايف بن عبد العزيز الذي اتخذ قرار دخول قوات "درع الجزيرة" لقمع البحرينيين المطالبين بإصلاح سياسي في بلادهم. وكان فيما بعد حديث مشروع لضم البحرين إلى السعودية، الذي أثار الشارع البحريني، ولم يحظ بقبول رسمي خليجي.

ثم إن التصعيد الذي انتهجته السلطات البحرينية مدعومة بغطاء سياسي سعودي، وسقوط أكثر من 100 شهيد واعتقال المئات بينهم نحو مئة طفل، إضافة إلى فشل جهود الانتقال إلى ديمقراطية حقيقية وتشكل حوار جاد، دفع بالمعارضة إلى التحرك اقليمياً ودولياً سواء مع دول او منظمات.

اليوم، "بات النظام البحريني مرغماً على المضي في طريقي تسوية "أحلاهما مُرُّ": اما أن يقبل بتسوية ايرانية-اميركية عامة كتغييرات ظاهرية وهي نقطة اشتراك بين ارادة ايرانية ورغبة أميركية، او القبول بحوار جاد وشامل مع المعارضة وهو طريق لا يزال يرفضه".

"يقف البحرينيون أمام خيارات التسوية... لتخسر السعودية بهذا ملف آخر، بعد فشلها في سورية، ومكابرة السعوديين لازالت تمنعها من الاعتراف بأن العالم يتغير بسرعة"، وفق ما يختم محمد صادق الحسيني.