أمير قطر يخاطب «حزب الله»: الزوار اللبنانيون تحرروا
كلير شكر
مع تراجع مناخ الضربة العسكرية الأميركية ضد سوريا وبالتزامن مع احتدام الصراع على النفوذ في ريف حلب بين «داعش» وباقي المجموعات السورية المسلحة، ولا سيما «لواء عاصفة الشمال»، اضاف قرار الادارة الأميركية بفتح ابواب الحوار مع طهران حفيظة الجانب السعودي، فيما ضبط القطريون ـ ومعهم الأتراك ولو بحد أقل ـ إيقاعهم الإقليمي، على وقع المعطى الأميركي المستجد.
شكل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثلث الأخير من ايلول الماضي، مناسبة لاطلاق تعبيرات علنية وضمنية كان أبرزها قرار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بعدم إلقاء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا بل رفضه توزيع النص نفسه على الصحافيين.
في المقابل، تلقف القطريون قرار الادارة الأميركية وترجم ذلك بطلب أمير قطر الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني موعدا لزيارة طهران.. ولم يكن قد مضى على توليه عرش الامارة الصغيرة أكثر من ثلاثة أشهر.
ثمة رواية ديبلوماسية مصدرها بعثة عربية في نيويورك أن تميم بن حمد اتصل من نيويورك بمسؤول أمني قطري كبير كان في زيارة عمل أوروبية، وطلب منه ملاقاته الى أسطنبول على وجه السرعة وهو في طريق عودته الى الدوحة.
طلب أمير قطر من المسؤول الأمني درس سبل الانفتاح على ايران و«حزب الله»... وكانت هذه الجملة هي مفتاح التحريك المفاجئ لملف أعزاز من جانب العاصمة القطرية.
في التاسع والعشرين من ايلول 2013، يتلقى مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم اتصالا مفاجئا من سفير فلسطين في أنقرة نبيل معروف يسأله خلاله سؤالا واحدا: «سعادة اللواء هل أنت ما زلت على التزامك بإطلاق سراح 110 سجينات سوريات والطيارين التركيين مقابل اطلاق سراح المخطوفين اللبنانيين التسعة»؟ أجابه ابراهيم: «أكيد». قال الديبلوماسي الفلسطيني العريق «انا في طريقي الى الدوحة وانتظر مني أخبارا جديدة في الساعات المقبلة».
نقل معروف الى وزير خارجية قطر خالد بن محمد العطية ومدير المخابرات القطرية غانم محمد غانم الكبيسي أن اللواء عباس ابراهيم أعطاه التزاما واضحا في موضوع المعتقلات السوريات والمخطوفين التركيين. رد الجانب القطري بانه متفق مع الأتراك على الشروع في انجاز الصفقة في موعد أقصاه عيد الأضحى المبارك.
أطلع السفير نبيل معروف اللواء ابراهيم في اتصال هاتفي على نتائج الاجتماعات وقال له «توقع اتصالا قطريا بك في غضون وقت قصير جدا». كانت الساعة متأخرة ليلا، عندما رن هاتف ابراهيم، وبادره مدير المخابرات القطرية قائلا «متى ستزورنا لكي نتحدث بقضية أعزاز وقضايا أخرى مهمة»؟ أجابه ابراهيم «غدا بالتأكيد». فوجئ المسؤول الأمني القطري من سرعة تلبية الدعوة وقال له انه سيكون في انتظاره.
توجه ابراهيم صباحا الى الدوحة. هناك، سأله الكبيسي عن سر تلبية الدعوة سريعا، فأجابه ضاحكا «ليس عندي أعز من أعزاز».
رحلات مكوكية
عقد اجتماع ثنائي مطول تخلله كلام بالسياسة والأمن.. بدءا بقضية أعزاز، وتأكيد من ابراهيم على تعهداته التي كان قد نقلها الى القطريين السفير نبيل معروف، وأبدى استعداده لتلبية اية دعوة تحت العنوان ذاته، وقال لهم انه تبلغ من جهات سورية رفيعة المستوى استعدادا لتسهيل كل ما من شأنه انهاء مأساة اللبنانيين التسعة في أعزاز.
لم تمض 48 ساعة على عودة مدير عام الأمن العام الى العاصمة اللبنانية، حتى تكرر اتصال الكبيسي به وطلب منه ملاقاته على وجه السرعة في العاصمة التركية.
في اليوم التالي، وصل ابراهيم الى أنقرة، وتوجه مباشرة من مطارها الى أحد أكبر فنادقها، وفوجئ بعد وقت قصير ليس بوصول مدير المخابرات القطرية بل ووزير الخارجية خالد العطية على رأس وفد رسمي وأمني.
منذ تلك اللحظة، أدرك ابراهيم أن قطر اتخذت قرارا كبيرا باقفال ملف أعزاز.
وبالفعل، أبلغ القطريون اللواء ابراهيم أن أمير قطر طلب منهم ألا يعودوا الى الدوحة الا بعد اقفال ملف أعزاز.. حتى لو اضطروا الى تمضية عيد الأضحى في تركيا.
وصل الأتراك الى الفندق نفسه، وبعد ذلك وصل مندوبو فريق الخاطفين.
رفض الجانب اللبناني، هذه المرة، الجلوس وجها لوجه مع الخاطفين، واصر على اعتماد القناة التفاوضية القطرية ـ التركية.
في هذا الخضم، ولدت ديبلوماسية الغرف المغلقة، بحيث تحول القطريون والأتراك الى وسطاء حقيقيين بين الخاطفين من جهة ومدير عام الأمن العام اللبناني من جهة ثانية، وذلك على مدى يومين متتاليين، في الفندق الواحد نفسه.
بدا الفريق الذي يمثل «لواء عاصفة الشمال» أقل حدة من سمير العموري والشيخ صلاح الدين حسون. برغم ذلك، حاول ممثلو الخاطفين، اضافة شروط جديدة غير تلك التي كان قد تم الاتفاق عليها بين الدوحة وانقرة ودمشق وبيروت.
شروط جديدة.. واتصالات جديدة
بينت الشروط الجديدة للخاطفين أن هناك حاجة لجولة جديدة من الاتصالات بين عباس ابراهيم والقيادة السورية. استأذن اللواء ابراهيم من القطريين والأتراك وطلب من أحد ضباط الأمن العام أن يبقى في أنقرة للتواصل مع الوسطاء.
في أول ايام عيد الأضحى المبارك (الثلثاء في 15 تشرين 1)، كان يفترض بمدير عام الأمن العام أن يلبي دعوة رسمية الى مؤتمر أمني دولي يعقد في بروكسيل، وقبيل منتصف ليل الاثنين ـ الثلثاء، وصلت الى فاكس منزله لائحة باسماء المعتقلات السوريات، فكلف أحد معاونيه التوجه صباحا الى دمشق للتدقيق باللوائح والتسهيلات السورية المحتملة.
وضع سفير لبنان في بروكسيل رامي مرتضى جدولا حافلا بالمواعيد لضيفه اللواء ابراهيم، على مدى ثلاثة ايام مع وفود أمنية أوروبية، لكن لم يمض على وجود مدير عام الأمن العام حوالي الثلاثين ساعة في العاصمة البلجيكية، حتى تلقى اتصالا اضطر بعده الى قطع زيارته الأوروبية، مكلفا أحد الضباط اللبنانيين إلقاء كلمته في المؤتمر الأمني الأوروبي، واعتذر عن بقية مواعيده لتصل طائرته ظهر الخميس في السابع عشر من تشرين الأول الى اسطنبول.
تبلغ ابراهيم من الوفد القطري الذي أمضى عطلة عيد الأضحى في تركيا أن هناك ارادة سياسية قطرية ـ تركية بإنهاء ملف أعزاز والمخطوفين التركيين «بأسرع وقت ممكن». جرى التفاوض حول آخر اللوائح المقدمة من الخاطفين، واقتضى الأمر توجه ابراهيم الى بيروت في الليلة نفسها، ومنها في صباح اليوم التالي الى دمشق، حيث بادرت القيادة السورية الى تحديد سقف الحد الأقصى من التسهيلات التي يمكن تقديمها لانجاز الصفقة.
اللبنانيون التسعة بخير
في تمام الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الجمعة، كان عباس ابراهيم قد عاد الى فندق «فور سيزن» في اسطنبول، على متن الطائرة القطرية الخاصة التي وضعت بتصرفه على مدى يومي الرحلة المكوكية، ووجد العطية والكبيسي في انتظاره.
وضع الثلاثة بالتنسيق مع عدد من الضباط الأتراك واللبنانيين وسفير فلسطين في أنقرة نبيل معروف، خطة تتناسب وسقف الشروط المتبادلة.
وقبل الحصول على ضوء أخضر أخير من الجانب السوري، سأل القطريون ابراهيم عما اذا كان مفيدا تسلم المخطوفين التسعة من الخاطفين «قبل وصول الأمور الى خواتيمها»... فرد عليهم بسؤال «وهل هم بخير». «نعم، جميعهم بخير» أجاب القطريون.
قال ابراهيم «برغم فرحتي العارمة واطمئناني الى سلامتهم، لا أريد أن احملكم كوسطاء مسؤولية نقلهم الى أي مكان قبل ابرام الصفقة نهائيا».
برغم هذا الجواب الديبلوماسي، كان ابراهيم قد تلقى معلومات موثوقة بأن المخطوفين التسعة صاروا بعهدة الأمن التركي، بعد أن كانوا قد اجتازوا سابقا معبر باب السلامة الحدودي برفقة ضباط قطريين وأتراك.
عاد عباس ابراهيم الى بيروت، ومنها الى دمشق واقتضى الأمر الطلب من أحد الضباط اللبنانيين أن لا يغادر العاصمة السورية، في انتظار تحديد السقف النهائي الذي يمكن التحرك تحته.
شكرا قطر.. ولكن
في صباح اليوم التالي (السبت 19 ت1)، عاد ابراهيم على متن الطائرة القطرية الخاصة بوزير الخارجية خالد العطية الى اسطنبول. قال للقطريين انه ينتظر جوابا سوريا نهائيا عبر الهاتف، وكانت المفاجأة بأن قال له الكبيسي «نحن نفذنا الرغبة الأميرية بتسلم المخطوفين التسعة وهم بخير».
ما كان معروفا عند ابراهيم صار يقينا وقال مخاطبا مدير المخابرات القطرية: «اشكركم بالغ الشكر على هذه المبادرة الأميرية لكن مع كل السعادة التي تغمرني، أتحفظ على اية خطوة من جانب واحد للأسباب نفسها التي قلتها لكم قبل مغادرتي اسطنبول أمس(الجمعة)».
وبينما كانت كل الوفود في فندق «فور سيزن» تنتظر «ساعة الصفر»، أصدر وزير خارجية قطر بيانا عمّمه عبر «الجزيرة» وأعلن فيه أن اللبنانيين التسعة «أطلق سرحهم وصاروا بأمان».
أجرى مدير عام الأمن العام اتصالات سريعة برؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة ووزير الداخلية وقيادة «حزب الله» ونقل اليهم مضمون الرسالة القطرية.
النقطة التي كادت أن تعقد الأمور بعد الاعلان القطري هي اصرار رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان على تضمين الصفقة ضمانات حاسمة في موضوع الطيارين التركيين تكون شبيهة بموضوع اللبنانيين التسعة والسجينات السوريات.
كان المطلب التركي قد طرح قبل ايام قليلة من قبل وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، فجاء الجواب اللبناني من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي مشابها لمضمون ما قاله عباس ابراهيم لمدير المخابرات التركية حقان فيدان بأن ليس من مصلحة تركيا أن تدخل في بازار التبادل وأن تتحول طرفا في قضية ظلت تردد منذ أكثر من سنة ونصف أنها ليست مسؤولة عنها، خاصة وأن الجانب اللبناني أعطاها التزاما واضحا بأن قضية الطيارين مفصولة عن قضية لبنانيي أعزاز.
الطياران في صلب الصفقة
كل هذه التبريرات لم تقنع أردوغان الذي بدت حساباته الانتخابية أقوى من أي اعتبار آخر، وطلب من الاستخبارات التركية أن تتضمن الصفقة اطلاق سراح متزامن للبنانيين والتركيين والسجينات السوريات.
أعطى عباس ابراهيم التزاما للأتراك والقطريين والسلطة الفلسطينية ممثلة بالسفير نبيل معروف في ما يخص اطلاق سراح السجينات السوريات، بعدما تعذر لأسباب تقنية وصولهن في الموعد المقرر الى مطار أضنة.
وكان واضحا أن مصداقية الجانب اللبناني كانت عبارة عن تراكم من الالتزامات الواضحة، وآخرها الطلب الذي تقدم به أوغلو الى كل من الرئيسين بري وميقاتي بوجوب القيام بمبادرة من خاطفي التركيين لطمأنة ذويهما، لمناسبة عيد الأضحى المبارك، فكان أن أوكل رئيسا المجلس والحكومة المهمة الى ابراهيم الذي سارع الى التشاور مع رئيس الجمهورية ووزير الداخلية، وتمنى على لجنة أهالي مخطوفي أعزاز اصدار بيان تناشد فيه خاطفي الطيارين التركيين، توجيه رسالة لذويهما عبر شريط «فيديو»، وهي المناشدة التي فعلت فعلها في أقل من 24 ساعة، وجعلت الأتراك أكثر اطمئنانا للمسار التفاوضي الجاري على أرضها.
في صباح يوم السبت في التاسع عشر من تشرين الأول، توجه ابراهيم والعطية والكبيسي ورئيس جهاز الاستخبارات التركية حقان فيدان الى مطار اسطنبول. حصل هناك اللقاء الأول بين ابراهيم واللبنانيين التسعة. دموع وعناق وفرح.. وحالة تأثر عاطفي نال نصيبا منها الوسطاء القطريون والأتراك.
كان يفترض أن تصل طائرة تقل السجينات السوريات الـ127 الى مطار أضنة عند الخامسة والنصف من بعد ظهر السبت، وفي الوقت نفسه، تقلع طائرة من مطار صبيحة التركي على متنها اللواء ابراهيم واللبنانيون التسعة، وطائرة تركية خاصة من بيروت على متنها الطياران التركيان...
غير أن مجريات التفاوض مع خاطفي الطيارين التركيين اللذين تبين أنهما محتجزان في احدى قرى البقاع الشرقي، اقتضت تدخل الرئيس نبيه بري عبر معاونه الأمني أحمد بعلبكي وقيادة «حزب الله» ممثلة بالحاج وفيق صفا، فنجحا في استلامهما، ليتبين أن نقلهما الى بيروت قد يؤدي الى تأخير عملية الافراج حوالي الساعتين.
نصرالله أول المهنئين
طلب رئيس الجمهورية ميشال سليمان من قائد الجيش العماد جان قهوجي، وضع طائرة عسكرية مروحية بتصرف الأمن العام لنقل الطيارين التركيين من مطار رياق العسكري الى مطار بيروت الدولي ومنه انطلقت طائرتهما مباشرة الى أسطنبول، بالتزامن مع انطلاق اللبنانيين التسعة من مطار صبيحة على متن الطائرة الخاصة لوزير خارجية قطر برفقة مدير المخابرات القطرية غانم خليفة غانم الكبيسي واللواء ابراهيم.
حطت الطائرة التركية في مطار صبيحة وكان في استقبال الطيارين التركيين مراد اكبينار ومراد اغجا، مدير المخابرات التركية والسفير الفلسطيني في تركيا نبيل معروف وعائلتا الطيارين ورفاقهما.
في بيروت، صافح وزير الخارجية القطري عند باب الطائرة اللبنانيين التسعة وتمنى للواء ابراهيم «كل الخير»، وأوصاه بزميله غانم خليفة غانم الكبيسي الذي أمضى اسبوعا في بيروت.. استكمالا لمجريات صفقة أعزاز..
في مطار بيروت، وفي زحمة الاستقبال الرسمي والسياسي والشعبي، كانت أول تهنئة من الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ثم كرت الاتصالات الهاتفية المهنئة من رئيسي الجمهورية والحكومة وعدد كبير من أهل الدولة.
«كلنا تلاميذ في مدرسة الامام السيد موسى الصدر». بهذه العبارة أجاب ابراهيم الرئيس بري على عبارات المجاملة الطويلة التي قالها له، وتعهد له بأن يكون ملف المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي أولوية لا تتقدم عليها أولوية ثانية في المرحلة المقبلة.
صفقة أعزاز من ألفها الى يائها -1-
الحريري «يتبرع» لبري ونصر الله.. وقطر ترد «الأمر لي»!
صفقة أعزاز من ألفها الى يائها -2-
«ألو.. سمير العموري.. معك عباس ابراهيم»!
صفقة أعزاز من ألفها إلى يائها -3-
واشنطن لأولوية الإفراج عن طُل الملوحي.. ودمشق ترفض المبدأ
صفقة أعزاز من ألفها إلى يائها ــ 4 ــ
الأتراك يسحبون أيديهم.. والطياران يقعان في «المصيدة»!
صفقة أعزاز من ألفها إلى يائها ــ 5 ــ
«داعش» في أعزاز.. الزوار في «باب السلام»!
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه